(1)
في الصومعة
بيني وبين الباب أقلام ومحبرة،
صدى متأفف،
كوم من الورق العتيق،
همُّ العبور،
وخطوة أو خطوتان
إلى الباب ثم إلى الطريق
(2)
كذب،
دمي ينحرُّ، يشتمني، يئن:
إلى متى ...، وأبصق
جبهتي، رئتي
على لقب وكرسي
أنا لست منكم
واللحم المقدد في خلايا الصومعة
لن يستحيل دمي إلى مصل
كذبت، كذبت،
جروني إلى الساحات،
اسلخوا عني شعار الجامعة
(3)
النَّاي
"ابني، وقاه الله، كنز أبيه،"
"حسر البيت، يحمل همنا هماً ثقيل"
"..العام خلف الباب يا بنتي يعود"
"غداً، يعود إليك، بعض الصبر"
"سوف يعود، والله الكفيل."
ولربما ماتت غداً
تلك التي يبست على اسمي
ومص دماءها شبحي
وما احتفلت بلذات الدماء،
ماتت مع الناي الذي تهواه
يسحب حزنه عبر المساء
ومع الورود متى التَوَتْ
بيضاء، ينسج عرسها ثلج الشتاء
طول النهار
مدى النهار
تنحل في عصبي جنازتها
يحز الناي فيه
وما يزيح عن القرار
ماتت وما احتفلت وما عرفت
رفاه يد تظللها ودار.
(4)
الريح
طول النهار
مدى النهار
ربي متى أنشق عن أمي، أبي
كتبي، وصومعتي، وعن تلك التي
تحيا، تموت على انتطار
أطأ القلوب، وبينها قلبي،
وأشرب من مرارات الدروب بلا مراره،
ولعل تخصب مرة أخرى
وتعصف في مدى شفتي العباره.
دربي إلى البدوية السمراء
واحات العجين البكر،
والفجوات أودية الهجير،
وزوابع الرمل المرير.
تعصى وليس يروضها
غير الذي يتقمص الجمل الصبور
وبقلبه طفل يكور جنة،
غير الذي يقتات من ثمر عجيب:
نصف من ...يسقط في السلال
يأتي بلا تعب حلال
نصف من العرق الصبيب.
الشوك ينبت في شقوق أظافري
الشوك في شفتيّ يمرج باللهيب
... في وجهها عبق ...
حين تصمت عن سؤال
... نهضت تلمّ ...
وتنفض عن جدائلها حكايات الرمال،
تحدو، تدور كما أشير بإصبعي
ولربما اصطادت بروقاً
في دهاليزي تمر وما أعي
وبدون أن أملي الحروف وأدعي
تحدو، تدور تزوغ زوبعة طروب
وأرى الرياض تسيح؛ تنبع
من يديها:
منبع الريح المعطرة الجنوب
ومنابع الريح الطرية والغضوب
للريح موسمها الغضوب.
ووو
وحدي مع البدوية السمراء
كنت مع العبارة
في الرمل كنت أخوض
عتمته وناره
شرب المرارات الثقال
بلا مراره.
ووو
ريح تهب كما تشير عبارتي
للريح موسمها الغضوب،
للريح جوع مبارد الفولاذ
تمسح ما تحجر
من سياجات عتيقه
ويعود ما كانت عليه
التربة السمراء في بدء الخليقه
بكراً لأول مرة تشهى
بحضن الشمس، ليل الرعد
يوجعها وتستمري بروقه
ماذا سوى أرض تعب
الحلم، تنبته كروماً والكروم
لها شروش السنديان،
لها عروق السنديان
ورفاه فيء البيلسان،
ماذا سوى عقد القباب البيض
بيتاً واحداً يزهو بأعمدة الجباه
يزهو بغابات من المدن الصبايا
لين أرصفة وجاه
أيصح عبر البحر تفسيخ المياه؟
وأرى، أرى الطاووس يبحر
في مراوح ريشه،
نشوان يبحر وهو في ظل السياج
ويظن أن الورد والشعر المنمق
يستران العار في تكوينه والمهزله
في صدره ثديان
ما نبتا لمرضعة
ولا للعانس المسترجله
ما شأنه ...
يسوق لجلجله
وكلت ريح الرمل
تعجنه بوحلة شارع أو مزبله
هو والسياج
وطيوب ... وما حصداه
من عسل وعاج
في موسم الريح الغضوب
مسح السياجات العتيقة في العقول
وفي الدروب
(5)
الناسك
يطل علي، يسألني، يحار
"أهملت فرضك"،
هل جننت فرحت تحلم في النهار
"حلم النهار"
"مدى النهار؟"
"هل كنت تتبع ذلك الجني"
"هل أغواك شيطان المغاره؟"
كنت مع العباره
في الرمل كنت أخوض
عتمته وناره،
شرب المرارات الثقال
بلا مراره
- الغاز مجنون وعاد
لغرفة الآثار في رأسي،
وللسلع العتيقة،
(6)
طول النهار
مدى النهار
الحين بعد الحين تعبر جبهتي
صور وتنبت في الطريق
صور يشوهها الدوار
أمي، أبي، تل التي
تحيا تموت على انتظار
يشد قواه ينهرني، أفيق:
بيني وبين الباب
صحراء من الورق العتيق وخلفها
واد من الورق العتيق وخلفها
عمر من الورق العتيق.