الظل السابع
جمال
لم أرضع كسواي حولين و لا حتى حولاً واحداً من ثديِ أمي، لذلك قد تكون أمي بقرةَ تلك المرأة المسكينة التي كانت تقطع المسافة كلّ يوم من ضيعتها إلى المدينة، لتبيع الحليب و تعيل صغارها.
ستقولون لستَ الوحيدَ الذي لم يرضع حليباً طبيعياً وليس في ذلك إثمٌ و لا حرجٌ، لكنكم ربما غيرتم رأيكم إذا علمتم السبب.
فأمي - أو من سأضطر اصطلاحاً أن أدعوها أمي للضرورة الأدبية التي تقتضيها كتابة شهادتي هنا - تعمّدت أن لا تجعلني أتعلق بحضنها منذ الليلة الأولى و خافت على صدرها من التهدّل و الترهّل ، فتتشوه لوحة الجمال و يسقط الصدر الناهد من عليائه و تسقط معه عيون المعجبين.
أرى منكم من يقلب شفته استنكاراً و يتهمنى بالتحامل على من حملت بي تسعة أشهر و تحملت أعراض الحمل بأنواعها ، ثم آلام الولادة التي ربما لو اختبرتها لقبلت قدمي أمي تقديساً و اعترافاً بالجميل.
لا تستعجلوا، لأني وقبل كل شيء كقيصرَ ولدت من الخاصرة ، لأن السيدة هند او من سجلت بشهادة ميلادي على أنها أمي ، لا تريد أن تتوجع ما دامت هناك وسيلة أخرى تعفيها من ذلك.
كل ما أذكره من طفولتي بعد ذلك صورا باهتة لكنها ملحاحة لا تغادر مخيلتي.
أنا في غرفة مغلقة مع ألعابي ، أبكي حتى ينهكني البكاء، بينما تصلني همساتها من غرفة الضيوف مع رجل غريب.
باب الدار الذي يفتح و يغلق بعد خروج أبي لعمله ، ثم قبل عودته بساعة.
و صورة لا تبرح خيالي الطفل......
حقيبة تجمع بها ملابسها ذات صباح ، بعد أن تضعني في سريري لأنام ، تحمل الحقيبة بهدوء و تغادر ، إلى غير عودة.. مصغية لنداء رغبة كان أقوى بكثير من نداء أمومتها المفترضة.