Author Information
الظل الرابع عشر / صلاح
Folder:
ظلال
"ظلال"
الظل 14
صلاح
ما كنت لأضيّع وقتك بحكايتي التي قد تجعل الكثيرين يبتسمون وكأني أروي طرفة أو دعابة، لولا أن الأمر زاد عن قدرة تحمّلي، ولم تنفع مع شريكتي أو التي يفترض ان تكون حقاً بيننا شراكة .. كل وسائل الإقناع.
منذ أيام أمضينا سهرة رأس السنة في البيت فقد اتفقنا ان ندعو مجموعة من الأصدقاء للعشاء .. مما يمنحنا فرصة للسرور وتغيير الجوّ الذي نحتاجه فعلا ، فكلانا مرهق من العمل خارج البيت وداخله ومتابعة الأولاد لحرصنا معاً على تربية صالحة وسط كل هذه الفوضى والفساد.
وما أن التمّ الشمل و دبّ الحماس بنا للرقص والطرب، حتى رأيتها تنهض لتجلس قرب التلفاز مشدودة بكل حواسها للمتنبئ الذي جاء الاستديو بلباس عظمة التنجيم الذي رفع نجمه عالياً في السماء وأصبح مرجعية حتى للرؤساء والملوك.
همست لها أن تؤجل متابعته للغد فتراه على اليوتيوب، ولكن فضولها كان أكبر بكثير، وراحت تسأل كل واحد منا عن برجه وتخبره ما يتوقع أن يحدث له..
وما أن انتهى حتى قلبتُ المحطة إلى صباح فخري وشددتها من ذراعها للرقص، لكن عقلها ظل منجذباً نحو الشاشة فقد عادت إليها قبل انتهاء الأغنية ووضعت على المتنبئة الشهيرة التي تنبؤاتها لا تخيب..
وهكذا أمضينا السهرة كما هو مخطط لها تماماً ممن يمسكون زمام الأمور للتلاعب بعقولنا وجرّنا كالأنعام لقدر مرسوم بدقة.. وغادر الأصدقاء بيتنا وكلي ثقة أنهم أقسموا الا يفسدوا بهجتهم لمقدم عام جديد بتوقعات الأبراج.. مع حضرة زوجتي.
ستقولين .. هي ليلة ومرت .. وتحدث مثل هذه الأشياء بين الأزواج لاختلاف الطبائع والميول..
معك حق سيدتي ، ولكن حياتنا كلها صارت بأيدي النجوم لا بأيدينا..
"لا تخرج فطالعك يقول ستتعرض لحادث....
اسحب بطاقة يانصيب برج هذا العام لصالحنا...
سأقطع علاقتي بصديقتي .. يقول برجي أني سأتعرض لخيبة أمل من أقرب الناس...
أرأيت مديرك وجه لك ملاحظة كما قال المتنبئ...
وعكة صحية تصيبنا معاً .. انظر كيف أصبنا بالأنفلونزا...."
وقيسي على ذلك من ترهات وبديهيات تحدث بالحياة لكل منا..
وليت تعلقها بالغيبيات اقتصر على الاهتمام بالأبراج...
إذا ارتفعت حرارة ابنها هرولت للشيخ يكتب لها تميمة...
وإذا تشاجرنا .. تقول عين وأصابتنا حسداً وغيرة
وإذا فقدنا مالاً تقول الشيخ وصف لي فلاناً وهو يتردد على بيتنا ويعرف مخابئنا..
بالأمس طفح الكيل بي لما عجزت عن إقناعها بأن دعينا نحيا بسلام بعيداً عن الدجالين وقسوت عليها حين اتهمتني بأني لا أصدق إلا ما أراه.. وأن عقلي يحجب إيماني.. ثم صرختُ طالباً منها ألا تفسد عقول أولادنا الذين ينبغي ان يصدقوا العلم وحده .. وأن ما نؤمن به يتجسد حقا ولا أستغرب أن يتحقق ما يقوله المنجم ما دامت تؤمن به.
فأجهشت باكية وهي تقول:
والله أجمع كل المتنبئين على زلزال يهدد بيتي و أسرتي
ثم صفقت الباب وخرجت.
