نقلا من منتديات جزيرة صاي
خليل في الحركة الوطنية
كان خليل فرح عضواً بجمعية الاتحاد السوداني التي تكونت عام 1921م في بيت محي الدين جمال أبو سيف ، ومن أعضائها المؤسسين توفيق أحمد البكري وبشير عبد الرحمن . وكلهم طلاب كلية غردون عصرئذ . واتصل بها خليل . وكان هدف الجمعية وحدة وادي النيل . ثم صار من أعضائها مدثر البوشي والأمين على مدني وعبيد حاج الأمين وبابكر قباني وتوفيق صالح جبريل وغير هؤلاء .
" لم يقف أعضاء الجمعية والمعتنقون لمبادئها عند هذا الحد بل نزلوا إلى الشارع مع الشعب يرفعون شعار : شعب واحد ـ نيل واحد ـ دين واحد ـ وهو المبدأ والشعار الذي يدين به أعضاؤها إلى اليوم . وهو أيضاً الشعار الذي هزم به الاتحاديون الانجليز وهو في أوج جبروتهم ، ومعهم سدنتهم ، رغم السلطة والمال . ثم وبهذا الشعار نفسه احتلوا الآغلبية الساحقة من مقاعد أو برلمان سوداني " (14)
وكانت الاحتماعات تتم منتظمة في الخفاء ، خوف بطش السلطة الانكليزية ، وأن بطشها لشديد . وربنا أشار إلى هذا خليل حيث قال :
خبِّي كاسكْ لا ينُوبنا نابْ ****** أصلُه خشم المركزْ ذئَـــــــــــــــــــــابْ
نحنَّ من الليث في جَنَابْ ****** ما بِصَحْ تبريم الشَنَـــــــــــــــــــــــــابْ
والمعنى ظاهر ، أن الشرطة تتربص بشاربي الخمور ( أنظر الهوامش ) غير أن المعنى قد يشير إلى تربص الشرطة عموماً ، وأخذها الوطنيين بالشدة ، ولعل الاجتماع في دار ( فوز ) كان أساساً لمثل هذا الغرض السياسي ، واتخذ سمة الندوة أو الجمعية الأدبية " والقعدات " :
" وينفرد منا شخصان نعرف ما هدفهما ، إنهما محي الدين جمال وتوفيق صالح جبريل ، من دعامات تلك الجمعية السرية ( الاتحاد ) وقد دأبا أحياناً على اعداد منشورات يحضان فيها على كراهية الحكم القائم ، وكانا مع بعض أعضاء آخرين يقومان بإلصاق تلك المنشورات عند الغسق في أماكن عديدة بالمدينة " (15)
ومن بعد جمعية الاتحاد ظهرت جمعية اللواء الأبيض ، ويرى حسن نجيلة أن الجانب الثائر من أهل جمعية الاتحاد انضم للواء الأبيض ، بينما وقف الجناح الآخر موقف الصديق العاطف وان لم يشترك في حوادثها اشتراكاً عملياً . (16) وكان خليل داعية لما قامت ثورة 1924 لنحقيقه ولك أن تراجع قصائد مثل ( ماك غلطان ) و ( الشرف الباذخ ) وغير هاتين لترى ذلك واضحاً . اذن فقط كانت مشاركته أشعاره والحانه التي اذكت الشعور الوطني بما كانت تحض عليه من حب الوطن وضرورة تعليم المرأة الخ . ودوره كان أشبه شي بما قام به الفنان سيد درويش في الأغنية المصرية ، اذ على يديه تم تحريرها من حبسها التركي المهجن بتراث عصور الانحطاط الفكري ، حتى سطعت مصرية صميمة ، متناولة حياة أبناء الشعب البسطاء وقضاياهم :
بلادي بلادي بلادي ******** لك حبي وفـــــــــــــــؤادي
أو :
طلعتْ يا مَحْلا نُورهَا ******* شمسْ الشَمُوسَــــــــــــــــــهْ
يللاّ بنا نمِلاَ ونحْلِبْ ******** لـــــــــبن الجَامـــــــوسَـــه ْ
وكان سيد درويش يستلهم الحانه من مناضلي الحياة اليومية من العمال والصيادين وتطلع لتلحين الأوبرا ، وكتب الأوبريت ، وربنا تميز عنه خليل فرح بكتابة الشعر ، وبضوح الرؤيا السياسية وشمولها اذ كان يؤمن بوحدة وادي النيل كله ، فان كان أعلام ثوار 1924هم قادتها السياسيون والعسكريون ، فإن خليل فرح هو الوجه الثقافي لتلك الثورة .
