أين أنت





أفكار              أفكار             أفكار









وسط لجة بحر الحياة .. وفي خضم أمواجه المتلاطم .. يعلو صوت الإنسان  



حزينا ..  غاضبا .. متمردا:



" أيها الإله..إن كنت حقا موجودا.. أين  أنت ولم لا أراك



خلقتني بالقهر .. حكمتني بالجبر .. أسلمتني للنهي والأمر



وقلت بعد ذلك أنت حر



بينما خيطي مربوط بكفك .. مهما مددته لي



لو أنك هنا .. حاضر موجود في كل الوجود ..



لمالا تخفف إذاً  من سطوة الموت ورهبته



من حزن الإنسان و ألمه



من جموح الطبيعة وهيجانها



أين رحمتك التي وسعت كل شيء لتتغمدني بها



أين عدلك وأنت ترى أي ظلم يحيق بخلقك "



ويكبر الشك ويتوالد كخلية سرطانية



ويمتد دخانه كمارد خرج من قمقم



ويحسب الإنسان أنه امتلك قوة هائلة وهو يصيح اليوم



وبعد كل الرسالات والأنبياء والحكماء بجرأة : أين أنت ؟!



هكذا هو الإنسان وقد ضعفت ثقته بالخالق



لأنه كالعادة يعود ليقيس الأمور  بمقياسه المحدود



وقد نسي .. وربما جهل  قانونا إلهياً بسيطا



قانوناً يحتم جود علاقة بين الآخذ والمعطي .. بين المرسل والمستقبل *





وأتأمل ..



ولأنكم من أحب أشرككم بتأملاتي :



في القرآن الكريم يقول تعالى :



" أمن يجيب المضطر إذا دعاه "



ويقول عز وجل :



"ادعوني أستجب لكم "



ويقول المسيح علينا منه السلام :



اسألوا تعطوا . اطلبوا تجدوا . اقرعوا يفتح لكم . لأن كل من يسأل يأخذ . ومن يطلب يجد . ومن يقرع يفتح له .



وقوله لمن لامست هدب  ثوبه من ورائه لتشفى : ثقي يا ابنة . إيمانك قد شفاك



وقوله للأعميين وهو يلمس أعينهما : بحسب إيمانكما ليكن لكما



وانتهاره التلامذة الذين أيقظوه لينجيهم من طغيان الأمواج على سفينتهم :



" ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان "



وهنا أتساءل :



ألم تكن إذاً مسألة الشفاء ثنائية الجانب



ألم تسهم المريضة بشفائها عن طريق إيمانها بمن دعته وتوسلت إليه



ونسمع كثيراً عن أمراض مستعصية شفاها إيمان صاحبها ويقينه



ولا أعتقد أن ذلك وهم أو ادعاء ..



لقد قيل لنا ونحن صغاراً : آمن بالحجر ينطق



اقرأ بسم الله صادقاً على الماء يجمد



وكأني أسمع من يعترض قائلاً : فعلنا ذلك مرات ما نطق الحجر ولا جمد الماء ولا رأينا أحداً استطاع ذلك



ربما يكون هذا صحيحاً



لأنه وللأسف الشديد .. لم نصل بإيماننا لمثل هذه المرتبة *





المدد الإلهي في الكون كله



روحه مبثوثة في كل مكان



وفيضه لا ينقطع لحظة واحدة



لأنه لو انقطع لفنيت الصنعة كلها



الإرسال مستمر .. والمشكلة إذاً ليست في الإرسال إنما في المستقبل



والأمر أشبه بمحطات الراديو وتوجيهها لاستقطاب الموجات الأثيرية



ولولا هذا التوجيه ما وصلنا البث



كذلك قلوبنا لما فقدت إيمانها أو ضعف ما استطاعت التقاط موجات الرحمة



فأصاب الإنسان وأرضه كل هذه الويلات



الفيض يأتي إلى القلب كل وقت



إن وجده كالبلور نفذ فيه



وإن وجده كالصخر الأصم انعكس عنه وكأنه ما كان



ليترك صاحبه يتساءل وسط ألمه وحزنه  : أين أنت ؟!*





ما أشبه الأمر بمغناطيس



وحدها برادة الحديد تنجذب إليه من بين كل المعادن .





والعلاقة ثنائية الجانب



تفسر لنا معنى الأذان والتراتيل الكنائسية والأناشيد الدينية



وتبين القصد من المانترا التي يكثر الآن الإلحاح عليها لاستجلاب الطاقة الإيجابية في الكون



بإحداث تغيير في داخلنا ينتقل معه العقل إلى الوعي الخفي للبركة السماوية



أو كما يقال : لأخذ العقل الواعي من مجال الفانيات في العالم الخارجي إلى الحالة الصافية للوجود





وأختم بهذه الكلمات للإمام علي علينا منه السلام من نهج البلاغة يخاطب بها ابنه الحسن في خطبة مطولة :



" ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته . فلا يقنطك إبطاء إجابته فإن العطية على قدر النية . وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل . وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك . فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته . فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله ، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له "



*ثناء درويش*










View thanaa's Full Portfolio