تأملات فى أفق المعرفة والشهادة : فى نضال واستشهاد عبد ا

(1)



*بقلم : عادل عبد العاطي



قالوا له : ماذا قدمت لشعبك؟

أجاب: الوعي ؛ بقدر ما استطعت!!



حين اسقط مؤلف "أعلام الفكر السوداني "؛ عبد الخالق محجوب من قوائم عمله ؛ الذي أيراد له الموسوعية؛ فقد تجاوز بذلك حدود التقصير المغتفر الى مزالج الانكسار المنهجي. ونسمى هذا الإسقاط انكسارا؛ لأنه خضوع فى أوله ومنتهاه؛ إلي منطق الضغط السياسي؛ والى دواعي الاستلطاف والكره؛ الشخصي أو الفكري؛ الفردي أو المؤسسي؛ والذي يناقض كل اتجاه للموسوعية او المنهجية .

إن دواعي الاستلطاف أو عدمه؛ والتي يمكن أن تسود في تعامل المرء مع معارفه؛ المرغوب فيهم والمفروضين عليه بواقع "صديق له ما من صداقته بد"؛ قد تجد تفهما في دائرة الحياة اليومية. ولكن أن تتحول المشاعر الشخصية؛ أو عدم الاتفاق السياسي إلى مرجعية تحكم التقييم الفكري ؛ والتاريخ لإسهام الأفكار؛ وحامليها من النساء والرجال؛ فهذا في ظننا ضعف منهجي؛ يصل إلي دائرة الجنحة الفكرية؛ هذا إذا لم نبالغ ونوصله إلي مرحلة الجناية. بهذا ؛ فان مؤلف "أعلام الفكر السوداني" قد خسر الكثير؛ حينما اسقط فكر وشخص عبد الخالق من متن ذلك العمل .

ولم يخسر عبد الخالق قطعا بذلك الإسقاط؛ فمعايير الربح والخسارة قد انمحت قديما عند الرجل وهو يعانق حبل المشنقة؛ وهو يطير بأجنحة الخلود محلقا في أفق الشهادة؛ ضاربا قبل تحليقه بأقدامه القوية على ارض السودان الصلدة؛ عساها تتفتح يوما للبذرة التي رماها؛ وسقاها بالدم المسفوح؛ فتنمو شجرا وتورق زهرا وتطرح ثمرا .

لم يخسر عبد الخالق قطعا إذا تجاوزه واحد من الكتاب؛ أو عبر عنه عابر من المؤرخين؛ وهو في قبره لن يتألم إذا لم يحترم فكره ونضاله واستشهاده سياسي أو صحفي من عصور الانحطاط؛ أو ممثل لثقافة وسياسة وصحافة الطفيلية؛ فالقامات العالية؛ حية كانت أم ميتة؛ لهى اكبر من سقط القول ودجل الكذب وكذب الجدل. لكن الخسارة ستكون من نصيب القاري الواعي؛ والذوق السليم؛ والألم سيكون من نصيب أولئك الذين يروا في الصدق مرجعا ومصدرا يحكم العمل السياسي والتقييم الفكري؛ والذين يعرفوا بان فردا ما؛ أو إن شعبا ما؛ لن يكسب احتراما لنفسه إذا لم يحترم أقدار وتضحيات المناضلين والصادقين من الرجال والنساء في تاريخه؛ غض النظر عن التأييد لأفكارهم أو الاختلاف معها.

وفى الحقيقة فان شخصية عبد الخالق محجوب ؛ في ساحة الفكر والسياسة والتاريخ السوداني؛ لهى من الشخصيات الغنية التي دار حولها الكثير من الجدل والاختلاف. فمعارضوه قد قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر؛ ومؤيدوه قد رفعوه إلى آفاق من التقدير؛ كان في حياته يرى فيها نوعا من عبادة الفرد. وبين المتطرفين في الحب والوالغين في الكره تضيع شخصيته الحقيقية كمفكر وإنسان؛ له من الإنجاز الفكري والشخصي والسياسي ما له؛ دون إبخاس أو تجاهل؛ وعليه ما عليه من نواحي القصور والأخطاء؛ مما على أي فرد يدخل حلبة العمل العام .

ان هذا التناقض والجدل والاختلاف في تقييم شخصية عبد الخالق محجوب؛ ليدل على غناها الثرى؛ وتفردها المتميز. انه دليل أولا وأخيرا على أنها شخصية فرضت نفسها على الجميع؛ وبالتالي فان أي محاولة موضوعية لدراستها وتحليلها ووضعها في موضعها الصحيح فى التاريخ السوداني؛ تكون مهمة ومثيرة وضرورية. بل انه من الغريب ألا تكون مثل هذه المحاولة قد تمت إلى الآن. إننا في هذا المقال القصير إنما نطرق باب المحاولة ؛ قد نصيب أو نخطئ ؛ ولكن يبقى لنا اجر الاجتهاد إن أفلحنا أو جانبنا الصواب .

ولئلا يأتي أحدهم ويعيب علينا روح التعاطف؛ أو يزعم فينا انعدام الحيدة التي انتقدناها عند غيرنا؛ فإننا نسجل منذ البدء ؛ إننا في مشاعرنا وأفكارنا؛ ننطلق من موقع الاحترام والود لهذا البناء الشامخ والإنسان الكبير؛ لا نخفى هذا ولا نخجل من البوح به. ولكننا نزعم؛ أن هذا الاحترام وذاك الود لن يمنعانا؛ بل على العكس يفرضان علينا؛ أن نكون صادقين في عرض هذا الإنسان؛ وفى محاولة قراءة صورته وحياته حقيقية وكما كانت؛ وهو الذي كان له الصدق؛ إضافة لروح الحرية والعدالة ؛ قواسم يستند عليها في كل نشاطه وحياته.



فترة التكوين أو

كيف اصبح عبد الخالق شيوعيا :



أول الإشارات عن بدايات انخراط عبد الخالق فى العمل العام؛ نجدها في تعليق أُستاذه لمادة الإنشاء؛ فى العام 941 ؛ وعمره حينها 14 عاما؛ حيث تنبا له بمستقبل أدبي كبير؛ وبدور عظيم فى حياة البلاد. تجلى هذا في احتفاظ هذا الأُستاذ بكراسة الإنشاء للتلميذ عبد الخالق؛ لسنين طويلة؛ حتى أظهرها للعلن أثناء التحضير للاحتفالات بالعيد الأربعين للحزب الشيوعي السوداني في الأعوام 1986 -1988. إن بدايات عبد الخالق السياسي نجدها بعد ذلك معروضة في كتاب الشيوعي السابق احمد سليمان المحامي (مشيناها خطى)؛ حيث يكتب كيف كان عبد الخالق نشيطا فى الجمعية الأدبية ؛ وكيف نظم ندوة في المدرسة الثانوية عن المادية التاريخية تحدث فيها أحد المدرسين الإنجليز. ثم بعد ذلك يتحدث عن سفر عبد الخالق للقاهرة ومبرراته فيراه في أن مقررات كلية غردون للآداب كانت تتواضع خجلا أمام مقدرات عبد الخالق الفكرية وقراءاته الواسعة.. وهذه الإشارات تأخذ تميزها كونها تأتى من عدو لا من صديق. إننا هنا لا نود الإشادة بموضوعية احمد سليمان ؛ فحول هذه "الموضوعية " لنا العديد من الملاحظات. ولكننا نود الإشارة لموقف احمد سليمان من عبد الخالق محجوب؛ والذي يراه العديدين فى كونه علاقة كراهية بحته؛ والذي هو في الحقيقة اكثر تعقيدا واعسر على الفهم من ذلك التفسير البسيط .