دوباي
يرى الاستاذ الطيب محمد الطيب أن الدوباي هو في الذؤابة من الفنون الشعبية وأنه يمتاز عليها بالعراقة المتأصلة في المزاج الفني للشعب السوداني وأن هذا الدوباي بدوى قح أو ما عرف عند العرب البداة أهل الأبل الذي جعلوه حداء لابلهم . (17) .
اذن فنظم الدوباي وانشاده جميعاً من شأن الحياة البدوية . وأهل الحضر ـ وإن كان قد ألفوه ـ الا أن كثيراً من مفرداته وموضوعاته لم تكن معروفة لديهم تماماً .
ولم يرسخ في ذهن المدن منه كثير شي الا كمثل :
اللّيل والنَهارْ واحدْ على العمـانْ
واللّوم والشُكُر واحدْ على السَجْمان
وذلك لسهولة المفردات والمعنى . ولعل خليلا قد أراد أن حمل إلى المدينة أيام نشاءتها ونموها هذا الضرب من الشعر ، مستغلا أنماطه المعروفة فنظم عليها كلاما غاية في الحسن ـ أكثره ـ ثم جعل كلماته حضرية الوقع ، وأغراضه كذلك ، ربما لمست هذا في :
دنّك دمُه سايِل أظــــنُه مــات مفْلُوقْ
عبّق طيبه فــــاح عسّفْ ملانَا خَلُـــوقْ
ملوك في دارنا نِحْنَ وبرَّه مانَا حُلُـوقْ
كروم بابِلْ قبيل ساقيتْنَا ليها تَسـُوقْ
أو قوله :
طويل يا ليلْ سهــادكْ ويامَا حكمـــك جَايِرْ
ومينْ حاسْ بيك بَراىْ لهفَـــانْ مقوتُه سَجَايِرْ
الشـــوقْ أمرُه مفهــومْ ونِحْنَ بينَا هَحَـايِرْ
وخـاليِ البَال حِداك ما بَبْقى ليك اخُو جايِرْ
وفي توظيف الدوباي عند خليل بحث عن التميز والتفرد " أيها المحسي " كأنه يقول " أنت من أولئك الذين يصفهم أهل السودان الأوسط بالعجمة ! ويجعلونهم من جملة ( الرطانة ) عليك الآن أن تواجه فصحاء المدينة باللغة التي يفخارون بتطويعها واجادتها . فنازل شعراءهم ، واحملهم ان ينصتوا إليك " . نعم . ثم ما لبث أن انتزع منهم قصب السبق ، بشعره الذي كان أوله بلسان أهل البادية ، وبعده أغنياته التي جاءت بما لم تألفه أذن مستمع ولا عين قارئ ، وأنشأ الشعر الفصيح ، وجعل لأغنياته ألحاناً حمل أفئدة الناس عليها إلى أفق جد بعيد .
يا عزة ..عزك للبلاد شد الرحال سوح
شايلاو عصافيرنا الماهجرا ..
تهاتى بيه تمرح ..
تدودى الكلمه بالاحزان .
ومره تعود تنم تصدح ..
تناغم الشوق ..
تتاتى لفوق ..
تبارى الغيم معا وتسرح ..
........
عديلة الليله يابلدى ..
شباب اتلم فى المطرح ..
قلوبهم عامره بى حبك .
كتير القالو فيك يمدح ..
زى جنياتنا.. ود المك ..
شالك فى حشاه فرح ..
نضمك غنوه فى الافواه
وشتلك فى البرارى بلح
بارى النيل غنا واشراق
ضامى الليل بشعرو سبح
ليك يا المك .. شوقناالطال
فرد جنحيو تياب و طرح
وحات البين وضى العين
سيرتك فى البلود تشرح
وحات البين فراقك شين
نارك فى الضلوع تنتح..
ود المك .
لزوم الليله نوفيك..شوية حق
تصون الكان زمان روح
قبل ما تبقى احلامنا
سراب مدفونه ما تبرح ..
فاصل ونواصل... أبقوا معنا
عباس حسن محمد علي طه - من الفضائية القومية لجزيرة صاي