الظل السادس / آمنة

Folder: 
ظلال

 

 

الظل السادس

آمنة

  


مهلك عليّ يا ملاك الموت الرحيم، قبل أن تقبض بأمانة آخر زفرة و خلاصة شهيق حياتي، أمهلني بعض الوقت لأدوّن شهادتي ها هنا كأمٍّ.

فجارتي صفية  التي شحذت من السماء ضناها على مدى ربع قرن، تجعل من كل قُبة و مزار وليٍّ حائطَ مبكاها، و تصدّق شعوذة الدجالين و السحرة مهرولة كهاجر بين صفا حلمها و مرواه، تستسقي جنيناً لم يتكون نسغَ وجوده.

لترمي لها السماء أخيراً طفلاً معاقاً، ليست آخر الأمهات المقهورات المعذبات بنار أمومتهن التي هي ذاتها جنتهن الموعودة.

ويحي ماذا قلت .. هل قلتُ " طفلاً معاقاً؟! "

لتحل عليّ اللعنة بما نطق لساني من بهتان، بما تعود عليه من تعابير دارجة ذابحة من الوريد للوريد لكل أمٍّ.

فلعل كلّ ولد أنجبته من أولادي الثمانية أكثر إعاقة من ملاك صفية.

أولادي الذين يتمتعون بالمال و يسر الحال و كلّ واحد منهم يوزع عقلاً على أمة بأكملها.. لكنه أعجز من أن يهبني رحمة تهوّن عليّ جحيم أرذل العمر، وكلٌّ يدور في متاهة أناه المغلقة و العمل على زيادة أبراجها علواً، بينما لديه دوماً المبرر لشحّ نفسه.

فكيف لطفل بلا حول أو قوة ذي احتياجات خاصة أن أدعوه كسواي معاقاً؟!  

صفية رغم وهنها من حمل طفلها و تلبية احتياجاته التي صارت ترهقها و لا يطاوعها جسمها الضعيف عليها، تشعّ عيناها إن ذكر طفلها ولا تفتأ تردد : "هو بركة هذا البيت و باب دخولي جنة الرحمن.

حين يبتسم مستشعراً دفء حضني ،أنسى كل شيء إلا هو، و حين يبكي بقهر أعرف أن الله غاضب على البشر."

صفية التي بعد موت طفلها انطفأت كنور شمعة، خالدة لذكرى ملاكها.

بينما أنا أنتظر أن يتذكر أحد أبنائي الثمانية في زحمة انشغالهم أن له أماً عاجزة.


 

 

View thanaa's Full Portfolio