فى ظني ان موقف احمد سليمان من عبد الخالق هو موقف انبهار دائم؛ يرفضه احمد سليمان في شكل الكراهية المعلنة. إن احمد سليمان قد وصف فى يوم ما بأنه "ابن الحزب المدلل"؛ وبأن عبد الخالق كان يرعاه رعاية الأب للابن. والقاري لتاريخ الحزب الشيوعي يجد في الصعود الصاروخي لأحمد سليمان داخل الحزب وفى الساحة السياسية السودانية؛ ما يعزز هذا الرأي. وبالمقابل فان المتابع لكتابات و أقوال ونشاطات احمد سليمان وقتها؛ يرى جيدا انبهاره بشخصية عبد الخالق. ونذكر هنا انه في التعليق على مقولة احمد سليمان أن عبد الخالق كان يحب التطبيل لشخصه؛ قال أحد الساخرين إن احمد سليمان كان من اكثر المطبلين لعبد الخالق. على كل فان مشاعر الإعجاب والحقد نجدها حية في كل كلمة كتبها احمد سليمان عن عبد الخالق فى مذكراته الشهيرة. إن هذه العلاقة تذكرنا بعملية نشوء الطوطم والتابو الفرويدية. حيث قتل الأبناء أباهم الكلى القدرة والنموذج والمثال؛ بتأثير من الغيرة والضعف؛ ثم عادوا بعد ذلك وندموا وقدسوه. إن احمد سليمان الذي قدر عبد الخالق وانبهر به؛ لم يستطع أن يبقى طويلا فى الصف الثاني؛ وهو بشخصيته النرجسية حاول أن يبلغ مقامه وان يتجاوزه؛ حاول ان يكون "الحوار الغلب شيخه". لكنه لما عجز عن ذلك قتله. قتله بالوشاية والتحريض فعليا؛ ثم بعد ذلك حاول أن يقتله أدبيا وسياسيا في مذكراته آنفة الذكر. إن الانبهار والغيرة والعجز هي المحاور الأساسية التي يجب أن نبحث فيها في أي محاولة لتفسير كراهية احمد سليمان لعبد الخالق محجوب. إلا انه إذا كان عباد الطوطم البدائيين قد عادوا وندموا على فعلتهم؛ فان عابد الطوطم الحديث احمد سليمان قد صغر قامة عنهم؛ وسدر في غيه ؛ مغطيا على آثامه بالحديث عن توبة لله مصطنعة؛ وهداية كاذبة.

اننا نورد إشارة أخرى ؛ تأتي من مواقع الود والاحترام؛ تذكر دور عبد الخالق وسط معاصريه من الطلاب ؛ يدلى بها مرتضى احمد إبراهيم ؛ في رسالة للتجاني الطيب ؛ حيث يكتب:

" وانى لأذكر عندما تخرجنا من ثانوية أم درمان فى عام 946 ؛ وهو أيضا عام نهاية حقبة من التعليم العالى فى البلاد ؛ وبدء مرحلة فى الكفاح الوطني من اجل الاستقلال. فيومذاك فضلت أنت ومجموعة ممتازة من خيرة أولاد الدفعة الرحيل الى مصر؛ لمواصلة العلم والمعرفة؛ وكظاهرة احتجاج وتمرد علمي ضد المستعمرين. وكان على راس تلك المجموعة الفريدة أول الدفعة دون منافس؛ ورائدها ومعلمها ومحبوبها؛ وصديق جميع أفرادها الشهيد عبد الخالق محجوب ." (مرتضى احمد ابراهيم . الميدان 16/4/1987)

ان عبد الخالق لم يصبح ماركسيا ملتزما إلا فى مصر. لكن ما يحكيه احمد سليمان من تنظيمه لمحاضرات عن المادية التاريخية فى المدرسة؛ يوضح وجود هذا الاتجاه لديه قبل السفر. وعبد الخالق نفسه يروى عن تأثير كتاب ستالين: المسالة الوطنية ومسالة المستعمرات عليه؛ والذي تداوله العديد من الطلاب والمثقفين فى ذلك الحين. ومما لا ريب فيه ان عبد الخالق قد كان على صلة ما بإحدى الحلقات الثقافية الماركسية التي بدأت في الظهور منذ منتصف الأربعينات فى الخرطوم ؛ لكن من المؤكد أن نشاط عبد الخالق التنظيمي الفعلي في صفوف الحركة الشيوعية قد بدا في القاهرة؛ مما سنعالجه لاحقا .

إن عبد الخالق قد انضم للحركة الشيوعية من مواقع الوطنية السودانية ؛ في اكثر صورها الثورية والمتطرفة. إن عبد الخالق نفسه يحكى عن ذلك ويسرد تجربته فيقول :

" فى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حينما دب الوعي الوطني فى أرجاء بلادنا؛ انتظمت كغيري من الطلبة المتحمسين لهذه الحركة؛ يحدوني أمل هو المساهمة في تخليص بلادي من النير الاستعماري. تحدوني حالة الفقر والبؤس التي كان وما يزال يحس بها جميع المواطنين المتطلعين إلى مستقبل مشرق ملئ بالعزة والكرامة. وقد علقت الآمال حينذاك على زعماء حزب الأشقاء فى تحقيق تلك الأهداف التي آمنت بها. وهكذا وبهذه الآمال العريضة ودعت وفد السودان في مارس من عام 1946.

ولكن هذه الآمال العراض والأماني الحلوة بدأت تتضاءل أمام ناظري. ففي القاهرة وبعيدا عن أعين السودانيين دب التراخي في بعض هؤلاء الزعماء؛ واستسلموا للراحة الشخصية. وفى غمار هذه الحياة الجديدة تناسى هؤلاء الزعماء ما قالوه بان قضيتنا (لا يحلها الذين ودعونا فى الخرطوم واستقبلونا في القاهرة). وصلوا وكانت تصريحاتهم بان قضية السودان سوف يحلها صدقي الأمين ؛ والنقراشى الأمين ؛ وعبد الهادي الأمين. تسائلت ضمن عدد من الشباب الحر؛ لماذا يتنكر الرجال لما قالوه بالأمس؟ ما هو السر في هذه التحولات التي طرأت على الزعماء ولا يدرى الشعب كنهها؟

بمجهودي المتواضع؛ وحسب حدودي الفكرية؛ اتضح لي أن هؤلاء الزعماء لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الاستعمار. وانهم ما أن دخلوا مجتمع متقدم ومعقد كمصر؛ حتى صرعتهم النظريات المتضاربة؛ فاصبحوا يتقلبون كما تشاء مصالحهم. عرفت أن الاستعمار له نظريته السياسية التي يحارب بها الشعوب الضعيفة. وان هذه النظرية نشأت على تطور الرأسمالية الأوروبية منذ القرن الخامس عشر. وإذا كان لشعبنا المغلوب على أمره ان يتحرر؛ فلا بد أن يسير على هدى نظرية توحد صفوفه وتصرع الاستعمار؛ على هدى نظرية تسلط أضؤاءها على كل زعيم أو متزعم؛ ولا تترك له الفرصة لجنى ثمار جهاد الشعب لنفسه؛ على هدى نظرية سياسية تخلص الشعب من الجهل والكسل الذهني؛ الذي يتركه كقطع الشطرنج تحركه أيدي الزعماء أينما شاءت.

