تحسست بيدي بضع سنتيمترات من الحائط، حتي لامست أناملي زر الإضاءة….
و سرعان ما ضاقت حدقتا عيني…حين غمرهما شعاع من ذلك اللون الاصفر الكئيب….ليحتل هذا المكان…والمسمي محل عملي.
منذ ان تركته بالامس ، لم تمر سوي ثمان ساعات،حاولت فيها جاهدًا ان استكمل مجرد حلم واحد……
ولكن….باءت محاولاتي بالفشل…..
إستلقيت علي مقعدي المفضل في منتصف الغرفة….وانا اتساءل عن حجم الاحلام التي مرت بمخيلتي…ولم استكملها….
سألت نفسي…هل ان كنت اعمل بوظيفة اخري، كنت استمتعت بما يجول بخيالي؟؟
وان كنت استمتعت…..هل كنت سأحقق اي منها؟؟
وان كنت…..
أفقت فجأة….إثر رنين متواصل من هاتفي….
وتذكرت انني هنا…
وضعت الهاتف علي اذني….
وكان هذا الحوار:
--------------------------
أنا: اهلا….ازي حضرتك؟!
هو: …………………
انا: بخير …..ألحمد لله
هو: …………………
أنا : تحت امرك
هو: ………………..
أنا : رخصة؟
هو: ………………
أنا: بس كدة….عينيا
هو: ……………..
أنا: لا متقولش كدة ، دة واجب
هو: …………………..
أنا: اتفضل اتفضل، مع السلامة.
--------------------------------
انتهت المكالمة…….وضعت هاتفي جانباً…….
ونظرت اليه بإحتقار شديد…..ثم اخرجت زفيراً قاسياً….كان يحتل صدري….
ضغطت علي زر استدعاء العاملين خارج المكتب…..
وجاءني ذلك العجوز المرهق دائمًا……
أنا: عم احمد، عايز كباية شاي
عم احمد : ……………….
انا : ثلاثة….فتله
انصرف الرجل…والتقطت جريدة يوم أمس…….
" العاصفة تضرب إيران"
…..كان هو عنوانها
يا الهي….كم هي مفزعة تلك الصور القادمة من اراضي الدولة الفارسية.
" اكتشاف خمس حالات جديدة تحمل فيروس………."
يا الله…كن رحيمًا بنا…..انه مازال ينتشر…..
"مصرع 6 إثر حادث أليم جنوب العاصمة"
الله يرحمهم………
وأثناء تغيير صفحة الجريدة….قطع الهاتف جولتي الإخبارية المأساوية برنينه الرومانسي….
--------------------------
أنا : مساء الخير…..ازي حضرتك؟
هو : ……………………
أنا : بخير الحمد لله
هو : …………………..
أنا : لا….لا تحت امرك
هو : …………………..
أنا : فين بالظبط ؟
هو: ………………
أنا : في المنتزة……كان بيعمل ايه؟
هو : ………………………
أنا : صاحبته؟
هو : ……………………..
أنا : ربنا يسهل…ما اوعدكش والله….بس…….
هو : …………………..
أنا : لا لا تحت امرك…..اتفضل اتفضل
------------------------------------
أغلقت الهاتف وقمت مسرعًا بتحويله الي الوضع الصامت ….. واستكملت جريدتي
" الفنانة ………. : الإغراء مهنتي…..والبوس ضروري في ……………."
والله ربنا يخليكي للشعب وللفن.
" مصدر داخل الجماعة : سر الهجمة البربرية للأمن علينا"
إتقوا الله بجد بقا…..جماعة ايه ونيله ايه….
" مصدر مسئول: وفرنا أحدث وأسرع و أعلي و أكثر و أقوي وأشد………."
طبعا لم استكمل الخبر….فكل أخبارنا علي وزن أفعل.
جاءني الرجل العجوز ذو الشارب الضخم قائلا:
"الشاي يا باشا"
وافقته بإيماءة من رأسي…وشرعت في مواصله ذلك الفيلم اليومي المتكرر المسمي بالجريدة…..
ولكنني لم أستطع….
فإستيائي وغضبي قد وصلا الي ذروتيهما…..
وما عاد الصبر قادرًأ علي مجاراتهما……
وربما ينضم اليهما في القريب…بعض السخط والكراهية…..
أجل …الكراهية لكل ما يجري وما سيجري….
الكراهية لتلك الرجعية والتقوقع…والانهيار الاخلاقي والمسلكي
ما عدت قادرًا علي الصمت…..وما عدت قادرًا علي إحداث تغيير
ومن يتردد بين مقعدين…يقع أرضًا
وأنا بالفعل ملقي أرضًا…..
ما عدت اري قوتي وكبرائي…وسط الاقزام
صرت مثلهم……و……..
قاطعني ذلك الضوء المتقطع علي شاشة هاتفي…..
يا إلهي….إنها ملاكي….وملاذي….
إنها ….الوحيدة القادرة علي إحساسي بشموخي وثقتي بنفسي…
ملهمتي….تنتظر سماع صوتي…..
وأنا أيضًا…أنتظرها…..لكي أهرب معها…….
بعيدًا
.بعيدًا جدًا….عن هنا….
عن الارض وما عليها…..ومن عليها……
بعيدا عن الظلم والقهر والجهل……
بعيدًا ولو قليلا…..
الي ذلك القرص الفضي المعلق في السماء…..
دعوني اهرب معها……
ولو بقلبي