أنا أتعاطى الشعر، وإدماني ليس حديث العهد، فقد ابتدأ بسنّ مبكرة ولم أجد من يردعني، بل على العكس الكلّ شجعني.. أبي.. أخوتي.. صديقاتي.. مدرسات اللغة العربية.. وحتى رئيس تحرير مجلة راسلتها في صباي فتوقع لي مكانا مرموقا بعالم الأدب، فخيّبت ظنّه وظنّي.. إذ لا مكان لموقع قدم في هذه الزحمة، وهناك ثمن يدفع كي تكون مرموقاً.. فألوذ بسدّ الرمق.
أنا أتعاطى الشعر، لكني لا أتعاطى المنابر والنشر، فلعلّ منبراً يعتليني إن أدمنته، وأنا أنفر من الاستعلاء ولو من السماء.. ويكفيني أن أبثّ صوتي للضوء والعشب والهواء.
أنا أتعاطى الشعر، لا كتعويض عن مركّب نقص.. فكلانا كينونة كاملة، أنا وهو .. أسكن إليه ويسكن إليّ، لا عن حاجة .. ولكن عن احتواء، وحين نملّ من بعضنا.. نبتعد قليلاً لنعود أكثر اشياقاً واشتعالا.
أنا أتعاطى الشعر، فهو الوحيد الذي إدمانه لا يشوّش الحواس ولا يفسد العقل ولا أحلف على الإقلاع عنه ثم يأتي بي صاغرة، لأنه جلدي وروحي وصلصال طينتي معاً.
أنا أتعاطى الشعر، لأنه البئر الذي أصرخ به حيناً اعتراضي، وحينا أسارره بهذيان الرؤى، فلا يعاتب ولا يلوم.. ولا يفضح ولا يرجم.
أنا أتعاطى الشعر، وأنظم الحبّ الذي لم أعشه سلسبيل نور وزهر، وأبتهج بكذبي الصادق.. ونفسي أعانق.. في اكتفاء الواثق.
أنا أتعاطى الشعر، لأغمض عيناً عن الأمس.. وأخرى عن الغد، وأنتشي بأمدية اللحظة في رحاب قصيدة.
أنا أتعاطى الشعر، كي لا أشتم الدنيا وأهلها، وأندب حظّي، وأفضح وجوهاً ترتدي الخير وباطنها مرعب، وأحطم الأصنام.. وأسقط الرموز.. وأسخر من الازدواجية والفصام، فأحافظ على أنفاسي عطرة .. من الانسياق وراء حرب الأفكار .
هي دعوة للتعاطي
علّ بها خلاصاً من إدمانات أخطر.. مابين الدين والجنس والسياسة.