لقد هداني هذا الجهد المتواضع إلى النظرية الماركسية. تلك النظرية السياسية التي نشأت خلال تطور العلم؛ والتي تقوم على إعتبار السياسة والنضال من اجل الأهداف السياسية علما يخضع للتحليل. ولأول مرة عرفت أن الاستعمار ليس شيئا أبديا؛ وانه كبقية الأنظمة خاضع للتطور؛ أي انه سينتهي ويحل محله نظام جديد. وهكذا عرفت أن جميع الزعامات السياسية التي لم تهتد إلى هذا التحليل العلمي للاستعمار؛ واكتفت بإثارة العواطف ضد (الأجانب) ؛ لم تصل إلى أهدافها؛ ولم يجن الشعب المؤيد لها ما كان يصبو إليه. أسماء كثيرة تحضرني؛ سعد زغلول وغاندي ومصطفى كمال اتاتورك وكذا. واقتنعت بان زعماءنا يسيرون فى نفس الطريق؛ وأننا لن نجني من ورائهم اكثر مما جنت الشعوب الأخرى ؛ التي سارت وراء تلك الأسماء " (عبد الخالق محجوب: <<كيف أصبحت شيوعيا>>. جريدة الأيام 5/10/1954 العدد 306)

ان هذا المدخل الوطني قد كان هو المدخل الأساس الذي ولج به عبد الخالق ساحة الفكر الماركسي وارتبط عن طريقه بالحركة الشيوعية. إلا أن هناك مداخل أخرى؛ من بينها المدخل الثقافي. إن عبد الخالق الطالب المتفوق وكاتب المواضيع الإنشائية المتميزة والنشيط في الجمعية الأدبية؛ والقاري النهم للأدب الإنجليزي حتى صارت مقررات كلية غردون " تتراجع خجلا أمام حصيلته من ذلك الأدب "؛ والمتبحر في الأدب العربي القديم والتيارات الأدبية والنقدية النامية فى مصر والعالم العربي خلال فترة الثلاثينات والأربعينات؛ قد كان مصابا بعطش ثقافي وجوع فكرى و بحث منهجي حكم العديدين من بنات وأبناء تلك الفترة؛ وقد كان هذا هو مدخله الثاني إلى النظرية الماركسية ؛ فلنقرأ ما كتبه عن ذلك :

" وكشخص وضعته الحياة لا كزارع او صاحب أملاك؛ بل كمتعلم نال بعض التعليم المدرسي؛ كان لا بد لى كغيري أن أقوم بجهد لأنال شيئا من الثقافة ينفعني في تطوير فكرى وتوسيعه. لم اكن اهدف إلى أي ثقافة؛ ولكن الثقافة التي تعطى تفكيرا غير مضطرب أو متناقض للظواهر الطبيعية والاجتماعية. إن الكثيرين يقرون أن الثقافة الغربية ينقصها الانسجام؛ وهى مضطربة لا استقرار لها؛ وليس أدل على هذا الاضطراب من تزعم الفلسفة الوجودية لهذه الثقافة.

ان النظرية الماركسية تمتاز بالتناسق؛ ولأول مرة تضع قيما عالمية للأدب والتاريخ والفن والفلسفة؛ مما كنا نعتقد أيام الدراسة أنها بطبيعتها لا يمكن أن تكون لها قيم او تشتملها قواعد؛ وإلا فقدت طبيعتها. إنني كشخص يحاول تثقيف نفسه وجدت في النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة ". (المرجع السابق)

لا ريب أن الحديث عن النظرية الماركسية كنظرية خالية من التناقض ؛ قد كانت نظرة رومانسية سادت كثير من مثقفي ومفكري اليسار في تلك الفترة؛ وقد يكون هذا مبررا بمستوى الوعي السائد وقتها؛ والتعتيم والدوغماتية التي أضفتها المصادر الستالينية على معضلات وحوارات ومرجعيات الفكر الماركسي . إلا أن ما يطرحه عبد الخالق هنا؛ هو قضية البحث عن منهج؛ عن أدوات وآليات جديدة للفكر؛ وعن إعمال هذه المنهجية والأدوات في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي. وهى منهجية كما أشار عبد الخالق بحق كانت مفتقدة في الساحة السودانية حينها؛ ولا تزال الحياة العامة السودانية تفتقدها في كثير من مجالات الحياة المعاصرة. إن عبد الخالق وحتى في هذه الفترة المبكرة يميل إلى الحديث عن الماركسية كعلم؛ وكأدوات؛ وليس كنظرية شاملة تقترب من حدود الدين الجديد؛ كما تتمظهر في كتابات القادة والنشطاء الاستالينيين لتلك الفترة.

إن عبد الخالق فى موضع آخر يوضح إن الماركسية والنظرة الاشتراكية في السودان قد كانت بديلا وتجاوزا لمدرستين فكريتين وأدبيتين؛ يرصدهما في التالي:

" مع نشوء الحركة الوطنية فى بلادنا وخاصة في الأربعينات ؛ سارت إلى جنبها حركة ثقافية ترجع أصولها إلى ما قبل الحركة الوطنية بكثير؛ ولكنها لمعت وتوهجت مسايرة للحركة الوطنية. وكان يتجاذب تلك الحركة تياران أو مدرستان؛ أحدهما تنادى بالرجوع إلى الماضي العربي وتراثه والتقيد به؛ تربط نفسها بالماضي وتنظر إلي الوراء ولا ترى المستقبل؛ وتحافظ ولا تتقدم؛ تتحسر على ما مضى ولا ترى البشائر المرتقبة ولا تفكر فيها. وكانت المدرسة الثانية يبهرها تقدم أوربا الغربية؛ وتشعر بضآلة شرقنا تجاهها؛ فشدت نفسها نحو الغرب ؛ فعاشت بجسدها في ارض الوطن؛ وبعقلها وعواطفها في الغرب". (عبد الخالق محجوب : << دفاع أمام المحاكم العسكرية 1959>>؛ نقلا عن كتاب "ثورة شعب")

إن هاتين المدرستين قد وجدتا ممثليهما على ارض الثقافة السودانية؛ ووسط مثقفي وسط وشمال السودان المهيمنين حينذاك. إن المدرسة المحافظة الأولى قد أنتجت فيما بعد السلفية والأصولية؛ بينما أنتجت الأخرى الإنجليز السود؛ من البيروقراطيين اليمينيين.

