الظل الثامن
شادي
"لعن الله الفقر و الجهل"
أرددها صباح مساء كتعويذة حافظة شافية أو كبسملة لازمة.
من يقول لك أن فرح اللحظة الحاضرة يمسح ألم الأمس يكون جاهلاً بالنفس و ملفاتها السرية أو المتراكمة ، و لا أقول كاذباً .
فها أنا قد بلغت الأربعين ، وقد رزقني الله بطفلين كفلقتي القمر ، ميسور الحال بعد رحلة شقاء ، كلّ همي أن أهبهما و زوجتي الحياة الكريمة ، طالما كان مجيئهما للدنيا اختياري و قراري .
لا ألوم قسوتك يا أمي ، التي بقيت ندبة في لوحة كتابي ، فالحياة كانت أقسى عليك بكثير ، حين حرمتك باكراً من زوجك و والد أطفالك ، و تركتك بلا معين و لا سند.
هكذا .. وجدت نفسي و أخوتي ضائعين في شوارع المدينة العاهرة، مدينة امتصت طفولتنا بشبق و فجور.
كم فظيع أن تصبح رجلا فجأة ، و تصبح لعب الأطفال أسطورة في خيالك.
كم رهيب أن ينوء الظهر الطريّ بصندوق البويا ، وأن ينحني الرأس سنوات لمسح أحذية أنظف من نفوس أصحابها بكثير.
كم هو مفجع أن تتعرض طفلة للتحرش الجنسي ، و ينقذها الله الساكن بي من براثن ذلك الوحش.
لا أقصد أن أنكأ جرحك أختاه ، بل أماه.
هل تذكرين
كنت أناديك أمي ، رغم أنك تصغريني بعام واحد فقط.
كيف أنسى حنانك الذي عوضني عن حنان أمي التي لم تكف لحظة عن الصراخ ، و لعن القدر الذي ابتلاها بكل هذه الأفواه الجائعة ..و الذي جعلها تسلك الدروب الملتوية أو أساليب الذل لاقتناص لقمة العيش.. بينما نشهد ذلك بلا حول أو قوة.
لترحمها السماء ، فلعلها الآن في راحة و صمت ..فالموت أحيانا كثيرة أرحم من القهر.
كان همي يا هبة ، أن أخرجك من المستنقع الذي تشرب ماءه أخوتنا و ارتضوه قدرا و اختاروه سلوكا و انحرافا.
"لعن الله الفقر و الجهل"
مالي و أسئلة مالها جواب ..كأن أسأل .. من الظالم و من المظلوم ؟؟!!
لأني لا أراها إلا كحبات السبّحة فكل ظالم مظلوم وفق سيكولوجية الإنسان المقهور .
تعالي يا هبة .. نجرب أن ننسى و نعوض بأولادنا بؤس ماضينا.
فكتابه إن جربنا تقليب صفحاته ، سيجعلنا نكفر بالحياة من جديد
و أنا بنعمة أنك أختي الحبيبة ..... لا أريد ذلك .. لا أريد.