أمسك كفّها ليقرأ طالعها، وهي بين رغبة بالتسلية وبين بعض الفضول أسلمته الكفّ الستينيّ ليتمّلاه كلوحة سريالية.
فكرت في سرّها.. كيف تقرأ صغيرتها ظاهر كفّها لا باطنه بحبّ.. تعانق العروق النافرة .. وتتهجّاها عرقاً عرقاً، فلكلّ منها حكاية كأنها دروب الحياة التي تترك تواقيعها الأكثر تعبيراً على الكفّ والوجه.
قال بعين ساهمة:
"تعرّضت بطفولتك لأمر"
تضحك:
"والله كنت طفلة هادئة جداً ومرّت طفولتي بسلام.. حتى اسأل والديّ لروحيهما الرحمة"
يصرّ:
"مستحيل.. تذكري جيداً"
وتبدأ عملية النبش في ذاكرة تلاعب بها النسيان ما طاب له:
"كنت صغيرة حين ضربتني درّاجة نارية وانقذني من يقودها لأقرب صيدلية .. لم تزل العلامة بجبهتي".
يبتسم مزهوّا:
"نعم .. رأيت كيف أن عمراً جديداً كتب لك"
تشاكسه كعادتها ممازحة:
"بحبش" لي هل يبدو أخي الأكبر بعامين وهو يرمي باكياً من خوفه علي البطيخة التي كان يحملها لأجل النزهة المشتركة" ..
يعيد التأمل في الكفّ من زاوية مختلفة:
"هناك فرصتان ضاعتا منك"
تنفلت في أعماقها ألف آه.. هل حقا كانتا فرصتين فقط..
وهل هناك من لم يفوّت فرصة ما في عمره خاصة إذا كان قد جاوز الستين.
ثم لتدعم رؤياه .. تخبره بحماس عن كليّة الصحافة التي ذهبت لتسجّل بها كما كانت رغبتها دوماً ثم كيف غيّرت رأيها بآخر لحظة وبقيت في كليّة العلوم.
اليوم سيخبرها بباقي الخبايا والخفايا
ولن تنسى أن تهمس له.. أن قارئ الكفّ الخبير تسلمه النساء أسرارهن طواعية..
كلّ ما عليه فعله أن يقرأ كلمة حقيقية واحدة .. وهنّ يتكفّلن بإتمام النصّ.
***
على فكرة أنا لا أنكر هذا العلم .. فإنكاره عنجهية فارغة..
كما لا أقرّه .. فإقراره لن يغير مما جرى في حياتي السابقة ولن يمنحني فرصة لتغيير خط مرسوم.
لكني أتساءل ببراءة .. عن صديق أكلت النار خطوط كفّه.... ماذا عنه ؟!