إن عبد الخالق يذكر أسباب رفضه للمدرسة التقليدية المحافظة فيكتب :

"فالشرق العربي قد توقف عن التطور أحقابا من الزمان؛ تبدلت فيه معالم كوكبنا؛ وشارفت فيه البشرية مشارف جديدة؛ واندفع الإنسان خطوات واسعة فى سبيل التحرر من الحاجة؛ في سبيل السيطرة على قوانين الطبيعة. والرجوع إلى الماضي يعنى دفن الرؤوس في الرمال والتخلف؛ وهو أمر لا يمكن حدوثه في عالم اليوم. وثقافة الأمس وحدها لن تصلح للمجتمع الحديث؛ ولن تحل مشاكل الرجل الحديث المادية والروحية". (المرجع السابق)

من الجهة الأخرى يرفض عبد الخالق الثقافة الغربية الكلاسيكية ؛ أي الثقافة الليبرالية "الرأسمالية"؛ والتي تتحدث عن قيم الحرية والخير والجمال؛ لكنها انبتت الاستعمار؛ وضاقت الشعوب التي اكتوت بنار ممثليها الاستعماريين الضنك والعذاب؛ فيقول :

" فالحديث عن الجمال والحرية ؛ وهى أسمى ما تهدف إليه الفنون والمعرفة؛ يسايرها القهر والاستعباد للشعوب؛ ومن ضمنها شعبنا. والدفاع الجاد عن حرية الرأي؛ يطبقه حملة الثقافة الإنجليزية نظاما تعسفيا قائما على مصادرة كل رأى معارض؛ ونابعا عن إرادة هي ابعد ما تكون عن إرادة الشعوب. فإذا كان أحفاد ال"ماجناشارتا" وورثة الحرية والانطلاق من عهد شكسبير انطلقوا يشوهون قيم الحرية والجمال في بقاع العالم؛ فلا بد أن يكون هناك داء عضال أصابهم وثقافتهم فى الصميم". (المرجع السابق).

ان عبد الخالق برفضه للنظرة التقليدية المحافظة؛ وبنقده للمدرسة الليبرالية التغريبية؛ رغم تسطيحه لمكونات الثقافة الغربية وتياراتها وصراعاتها؛ وفى نفس الوقت برفضه للتجريبية والتناقض في مسيرة الزعماء السياسيين؛ كان لا بد أن يصل إلي النظرة الماركسية؛ وهى البضاعة الفكرية الوحيدة المتيسرة حينها؛ في مقابل المدارس السابقة المذكورة؛ وهو يلخص ذلك فيقول:

"إن تجربتي البسيطة توضح أنني لم اتخذ النظرية الماركسية لأنني كنت باحثا عن الأديان؛ ولكن لأنني كنت وما زلت أتمنى لبلادي التحرر من النفوذ الأجنبي؛ أتمنى وأسعى لاستقلال بلادي وإنهاء الظروف التي حطت علينا منذ عام 1898؛ أتمنى وأسعى لإسعاد مواطني؛ حتى تصبح الحياة في السودان جديرة بان تُحيا. ولأنني أسعى لثقافة نقية غير مضطربة؛ تمتع العقل وتقدم البشرية إلي الإمام في مدارج الحضارة". (<<كيف أصبحت شيوعيا>> مرجع سابق..)



عبد الخالق في مصر أو

مدرسة العمل السياسي الأولى:



بالمداخل السابقة ولج عبد الخالق أبواب العمل اليساري. ان عبد الخالق وبعد فترة قصيرة من وصوله إلي القاهرة سيصبح كادرا قياديا في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)؛ كبرى تنظيمات الحركة اليسارية والماركسية المصرية حينها. ويذكر احمد سليمان إن عددا من قادة تلك الحركة قد اعترضوا على هذا التصعيد السريع لعبد الخالق؛ لأسباب منها صغر سنه وقلة خبرته. ولكن هنرى كوريل؛ الماركسي المصري ذو الأصول اليهودية؛ والزعيم الفعلي للحركة؛ قد رأى فى عبد الخالق ملامح عبقرية قادمة؛ حيث قال لهم " اتركوه فان لهذا الشاب مستقبل عظيم في الحركة الشيوعية وفى الحياة السياسية في السودان". إن احمد سليمان يحاول كعادته أن يضفي أهمية خاصة على اهتمام هنري كورييل بعبد الخالق؛ ولتأثر عبد الخالق بهنرى كورييل فى التفكير والسلوك. ولكن أحد الكتب التي تحدثت عن هنرى كورييل وصفته بأنه " ماركسي أممي على النمط الستالينى؛ وبإمكانيات فكرية متوسطة". وفى الحقيقة فان الحركة الديمقراطية (حدتو) قد صعدت الكثير من الكادر الشعبي؛ العمالي والفلاحى ؛ والنوبي والسوداني؛ إلي مواقع قيادية بتنظيمها؛ وذلك قبل ظهور عبد الخالق. لذا فان موقع عبد الخالق في قيادة ذلك التنظيم قد أهلته له إمكانياته؛ إضافة إلى الطبيعة الديمقراطية لذلك التنظيم فى مجال سياسة الكادر وخلق القيادات.

فى مصر ؛ تلقى عبد الخالق تدريبه النظري والعملي ؛ والذي انعكس فيما بعد فى نشاطه العملي فى السودان؛ إن إبراهيم زكريا يسرد شيئا من ذلك في مذكراته عن مرحلة تأسيس الحزب ؛ حيث يكتب:

" فى هذا الجو وفى المراحل الأولى زارنا في عطبرة الشهيد عبد الخالق محجوب أثناء عطلته المدرسية وكان يدرس في مصر. وقضى معنا فترة من الوقت كانت بحق حجر الزاوية في إقامة وتنظيم الفرع. منه ازدادت معارفنا بمبادئ الماركسية؛ ومنه عرفنا تجارب العمل الحزبي في مصر(حيث كان عضوا قياديا في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) ؛ ومنه أيضا خبرنا أسس العمل النقابي". ( إبراهيم زكريا << مذكرات حول تأسيس الحزب الشيوعي>> مجلة الشيوعي؛ العدد 152)

فى نفس الوقت ؛ أنجز عبد الخالق المرحلة الأساس من تأسيسه النظري؛ بإنجازه لقراءات ماركسية متنوعة؛ كما ساهم فى تحرير الصحافة الماركسية العلنية منها والسرية. وشارك في خضم الصراع السياسي الدائر؛ سواء بين مجمل القوى الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي والرجعية المصرية من جهة؛ أو في الصراعات الفكرية والسياسية بين القوى الوطنية واليسارية نفسها؛ من الجهة الأخرى. إن رفعت السعيد في كتاباته لتاريخ الحركة اليسارية المصرية يوضح بان عبد الخالق كان يشكل تيارا راديكاليا وسط كوادر الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)؛ وأنه كان يردد مقولة لينين بان الحزب يقوى بتطهير نفسه من العناصر الضعيفة. ولذلك فقد كان ضد كل محاولات التساهل والوحدة الشكلية مع العناصر –التي يراها ضعيفة – داخل حدتو؛ او فى العلاقات مع غيرها من منظمات اليسار المصري المتعددة حينها. إن هذا النهج سيتواصل داخل السودان؛ وسوف تظهر الروح الصدامية لعبد الخالق فى مختلف الصراعات والاختلافات التي جرت فى صفوف الحركة الشيوعية منذ رجوعه إلى السودان في العام 1949وحتي استشهاده فب عام 1971.

