هكذا تكلم زرادشت : الأختام السبعة



من



هكذا تكلم زرادشت







  

  

فريدريك نيتشه







الأختام السبعة



أو



نشيد البداية والنهاية ، الألف والباء







1







أنا العرّاف الممتلئ بالروح الكاشفة الذاهبة صعداً على السلسلة المتعالية بين بحرين

، السائر بين ما مضى وما سيأتي كغمامة كثيفة متملصة من جميع الأعماق الخانقة

والمعادية لكل متعب ليس له ان يحيا وليس له ان يموت .



أنا تلك الغمامة المعدة صدرها المظلم للمعات الأنوار المنقذة ، المتمخضة بالبروق

الضاحكة مما تثبت ، أنا الغمامة الحاملة للصواعق الكاشفة ، ويا لسعد من تمخض بمثل

هذه الصواعق ! ولكنه ملزم بأن يلتصق طويلاً بالذروة كما تلتصق الغمامة المثقلة ، إذ

عليه أن يشعل يوماً أنوار مستقبل الزمان .



كيف لا أحنّ الى الأبدية وكيف لا اضطرم شوقاً الى خاتم الزواج ، الى دائرة الدوائر

حيث يصبح الانتهاء عودة الى الابتداء ؟



إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أمّا لأبنائي إلأّ المرأة التي أحبها ، لأنني

أحبك أيتها الأبدية .



إنني أحبك أيتها الأبدية .







2







إذا كنت تهجمت بغضبي على القبور فانتهكت حرمتها ونبذت قصيّاً معالم الحدود وألقيت

بألواح الشرائع فحطمتها على مهاوي الأغوار ؛



وإذا كنت بسخريتي نثرت الكلمات المتداعية وهببت كالريح أكسح نسيج العناكب وأطهِّر

مغاور الموت المتعفنة القديمة ؛



وإذا كنت جلست مرحاً مسروراً حيث دفنت آلهة الأزمان لأبارك العالم وأغمره بالحب قرب

أنصاب من افتروا عليه ، فما ذلك إلأّ لأنني أتوق الى رؤية المعابد وكدافن الآلهة

عندما تخترق عين السماء الصافية قبلبها المحطمة ، فأجلس على الركام المتهدمة كالعشب

الأخضر والشقائق الحمراء ؛



فكيف لا أحنّ الى الأبدية ولا اضطرم شوقاً الى خاتم الزواج ، الى دائرة الدوائر حيث

يصبح الانتهاء عودة الى الابتداء ؟



إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أمّا لأبنائي إلأّ المرأة التي أحبها ، لأنني

أحبك أيتها الأبدية .



إنني أحبك أيتها الأبدية .







3







إذا كانت هبّت عليّ نسمة من نسمات الإبداع الإلهية التي تكره حتى الصدف العمياء على

الدوران راقصة كتراقص الكواكب في الأفلاك ؛



إذا كنت ضحكت بقهقهة البرق المبدع بصحبة إرعاد العمل ؛



وإذا كنت تراشقت الزهر مع الآلهة على نرد الأرض حتى ارتجفت الأرض وتشققت قاذفة لهاث

النار في الأجواء – فما ذلك إلاّ لأن الأرض نرد إلهي يرتعش لوقع الكلمات المبدعة

ولتساقط الأزهار الإلهية ؛



فكيف لا أحنّ الى الأبدية ولا اضطرم شوقاً الى خاتم الزواج ، الى دائرة الدوائر حيث

يصبح الانتهاء عودة الى الابتداء ؟



إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أمّا لأبنائي إلأّ المرأة التي أحبها ، لأنني

أحبك أيتها الأبدية .











4







إذا كنت كرعت في هذا الكأس من دواء تمازجت جميع العقاقير فيه ؛



وإذا كنت مددت يديّ فضممت الأبعد الى الأدنى وجمعت بين النار والتفكير وبين

المسرّات والأحزان مازجاً أقبح الأشياء بأحسنها ؛



وإذا كنت أنا ذرّة مفتدية في بحر الرمال أعمل على مزج الأشياء في كأس العقاقير –

فما ذلك إلاّ لأن الوجود ملحاً يلتحم به الخير مع الشر وما الشر الا أحد التوابل

التي تزيد الكأس فترغي طفاحاً ؛



فكيف لا أحنّ الى الأبدية ،ولا اضطرم شوقاً الى خاتم الزواج ، الى دائرة الدوائر

حيث يصبح الانتهاء عودة الى الابتداء ؟



إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أمّا لأبنائي إلأّ المرأة التي أحبها ، لأنني

أحبك أيتها الأبدية .



إنني أحبك أيتها الأبدية .







5







إذا كنت أحببت البحر وكل ما يشبه البحر ، وما اشتد هيامي به إلاّ عند مقاومته لي

بزوابعه ؛



وإذا كنت أحمل في نفسي غبطة المستكشف ، الغبطة التي تدفع بالشراع الى المجاهل وتملأ

رواد البحر حبوراً ؛



وإذا كنت قد صرخت في حبوري أن قد توارت أواخر الشواطئ عن عياني ، فتحطمت بتواريها

آخر حلقة من قيودي ، فهأنذا الآن في وسط المدى الفسيح الصاخب بعيداً عن توالي

الأمكنة والأزمان ، فهيّا بنا ، يا قلبي الهرم ، الى الأمام!



أوّاه ! كيف لا أتوق الى الأبدية واضطرم شوقاً الى خاتم الزواج ، الى دائرة الدوائر

حيث يصبح الانتهاء عودة الى الابتداء ؟



إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها أمّا لأبنائي إلأّ المرأة التي أحبها ، لأنني

أحبك أيتها الأبدية .



إنني أحبك أيتها الأبدية .







6







إذا ما كانت فضيلتي فضيلة الراقصين ، وإذا كنت كثيراً ما رقصت مأخوذاً باشعاع

الزمرد والنضار ؛



وإذا كان شرّي شراً ضاحكاً يأنس الى حقول الزنابق وأغصان الورود ، فذلك لأن كل ما

هو شرير يتحد بالضحك مبرراً ومحرراًبغبطته منها









محطات









  

rudwanhimat@hotmail.com
sudan.2ya.com
sudan poems







  

View sudan's Full Portfolio