الوحدة فى التنوع
أود أن أطرح رؤيتنا، رؤيَّة الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السودان، الطريق الذى نرى أنه سيقودنا الى الأمام. وأعتقد أنه نفس اتجاه التجمع الوطني الديمقراطي. وسمينا هذه الرؤيَّة رؤيَّة السودان الجديد. وهى ترتكز على تحليل علمي للأوضاع وتستند على تقويم متماسك لها فى واقعنا التاريخى والمعاصر معاً. وأنا لا أفتعل هذه الأشياء، فهي حقائق. هذا هو الموجود فعلاً ولا بدَّ من تأسيس السودان الجديد على الواقع وليس على الخيال. فى عام 1983 اجتمعنا فى الغابة، بعد حوادث بور، والبيبور، وفشلا، وأيوت، وكان السؤال الذى واجهنا هو: نقاتل من أجل ماذا؟ ما هو هدفنا؟...ومنذ اليوم الأول- وقد أشرنا الى ذلك فى مانفستو الحركة- وقفنا مع وحدة بلدنا. ولكن، كان هنالك تشويش إذ بدا لنا وقتها غريباً لحركة تنطلق من جنوب السودان أن تدعو لوحدة البلاد. ارتبك الجنوبيون وهم يتساءلون: ولكن، كيف نتحد مع الشماليين؟ فهم المشكلة. بينما تساءل الشماليون: كيف يأتي التحرير من الجنوب؟ ونحن نقول ولما لا؟ كما تشكك الشماليون فى معنى هذا التحرير، تحرير ممن "من منو؟" وقد رددنا بدورنا على ذلك: فهو ليس تحرير ممن بل تحرير من ماذا "من شنو؟" لذلك، أود أن أشدد من البدايَّة على أن الحركة ظلت ثابتة على أهدافها الأربعة عشر عاماً الماضيَّة، بالرغم من الاضطراب الذى يطرأ من وقت لآخر نتيجة لما يحدثه الخارجون على هذه الأهداف من بلبلة.
الوحدة التى نتحدث عنها فى الحركة الشعبيَّة، وأتمنى أن يكون هذا ما نتجه نحوه فى التجمع الوطني الديمقراطي، هى نوع جديد من الوحدة. لا يمكن أن نكون قد حملنا السلاح ودخلنا الأحراش فى عام 1983 لنأتي بوحدة تضطهدنا، فهذا ليس طبيعياً، ولم يك ممكناً أن نفعل ذلك. فالوحدة التى ننادى بها مختلفة تماماً، وهى ليست الوحدة نفسها التى يتحدث عنها الآخرون. هنا يكمن مصدر الخلط والتشويش. فلام أكول مثلاً، عندما تحدث الى راديو بى بى سى وطرح سؤالاً بلاغياً (طرحه لمجرد التأثير فى النفوس لا ابتغاء الحصول على جواب): "جون قرنق يتحدث عن الوحدة والبشير يتحدث عن الوحدة، فما هو الفرق بينهما؟" نقول له: هناك عالم من الفرق بين الاثنين، فالوحدة التى نعنيها تقوم على واقعين، أولهما أسميه الواقع التاريخى أو التنوع التاريخى، والثاني أطلق عليه التنوع المعاصر أو الواقع المعاصر. هذان التنوعان أو الواقعان يمثلان عناصر تكويننا وتشكلنا ولا بدَّ من تأسيس الوحدة عليهما. فالأساس الأول للوحدة هو التنوع التاريخى، فكتب العصور القديمة، بما فى ذلك الكتاب المقدس، زاخرة بذكر السودان، إن كان تحت اسم كوش أو السودان أو مصر، وأنا لا أختلق هذه الأشياء.