ان إخلاص عبد الخالق؛ ومجمل الشيوعيين السودانيين؛ للمرحلة المصرية؛ يمكن أن نجده في صورة رمزية ؛ في تسمية صحيفة الجبهة المعادية للاستعمار؛ والحزب الشيوعي من بعد؛ ب"الميدان" ؛ والتي أخذت اسمها من اسم مكتبة الميدان؛ والتي كانت تملكها حدتو في القاهرة؛ وكانت المصدر الأساس للثقافة والتكوين الفكري لذلك الرعيل الأول من الماركسيين السودانيين في مصر آنذاك .



سنوات 1949-1964

او بزوغ قائد من طراز جديد:



أن عبد الخالق ؛ بعد رجوعه إلى السودان نهائيا؛ عام 1949؛ بعد إصابته بداء الصدر؛ وعلاجه في مستشفى العباسية؛ قد أنجز تحولا نوعيا في داخل الحركة الماركسية الوليدة داخل السودان. إن عبد الخالق والذي قد أتى في إجازتين ؛ في عامي 1947 و 1948؛ كان قد خاض مع غيره؛ صراعا ضد ما أسموه بالاتجاه الذيلى داخل الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو )؛ والتي كانت قد تأسست عبر توحد الحلقات الماركسية السودانية عام 1946؛ والذي وفقا لهم حصر نشاطها ضمن نشاطات أحزاب الطبقات الوسطى . ويزعم مؤرخو الحزب الشيوعي السوداني؛ انه رغم وجود الحركة كتنظيم؛ إلا أن قيادتها قد اخفت ذلك الوجود المستقل؛ وكانت تعمل كعناصر متطرفة من داخل أحزاب الطبقة الوسطى(الاتحاديين أساسا وحزب الأشقاء تحديدا). ان البعض قد رأي فى ذلك الصراع بعضا من شوفينية العناصر الشمالية داخل الحركة؛ والتي لم تطق أن تعمل تحت قيادة عنصر من أصول نوبية وجنوبية؛ وهى الأصول التي انتمى إليها عبد الوهاب زين العابدين عبد التام؛ أول سكرتير عام للحركة؛ وابن زين العابدين عبد التام؛ أحد نشطاء وقواد ثورة العام 1924. إننا لا نملك من الحيثيات ما يؤكد أو ينفى هذا الزعم. على كل فان صراع العام 1947 قد افرز بناء أول لائحة للحركة؛ وصعود عوض عبد الرازق الى قيادة التنظيم؛ وصعود عبد الخالق ومناصريه إلى قوام اللجنة المركزية. كما شهد ذاك العام بداية توجهات الحركة الجادة تجاه العمال؛ حيث أنجز عبد الخالق زيارتين لمدينة عطبرة؛ مركز الحركة العمالية الناهضة. إن هذا الجهد مربوطا بوجود النواة اليسارية وسط العمال؛ قد افرز مع عوامل أخرى؛ بناء أول تنظيم نقابي جماهيري فى تاريخ السودان؛ وهو هيئة شؤون عمال السكة الحديد ؛ فى عام 1947؛ وهى التي سيكون للماركسيين الدور الكبير فى إنشائها وفى قيادتها فيما بعد؛ وان لم يكن هو الدور الوحيد؛ حيث ساهم فى إنشائها بنفس القدر؛ وخصوصا فى مراحلها الأولى؛ الاتحاديين و"شيوخ العمال". إن هذه الهيئة - النقابة؛ ستصبح الدعامة الأولى والنموذج المحتذى لبناء كل الحركة النقابية لجماهير العمال والموظفين والمزارعين؛ وكذلك لحركة النساء والشباب والطلاب؛ في نهاية الأربعينات من القرن الماضي .

في العام 1949؛ تفجر الصراع الثاني داخل الحركة (حستو)؛ والذي كان من نتيجته إبعاد عوض عبد الرازق عن قيادة التنظيم؛ واختيار عبد الخالق سكرتيرا عاما للحركة؛ وهو الموقع الذي سيحتله؛ حتى استشهاده في العام 1971. إن هذا الصراع قد أُرخ له في الحزب الشيوعي بأنه صعود الجناح الثورى لقيادة التنظيم. كما رأى فيه خصوم وأعداء عبد الخالق العلامة الأكيدة على نزعاته التسلطية؛ كونه انقلب على حليف الأمس. إننا نعتقد ان هذا الصراع؛ رغم دواعيه الفكرية والسياسية والتنظيمية؛ والتي رصدتها مصادر التأريخ للحركة اليسارية السودانية؛ من مختلف الاتجاهات؛ إلا انه كانت له مبرراته فى طبيعة شخصية كل من القائدين: عوض عبد الرازق وعبد الخالق محجوب.

إن هاتان الشخصيتان؛ تعبران بشكل ما عن تيارين في العمل الفكري و السياسي حينها. فعوض عبد الرازق الذي أتى للماركسية من صفوف الحركة الاتحادية؛ ومن مواقع العمل الجماهيري؛ قد كان يمثل نمط الزعيم الجماهيري الشعبي؛ المائل للعمل الخطابي والذي يرى ذاته فيه؛ والذي يتجاوز الاختلافات الفكرية في ظل الاتفاق السياسي؛ وفي نفس الوقت لا يولى القضايا التنظيمية اهتماما كبيرا. انه عبر بامتياز عن نمط القيادة الخطابية الجماهيرية التى كانت موجودة في أوساط الاتحاديين؛ والتي عبرت عنها بجدارة زعامة إسماعيل الأزهري. أما عبد الخالق فقد كان مفكرا ومنظما؛ ممن بدأ حياته السياسية في الحركة الشيوعية. إن إمكانيات عبد الخالق الخطابية لن تتبلور وتظهر إلا في فترة متأخرة نسبيا؛ إلا إن قدراته النظرية والتنظيمية ستظهر من البداية. وفى مقابل النفوذ الجماهيري الزعامي للقائد التقليدي (الكاريزمي)؛ سعى عبد الخالق الى بناء النفوذ التنظيمي للحزب ومؤسساته. إن هذه الاختلافات التي تبدو للوهلة الأولى اختلافات في المزاج وفى القدرات؛ إنما تعبر في الحقيقة عن مؤسستين مختلفتين للقيادة؛ مؤسسة القيادة التقليدية الجماهيرية الزعامية؛ ومؤسسة القيادة الحزبية الفكرية – التنظيمية. إن انحياز كوادر حستو في هذا الصراع لعبد الخالق إنما كان اختيارا للمؤسسة الأخيرة ؛ الأمر الذي سيلقى ظلاله على مجمل تطور الحركة الشيوعية فى السودان لربع قرن تقريبا؛ وهى فترة قيادة عبد الخالق الفعلية للتنظيم الشيوعي السوداني(1949-1971) .

