ظلال
الظل الرابع و العشرون
فاتن
لمْ يعدْ التجاهلُ مجدياً، كما أنّ الصدَّ يزيده إصراراً ورغبةً.
هاهي رسالةٌ جديدةٌ في بريدي الالكترونيّ، يمكنني أن احزرَ سلفاً مصدرها حتى قبل فتحِ علبةِ البريدِ، كعادته كلّ صباح.
العباراتُ ذاتها يرددها بطريقةٍ تزيدني نفوراً، و الغزلُ الممجوجُ الذي لديّ يقينٌ أنه قاله لسواي مرّاتٍ و مرّات :
"أما آن أن تليني و ترقّي، لصبٍّ في هواكِ، غير التفاح الناضج حلفَ ألا يذوق "
وأكاد أسمعُ صليلَ الرغبة في دمه :
"تعالي قبل حلولِ الخريفِ، فعمّا قريب يولّي زمنُ النضجِ، يبهتُ اللونُ وتتلاشى الرائحةُ ويصبح المذاقُ الطازجُ كريهاً، فتسقطين وحيدةً متعفنةً، كأنك ما زهوت على غصنِ الحياةِ الأخضر".
برأسي الصغيرِ لمعتْ فكرةٌ عاجلتها بقرارٍ سريعٍ.
أناملي ترقصُ بخفّةٍ على لوحة المفاتيحِ، والحروفُ شهبٌ تتساقط على الفراغِ الأبيض، و الوعدُ أبوابٌ مشرعةٌ لعاشقِ الوهمِ الذي لا يشبع.
" لا بأس، انتظرني، سيأتيك ردّي بعدَ ثلاثِ ليالٍ سويّا "
لا أعلمُ كيف مرّت تلك الليالي عليه، في احتراقه شوقاً للثم وضمّ، و لا النارُ التي اشتعلت في سريره، ولا إحساسه الخفيّ بالنصرِ كصيادٍ أفلحَ في قنصِ غزالته الطريدة.
لكني أعلمُ أن التفاحةَ الناضجةَ إن قضتْ أمراً فعلته.
كجنيّة تسللتُ إلى حاسوبه، أجريتُ بلمحِ السحرِ عمليةَ استعادةٍ لكلّ ما في سلة المحذوفاتِ من أعقابِ التفاحِ الأخضرِ المقضومِ و رسائلِ الاشتهاء، و أعدتُ إرسالها من جديد عقباً عقباً إليه.
بعد ثلاثِ ليالٍ سويّا، بلغني أنه كرهَ التفاحَ عن بكرةِ أبيه، وصارَ محرّماً بعرفه كفاكهةٍ تؤجّجُ الرغبة وتثيرُ الفتنة، و الكثيرون لشيخ تحريم التفاح على إثره ماضون .