ناقشت اللجنة التنفيذية للجبهة المعادية للاستعمار فى اجتماعها مساء الثلاثاء 21 سبتمبر 1954 مسائل عاجلة فى برنامج الجبهة هى :
مشاكل التحرر الوطنى
مستوى المعيشة
الحريات الديمقراطية
الوضع السياسى
وقد رأت اللجنة نشر الجزء الخاص بموقفها من قضية الجنوب فى مقدمة مشاكل التحرير الوطنى .
(ترى اللجنة أن حل مشكلة الجنوب يتم على الأساس التالى : تطوير التجمعات القومية فى الجنوب نحو الحكم المحلى الذاتى فى نطاق وحدة السودان)
تفسير:
ان موضوع الجنوب يشكل مسألة هامة وعاجلة فى حياتنا السياسية اليوم ، حتى أصبح موضوعا خطر على وحدة البلاد وعلى حرية اخواننا الجنوبيين .
ان الحقيقة التى نهتدى بها فى حل هذه المشكلة هى حقيقة وجود قوميات متعددة فى بلادنا . ففى الجنوب توجد القوميات الزنجية ، وفى الشمال النوبية وفى الشرق البجاوية وفى الوسط وفى الغرب العربية . ان تعدد القوميات هذا قد خلق فوارق فى التقدم بينها والذى يحدث دائما هو أنه فى حالة نمو بعض القوميات ، كما يحدث فى حالات الاستقلال الوطنى ، فان هذه القوميات لا تتمكن من مجاراة الظروف الجديدة الا بقيام حكم محلى ذاتى لها يكون قريبا من مشاكلها ، فيستطيع حلها ويعمل لتطوير المناطق بما له من دراية بشئونها وعاداتها . ولقد كان قيام الحكومات المحلية فى كثير من أنحاء السودان حاجة ضرورية لتطوير تلك الأنحاء التى تمشى مع التطور العام فى البلاد ...
1. ان المشكلة الناشئة فى جنوب السودان مردها الى حقيقة أن تلك القوميات كانت تعانى تأخرا شديدا فى الفترة الماضية . وقبل ستين عاما كان أهلها يؤخذون ليباعوا فى سوق الرقيق . ولقد ساعد الاستعمار البريطانى الذى يعمل وفق سياسة "فرق تسد" ساعد على تركها على تأخرها حتى يستغل تلك الفوارق لاطالة أمد بقائه .
2. اننا نواجه هذه المشكلة بهذه الحقيقة . ونرى أن حلها يكون باعطاء القوميات الجنوبية المتطلعة للتقدم الآن ، اعطائها الاختيار فى وضع مشاكل ادارتها الداخلية فى حدود القطر الواحد (السودانى) سواء يكون هذا الشكل حكومات محلية أو حكومات ذاتية لها برلماناتها الخاصة وحكامها الخاصون .
3. ان نظام الحكم الذاتى ليس جديدا بل هوموجود فى دول متعددة كما نعلم . وهو لايعنى اضعاف الصلة بين أجزاء القطر الواحد ، بل على العكس ، فهو يقويها لأنه يحل مشكلة يستعصى حلها بدون ذلك . والحكومات الذاتية فى داخل القطر الواحد تختص بمعالجة المشاكل الداخلية ، ولكنها تمثل فى البرلمان العام (المركزى) أيضا . وتخضع لدستور البلد الواحد الذى يكفل وحدة القطر وسلامته والمحافظة على تقدمه .
4. ونحن حينما نقدم هذا المبدأ لحل مشكلة الجنوب ، نقر بأن الوضع الحالى للقوميات فى الجنوب ليس مدروسا لدينا ، ولا لدى غيرنا فى العاصمة ، وأن دراسته تقتضى الذهاب الى هناك أو أن تجىء هى من هناك ولكنا نرى أن هذا المبدأ للحل هو المبدأ السليم ، بل هو المبدأ الوحيد . وتطبيقه يعتمد على الظروف . فاذا كانت ظروف ومية واحدة أو عدة قوميات فى الجنوب ورغبة أهليها تقتضى قيام حكم محلى أو ذاتى فلهم الحق فى ذلك . كذلك نقر بأنه ليست لدينا وجهة نظر محددة عن الموقف بين القوميات السودانية الأخرى فى الشمال والشرق ، الا أنه مما يبدو لا توجد مشكلة حالية بالنسبة لها . ولكننا من ناحية المبدأ لا ننكر أنه اذا جاء وقت ، حتى ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة واقتضت ظروف هذه القوميات نوعا معينا من الحكم الداخلى فيجب أن ينفذ .
اننا نرى بأن الأحزاب الأخرى لا تعالج موضوع الجنوب على ضوء هذه الحقيقة العلمية . وفى هذا خطورة على وحدة البلاد أو على مصير هذه القوميات المختلفة . ونحن نرى أن الاستعمار قد سبب و لازال يسبب الفتن فى الجنوب . ولكن هذا وحده ليس بالتحليل للموقف . اذ أن الاستعمار لم يفعل هذا وينجح فيه الا لأنه استغل القوميات المختلفة واستغل موقف الأحزاب الخاطىء ازاء المشكلة مما قسم بعض الجنوبيين وراء شعاراتها المختلفة وترك أغلبية الجنوبيين فريس للحيرة واليأس .
ان وحدة الجنوبيين يمكن أن تصان فى حدود اقرار حقهم فى اختيار نوع الحكم الداخلى الذى يريدونه . وعلى أثر ذلك تتحطم مؤامرات الاستعمار وأذنابهم لاضعاف وحدة البلاد السياسية - انتهى