لهذا نزعم؛ أن الحزب الشيوعى السوداني؛ ورغم نجاحه فى بناء حركة جماهيرية ديمقراطية مستقلة عن القوى التقليدية وواسعة نسبيا ( النقابات اساسا)؛ إلا انه ظل وبقى حزبا للكادر؛ لا حزبا جماهيريا؛ وقد كان موليا الالتزام التنظيمي والاقتناع الأيديولوجي – لا بالبرنامج فقط وإنما بمجمل النظرية – اهتماما كبيرا . ان القاري لكتاب عبد الخالق محجوب << لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني>> ؛ والمكتوب فى عامي 1960-1961؛ والذي يعرض طرفا من مبررات صراع العامين 1947-1949؛ يجد مجمل منهجه –في بناء الحزب - مسطرا بصورة جلية هناك .

إننا في حديثنا عن شخصية عبد الخالق؛ وعن بزوغ نجم قيادة جديدة؛ لا يمكننا أن نتجاهل الاتهامات الموجهة لعبد الخالق بحب القيادة؛ وبتصفية كل العناصر التي يمكن أن تهدده في موقعه القيادي؛ والتي يصر عليها احمد سليمان في كتاباته. ورغم أن الطبيعة الستالينية للحركة الشيوعية في وقتها؛ وسيادة مؤسسة القيادة الأبدية فيها؛ قد تكون ذات تأثير على شخص عبد الخالق وتصوراته للقيادة؛ كما ان ضعف الآليات الديمقراطية فى التنظيمات العقائدية لحل خلافاتها دون انقسامات وأبعاد وتصفية ؛ قد تكون ذات اثر فى مجمل الصراعات المدمرة التي عرفتها تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ؛ والتي اكتوت بنارها أيضا هذه الحركة في السودان؛ إلا إن واقع الحال يبرهن على ضعف هذه الاتهامات؛ وعلى خطأ طابعها المطلق. إن وقائع التاريخ تثبت أن عبد الخالق – رغم كل صداماته وصراعاته - كان يسعى لنمط من القيادة الجماعية ؛ وفق توزيع جيد للأدوار وفق المقدرات الكامنة فى القيادات والاحتياجات الملحة للتنظيم. إننا في الفقرات التالية نقدم بعض ما يثبت اعتقادنا هذا.

ان التنظيم الجماهيري الديمقراطي الذي أنشأه الشيوعيون في نهاية العام 1953؛ باسم الجبهة المعادية للاستعمار ؛ والذي استمر نشاطه حتى العام 1958؛ قد كان فى قيادته عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة ؛ والذي ظل سكرتيرا عاما لذلك التنظيم وحتى انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958؛ وحل التنظيم ؛ كما إن عبد الخالق لم يكن من مرشحي ذلك التنظيم للانتخابات البرلمانية التي دخلها ذلك التنظيم.

إن تقدير عبد الخالق لرفاقه القياديين قد تجلى في تقديره العظيم لشخصية الشفيع احمد الشيخ ؛ القائد العمالي الأشهر بلا منازع فى تاريخ الحركة النقابية السودانية. ان عبد الخالق فى كتابه: <<لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني>>؛ وفي دفاعه أمام محكم عبود العسكرية؛ يذكر كيف أن الطبقة العاملة اقامت تنظيمات تتكسر على وحدتها كل المؤامرات؛ وانه مما يشرفه معرفته برجال عظام مثل الشفيع احمد الشيخ ؛ بنوا لطبقتهم وشعبهم المجد (النص بتصرف ؛ حيث لا يحضرنى الاصل هنا) .. إن أي قائد -يمنى او يسارى-؛ في تاريخ السودان؛ لم يتحدث عن رفيق له؛ من موقع قيادي؛ بمثل هذا الاحترام والتقدير والحب.

ثم ما لنا نذهب بعيدا والحزب الشيوعي (وعبد الخالق شخصيا) قد رشح احمد سليمان لتولى مقعد الحزب الرسمي في وزارة أكتوبر الاولى؛ فى حين لم يسع عبد الخالق لاحتلال ذلك المنصب. كما ان عبد الخالق بعد الثورة وإجراء أول انتخابات برلمانية بعدها؛ قد اختار لنفسه خصما صعبا لينزل امامه مرشحا عن الحزب الشيوعي؛ ألا وهو الرئيس إسماعيل الأزهري؛ بما له من تاريخ ونفوذ وشعبية؛ في مهمة هي أشبه بالمستحيلة. فإذا كان عبد الخالق يتملكه حب الزعامة ويبحث عن القيادة بأي ثمن ؛ أما كان من الأجدى والأسهل له ان يرشح نفسه بدائرة أخرى ؛ يضمن له الفوز فيها ضعف مرشحها أمامه ؟

قد يقول قائل في هذا الصدد؛ وقد قيل؛ ان عبد الخالق لم يختر نفسه لتمثيل حزبه في وزارة أكتوبر؛ ودفع بأحمد سليمان لأنه لم يرد ان يحترق سياسيا؛ وهو الذي كان يعرف ان هذه الوزارة لن تدوم طويلا؛ ولذلك لم يشأ أن يكون فيها كبش فداء؛ وهو زعيم الحزب الذي كان يتوقع لنفسه ولحزبه مستقبلا كبيرا. والرأي في عمومه منطقي ؛ ولكنه في الواقع يتجاهل واقع الحياة السياسية السودانية والتي احتل فيها الساسة الوزارات ورئاسة الوزارات مرات عديدة وفى ظل حكومات مختلفة؛ ولم يحترقوا؛ أو لم يشاءوا أن يعترفوا بهذا الاحتراق. من جهة اخرى فان عبد الخالق وفى ظل اكثر الظروف ملائمة لم يسع لمنصب وزاري أو حكومي ؛ بل أن وزارة هاشم العطا المقترحة؛ والتي نسبوا هندستها إليه؛ قد ضاقت عن ان تجد له فيها مؤطئ قدم. إننا نعتقد ان أفق هذا الرجل ومفهومه للقيادة قد كان أوسع كثيرا؛ من مفاهيم الزعامة التقليدية ممثلة في احتلال المناصب سواء داخل الحزب أو فى المناصب الحكومية.

الاتهامات لعبد الخالق بالديكتاتورية ؛ لم تأت من طرف احمد سليمان ومعاوية إبراهيم ومجموعتهما؛ بل قد سبقهما فيه الكاتب صلاح احمد إبراهيم ؛ حيث وصف عبد الخالق بلقب انانسى ؛ أي إله القبيلة. كما أن عدد من الاتهامات لعبد الخالق تركز على ضيقه بالرأي الآخر داخل الحزب؛ وسعيه لتشويه وتحطيم حملة هذا الرأي؛ كما جاء في شهادة فاروق محمد إبراهيم .

