نسيم
أمضيتُ ربعَ قرنٍ في رسمِ لوحتي الخالدةِ لامرأةٍ عاريةٍ، يسترُ بعضُ جسمها بعضَه الآخرـ، فتتركُ لخيالِ الرائي إكمالَ ما توارى.
امرأةٌ تسدلُ أهدابها حياءً، فيثرثرُ اكتنازُ الثغرِ بقصصٍ و حكايا انعتقت من فنون الإغراءِ الرخيصِ.
اعتكفتُ في معبدِ مرسمي مع شياطينِ الوحي تتقافزُ حولي و تتسابقُ لنيلِ الرضى، و كان قلمُ الفحمِ يأبى أن يضيفُ خطّاً أندمُ عليه يوماً.
تتساءلون عن اسمِ المرأةِ التي رضيتْ أن تكون موديلاً لربعِ قرن.. فأبتسم في تواضعِ المغرور.. أن لم أستخدمْ موديلاً أبداً.
كنت أحشدُ في ذاكرتي كلّ النسوة اللواتي عبرن حياتي و تركنَ بصمةً هنا أو هناك.بينما تتساقطُ تفاصيلُ أجسادِ اللواتي نادتهم حاجتي لأنثى فتلاشين بعد اطفاءِ رغبتي كالبخار.
هكذا خرجتْ اللوحةُ اكتظاظَ الحبّ في لحظات التجلّي تروي قصةَ حياتي.. ولو مرتْ كلّ امرأةٍ أحببتها أمامي لرأت نفسها مكثّفة كتقاطرِ الضوءِ في بقعةٍ منها.
ضننتُ على عمري المستودعِ فيها من البيعِ او حتى إهدائها و كنت لا أغيّر مكان تعليقها إلا كلما غيرتُ مسكني، لتكون محطّ الأنظار من كل الجهات . إلا العيون التي يرعبها العريُ، فتختلس النظرَ من رأسٍ منكّس في ورعٍ مصطنع.
إلى أن ادلهمتْ ليلةُ......
داهمَ الحُماةُ بيتي، و كنتُ يومها أزور قريتي، ولولا ذاك لحطّموني كما حطّموا عمري وليتهم فعلوا.
نسائي قطعٌ متناثرةٌ على الأرضِ .. دماؤهن بسوادِ الليل.. يبكين أنهن عرفنني.. فليس للفنّان ربّ يحميه.