نقـــــ....د





أفكار              أفكار             أفكار










وقعت قصيدة صوفية يوماً بين أيدي مجموعة من النقاد المحترفين .. وتحت رقابة عيونهم الراصدة الخبيرة .



قصيدة لمعت كومضة في قلب كاتبها .. لتنتقل إلى الورق بأمانة وبالطريقة التي وردت بها دون تحريف وتزويق



وبدأت حملة التحليل والتدقيق على قدم وساق .



قال الأول : قصيدة تنقصها الحداثة .. تعتمد الطريقة الكلاسيكية في الشعر وكأن صاحبها لا يزال يحيا في القرون



الوسطى .. وأنتم تعرفون أن هذه الطريقة لم تعد تصلح الآن ..فشعر التفعيلة يكاد ينقرض .. وقصيدة النثر



هي السيدة .. لأنها تتمرد  على الضوابط التي تحجم المعنى وتعيق الانطلاق  .. وإيقاعها الداخلي يتناغم مع روح  



هذا العصر الحر .



أردف الثاني : معك حق يا صديقي .. ويبدو لي أن الفكرة أصلاً مسروقة .. كذلك الأسلوب .



كأني قرأت مثلها يوماً لابن الفارض أو الرومي أو ربما للشيرازي



تململ الثالث وتنحنح قبل أن يدلي بدلوه :



أهم ما في الأمر أن القصيدة تنقصها البلاغة اللغوية .. مفرداتها بسيطة .. لم يكلف صاحبها نفسه عناء البحث عما



يعطي قصيدته قيمة .. وكأن الشعر هو فقط رصف كلمات على القافية .



آه على هذا الزمان الذي أصبح الجميع فيه مغنين أو شعراء .



التفت الجميع إلى الرابع ليتحفهم برأيه القيم فقال :



  يبدو لي كأن صديقنا الصوفي هذا يعيش على المريخ . أفكاره تهويمات لا نفهمها .. يكتبها لنفسه فقط ..



أسفي على وطن .. يموت فيه الإنسان بأبشع الطرق بينما يهرب الصوفي إلى عالمه الداخلي الجميل .. ولا



يعنيه إلا إلهاً يخترعه ويحبه على طريقته .. يظن الحب كلمات تنشد في الخلوة ووجداً  يهبه الجنة وهو بين



أحضان الطبيعة



الخامس .. رأى أن التصوف لا يمت للدين بشيء .. وهو أصلاً يفتقر إلى الإثباتات العقلية التي تدعمه.



شطح وجنون وحالات نفسية غريبة تبقى أسيرة وهم صاحبها لدرجة أنه يحسبها يقيناً . وهو شخصيا – كما قال –



يترفع عن نقاش مثل هذه الحالات المرضية ..



علق السادس مستهجناً : تصوروا أي خرق يصل إليه الصوفي وهو يصور الله كحسناء. . و يتغزل بقدها المياس



ومفاتنها الأنثوية دون ورع أو احترام لحقيقة الله المقدسة .. ويسمي مشاعره بعد ذلك  عشقاً إلهياً ..





انسلت القصيدة الصوفية بخفة من بين أنامل نقادها .. التي تناولت للتو موضوعاً آخراً مختلفاً



ثم طارت مع النسيم إلى قلب ما .. في مكان ما .. لتقيم هناك .



لم تحزن القصيدة .. ولا آلمها النقد .. لأنه كما يقول الجميع دليل وعي ونضج فكري من جهة .. وطريق نحو



التحسين والجودة من جهة أخرى .. خاصة حين يكون بناء



ولكن تساءلت ببراءة : يا ربي ..



هل علي أن أتجمل .. أو أغير لوني ..  كي يرضون عني ويثنون علي



ورددت بيت شعر تحفظه :



علي نحت القوافي من معادنها



وما علي إن لم يفهم البشر



*ثناء درويش*








View thanaa's Full Portfolio