ان هذا الرأي يجد ما يناقضه ضمن وقائع الصراعات داخل الحزب الشيوعي. ففي أثناء الصراع الذي نشب عام 1952؛ رفض الكادر الفني لجهاز الطباعة الحزبي ان يطبعوا وجهة نظر قادة الجناح المناؤي لعبد الخالق فى أدبيات الحزب الداخلية؛ وذلك لأنها احتوت حسب رأيهم على تجريح وتهجم على قيادة الحزب؛ فكان أن أقنعهم بتغيير رأيهم وطبع ما فيها؛ لدواعي حسم الصراع وتطوير الحزب؛ ... عبد الخالق محجوب! (من مذكرات عباس على حول مرحلة تأسيس الحزب الشيوعي؛ مجلة الشيوعي؛ العدد 153؛ العام1987)

إلا إن المظهر الأكبر المناقض لهذه الاتهامات؛ يكمن في إن المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي والذي انعقد في أغسطس 970 ؛ والذي حسم الصراع وللخلاف داخل الحزب ما بين جناحي عبد الخالق محجوب ومعاوية إبراهيم؛ قد ناقش وثيقتين طرحتا على عضوية الحزب وعلى المؤتمر(وثيقة عبد الخالق ووثيقة معاوية)؛ الأمر الذي اعترض عليه بعض أعضاء الحزب باعتباره خروجا على تقاليد الحزب والحركة الشيوعية واللائحة؛ حيث يجب ان تقدم وثيقة الأغلبية (القيادة) فقط. وفى الحقيقة فانه فى طول تاريخ الحركة الشيوعية – من العام 1921إلى العام 1990؛ حاكمة كانت أم معارضة؛ لم يسمح للأقلية ان تقدم رأيها وتصورها مكتوبا ومطبوعا ومنشورا على كافة العضوية؛ على قدم المساواة مع تقرير سكرتير الحزب والأغلبية.

إننا بهذه القراءة السريعة لا ننفى جملة وتفصيلا هذه الاتهامات؛ وإنما نزعم بأنها لا تتفق مع شخصية عبد الخالق والدور الثوري الذي رآه لنفسه وحزبه. إننا لا نذهب كذلك إلي ما قاله الناقد والقاص بشرى الفاضل ؛ والذي يرى أن فى كل إنسان قوقعة من الذاتية تصغر او تكبر ؛ وان الإنسان الكبير هو الذي يضغط هذه القوقعة فى داخله إلي حدودها الدنيا؛ ويزعم بشرى الفاضل ان عبد الخالق محجوب كان من القليلين الذين يملكون اصغر قوقعة من الذاتية فى الحياة السياسية والفكرية في السودان (من ندوة بجامعة الخرطوم –قاعة الشارقة – 1985) . ولكننا فى كل الحالات نرى في عبد الخالق إنسانا اعظم قامة وأوسع أفقا واكثر انسجاما مع نفسه من مجموع كل منتقديه .

رجوعا مرة أخرى الى مرحلة التأسيس؛ فاننا نرصد أن عبد الخالق في سنوات الخمسينات قد مارس نشاطه على جبهتين: نشاطا وطنيا عاما؛ من خلال مشاركته فى النشاط الوطني التحرري العام؛ ومن خلال مشاركته في النشاط الجماهيري لحزب الجبهة المعادية للاستعمار؛ وقد كان في مجمله نشاط صحفيا وخطابيا وجماهيريا؛ ونشاطا حزبيا تجلى فى تزعمه للتنظيم الشيوعي السري وقتها؛ وفى صياغته للخط النظري والسياسي والتنظيمى للذلك التنظيم؛ والذى تكرس فى قيام مؤتمريه الثاني والثالث؛ في عامي 1952و 1956. فى هذا الإطار ؛ فقد لعب عبد الخالق دورا رئيسيا في تاهيل ذلك التنظيم لان يخرج للعلن كحزب سياسي معترف به. هذا الدور نجده فى محاولة إضفاء الصفة القانونية علي التنظيم؛ في مطالبة عبد الخالق لرئيس الوزراء فى العام 1957؛ بالسماح بتكوين حزب شيوعي سوداني؛ الأمر الذي ووجه بالرفض والتجاهل من قبل السلطات " الوطنية "؛ وفي الكتابة والنشر كشيوعي والدفاع عن الشيوعية في الصحف؛ وفي بداية طرح الحزب الشيوعي لوجهه المستقل؛ و خاصة في الندوات والبيانات التى بدأ ينشرها فى الصحف.

لقد كانت أول ندوة يتحدث فيها عبد الخالق باسم التنظيم الشيوعي مباشرة في مدينة عطبره؛ حيث طالب بتكوين جبهة من " الاتحاديين بجناحيهم وحزب الجبهة المعادية للاستعمار والجنوبيين والشيوعيين". إن عبد الخالق سيكون طوال فترة السنوات 1949-1964 الوجه العلني الأول للتنظيم الشيوعي – غير المعترف به رسميا – . إن ضمان علنية وقانونية نشاط الحزب الشيوعي لن تتم إلا بعد ثورة أكتوبر 1964؛ والتغييرات التي أحدثتها في الخارطة السياسية آنذاك .

فى خلال فترة حكم الفريق إبراهيم عبود 1958-1964؛ ساهم عبد الخالق فى نشاط الحزب الشيوعي ومجمل القوى الوطنية ضد هذا النظام؛ واصبح لفترة المطلوب الأول لجهاز البوليس السياسي وقتها. إن عبد الخالق الذى اعتقل لاحقا ؛ ونظمت له ولرفاقه محكمة باسم " قضية الشيوعية الكبرى"؛ قد قضى فترة تتعدى العامين فى السجون. إن محمد احمد المحجوب سيقدم صورة إيجابية عن فترة اعتقاله المشتركة مع عبد الخالق وغيره من القادة الشيوعيين. وهو يحكى كيف انه عرف عبد الخالق جيدا في هذه الفترة؛ وكيف انه وصل إلى القناعة بان الحزب الشيوعي السوداني تحت قيادته هو حزب سوداني مستقل ؛ وان عبد الخالق قد نأى به عن أي نفوذ أجنبي . (محمد احمد محجوب :<< الديمقراطية فى الميزان>> -دار جامعة الخرطوم للنشر ).

ان النضال السياسي للحزب الشيوعي ضد نظام عبود؛ والموثق له فى كتاب " ثورة شعب "؛ وغيره من المقالات والكتب؛ ودور عبد الخالق شخصيا في هذا النضال؛ قد أهلا الحزب الشيوعي لان يكون الحصان الأسود؛ في حلبة الحياة السياسية السودانية بعد ثورة أكتوبر 1964.



عبد الخالق غداة ثورة أكتوبر

من زعيم حزبي إلى قائد وطني



ان عبد الخالق الذي مارس العمل السياسي كالوجه الأول البارز للشيوعبين؛ وتحت رايات الجبهة المعادية للاستعمار؛ فى طوال الفترة ما قبل الحكم العسكري؛ قد ارتفع بنضال الحزب الشيوعي ومجمل قوى اليسار إبان حكم الجنرال عبود (1958-1964)؛ ليصبح أحد قادة الحركة السياسية السودانية عشية وغداة ثورة أكتوبر 1964. إن أحد الصحفيين العالميين قد كتب من الخرطوم بعد ثورة أكتوبر قائلا: "إن فى السودان ثورة اجتماعية يقودها رجل غامض يسمى عبد الخالق محجوب ".

ان ثورة أكتوبر1964 ستطرح عبد الخالق محجوب ليس كمجرد زعيم حزبى فحسب؛ وإنما كقائد لتيار جديد ومتعاظم الأهمية فى الحياة السياسية السودانية ؛ وهو ما نطلق عليه تعبير التيار اليساري. إن هذا التيار وقتها يشمل الحزب الشيوعي؛ لكنه لا يقتصر عليه؛ بل يمتد تأثيره الى الحركة النقابية والطلابية والنسوية ؛ التنظيمات اليسارية (الاشتراكيين العرب؛ الاشتراكيين الديمقراطيين)؛ حركات قوى الريف النامية؛ حركة الضباط الأحرار؛ والعديد من الشخصيات السياسية والفكرية والعلمية الغير منضمة تنظيميا لهذه الحركات؛ ولكنها متأثرة بها ومحسوبة عليها.

ان قوى اليسار هذه ستتأهل تحت قيادة عبد الخالق محجوب بعد ثورة أكتوبر 1964؛ لتكسر التنافس التقليدي بين حزب الأمة والاتحاديين في شمال السودان؛ بإدخال طرف جديد فى حلبة الصراع السياسي. إن قوى القديم واليمين ستجتمع فى مواجهة هذا البديل الجديد؛ مدعومة في ذلك بحركة الأخوان المسلمين الناشئة؛ فتقدم على أول انتهاك للقواعد الديمقراطية ونص الدستور؛ فى قضية حل الحزب الشيوعي فى العام 1965؛ وطرد نوابه من البرلمان. هذا الحل الذي سرى طوال الفترة الديمقراطية الثانية؛ والذي بقى مع ذلك قرارا اداريا فى المقام الأول؛ لم يمنع نشاط الشيوعيين؛ أو كما عبر عن ذلك عبد الخالق شخصيا بان: " حل الحزب الشيوعي قضية لا يملكونها". وقد تواصل هذا النهج؛ من انتهاك القواعد الديمقراطية؛ في عدم الاعتراف بحكم المحكمة الدستورية؛ والرافض لقرار الحل؛ والحاكم بعدم دستوريته ؛ وفى تقنين الديكتاتورية المدنية تحت مشروع الدستور الإسلامي؛ كما انعكس التكتل المضاد في توحيد صفوف القوي اليمينية؛ كما جرى من توحيد حزبي الوطني الاتحادي و الشعب الديمقراطي في الحزب الاتحادي الديمقراطي؛ وفى توحيد حزب الأمة من جناحي الصادق المهدي والهادي المهدي؛ بل فى محاولات انزال مرشح واحد ممثلا لليمين؛ في الانتخابات الرئاسية المقترحة؛ والتي قطعها انقلاب مايو 1969.

ان المتابع للأحداث السياسية طوال فترة ما بعد أكتوبر 1964 ؛ سيجد عبد الخالق مشاركا فى كل الأحداث والنشاطات الوطنية ؛ ومبادرا في توحيد وتجميع التيار اليساري والاشتراكي. فنجده مساهما فى مؤتمر المائدة المستديرة لحل قضية الجنوب وإيقاف الحرب الأهلية (مارس 1965)؛ واحد قواد هيئة الدفاع عن الديمقراطية (1965)؛ وهيئة الدفاع عن الوطن العربي (1967) ؛ وعضوا أساسيا في اللجنة التمهيدية لوضع ميثاق الجبهة الاشتراكية (1968) ؛ وغيرها من النشاطات. إننا لا نجانب الحق إذا قلنا أن عبد الخالق محجوب قد اصبح رمزا وقائدا لكل قوى الجديد التي خرجت عن الولاء للطائفية؛ واتجهت صوب اليسار؛ والتي ارتفع صوتها عاليا بعد ثورة أكتوبر 1964.

ان عبد الخالق والذي كان فى رأينا مدركا لدوره هذا؛ قد سعى إلي تقنينه من خلال الانتخابات البرلمانية. وفى هذا فقد ترشح ثلاث مرات عن دائرة ام درمان الجنوبية الجغرافية؛ المرة الأولى ضد إسماعيل الأزهري ؛ والمرة الثانية والثالثة ضد احمد زين العابدين ؛ الرجل القوى للاتحادي الديمقراطي؛ فى دائرة محسوبة تقليديا للاتحاديين. إن عبد الخالق سيخسر الانتخابات في المرة الأولى مع الأزهري ؛ وبعد صعود الأزهري إلى مجلس السيادة سيخسر في الانتخابات التكميلية مع احمد زين العابدين. الا ان الفروقات بينه وبين منافسيه ستضيق تدريجيا من 1000صوت مع الأزهري إلي 87 صوتا مع احمد زين ؛ حتى يكسب عبد الخالق الجولة الثالثة في العام 1968 بفارق 542 صوتا لصالحه ضد احمد زين العابدين ؛ ويكرس قيادته الفكرية والسياسية لليسار السوداني بدعم مباشر من جمهور الناخبين .

إن عبد الخالق بنزوله الانتخابات ضد الأزهري؛ الزعيم الجماهيري المطلق في السودان؛ في منافسة شبه مستحيلة؛ إنما كان يكرس صورة الجديد والبديل الذي أتت به ثورة أكتوبر. إن عبد الخالق سيطلق تصريحا راديكاليا إبان معركته مع الأزهري؛ بان " الأزهري قد كان يشكل رمز الوطنية السودانية؛ ولكنه تراجع عن مواقفه وخان تاريخه ؛ فيجب أن يهزم فى دائرته بالذات". وكان ان تصدى هو لهذه المهمة الصعبة. إن هذا الموقف والرأي فوق انه يعبر عن موقف فكرى وسياسي من الحزب الوطني الاتحادي والأزهري شخصيا؛ واللذان انحرفا نحو اليمين بعد ثورة أكتوبر وتحالفا بشكل كامل مع قوى الرجعية والقديم؛ الا انه ينطبق اكثر مع أحد شعارات ثورة أكتوبر (لا زعامة للقدامى)؛ ويشكل بداية نمو لمفهوم وجيل جديد للوطنية السودانية؛ وقادة جدد يمثلون هذا المفهوم. إن هذا المفهوم لا ينبنى على الزعامة الطائفية او القبلية؛ ولا على استغلال العواطف الدينية؛ وإنما على النضال وسط الجماهير وفق برنامج وسياسات جديدة. إن على عبد اللطيف؛ قائد جمعية اللواء لابيض وثورة العام 1924؛ قد كان الرمز الأول لهذه الوطنية السودانية؛ ثم حل محله إسماعيل الأزهري قبل أن ينتكس ويرجع لأحضان الطائفية؛ وعبر عنه بعد أكتوبر عبد الخالق محجوب؛ بعد ملئه بمضمون اجتماعي جديد؛ في تلك اللحظات الصاخبة من تاريخ السودان.



عادل عبد العاطي

صيف 1994



*عادل عبد العاطي؛ صحفي وناشط مدني وسياسي سوداني. من مواليد مدينة عطبرة عام 1966. في الأعوام 1983-1996 عضو الحزب الشيوعي السوداني. له العديد من الكتابات عن تاريخ أعلام الفكر والسياسة السودانية. حاليا عضو في الحزب الليبرالي السوداني.


View sudan's Full Portfolio