فى ذكرى رحيل كروان السودان
بقلم : صلاح الباشا
بريد الكترونى : salahelbasha@hotmail.com
لقد تعلمنا من تاريخ البشرية أن هناك إشراقات يفعلها ويذهب في حال سبيله دون أن يدرك هذا الفاعل بأنه قد ترك خلفه قبل رحيله عن الدنيا تراثاً متميزاً مختوم عليه بصمته الخاصة التي يظل صداها يتمدد ويتمدد وتنداح دائرتها وتتسع تتسع إلي أن تدخل في أعماق تاريخ ذلك الشعب من باب عريض جداً ليس من السهولة إغلاقه ، وهذا ما تميز به تاريخ السودان الحديث ، إذ كان شعبنا محظوظاً أن خرج من رحم حوائه رقم إبداعي ضخم مثل الكروان العجيب ( مصطفي سيد أحمد ) هذا الكروان الذي إمتلك قلوب أبناء شعبه في شتي مرافيء تواجدهم وعبر كل مساحات الوطن ( الجريح) الذي لم يندمل جرحه الغائر بعد فكان مصطفي في كل أعماله يستلهم تلك الأنغام الدائفة المعبرة بحق عن قضايا شعبه مستخدماً كل مفردات الأشعار التي كانت ولازالت تتغني للحبيبة والعشق المستديم .. الحبيبة الوطن الذي يسكن داخل أحشاء أهل السودان في كل الدنيا .. لذا لم يكن مستغرباً أن يجهد مصطفي نفسه وهو يعاني مرارات الحرمان من الحياة الهانئة بسبب المرض الأليم وهو في الدوحة التي منها قام بترجمة أرقي وأعذب وأجمل مفردات اللغة الجديدة التي كانت تصله من شباب شعراء السودان من داخل الوطن ومن شتي المهاجر خارج الوطن .. لتنساب كشلالات الفرح الأخضر لتعبر المحيطات عبر الأقمار الإصطناعية بمواقع الإنترنت الذي يرسل تلك الألحان مكتوبة علي صفحات صحافة أهل السودان الإلكترونية ومضغوطة علي تلك الأقراص التي تسمي ( سي دي) .. ذلك .. لأن شعراء السودان وجدوا في مصطفي الجدية في الإنفعال بقضايا الوطن وبآلام الجماهير وبطموحاتها وآمالها المشروعة وأحلامها الكبيرة في أن تتحقق كل تلك الأماني حتي يستطيع الشعب والوطن الإنعتاق من تلك الدوائر الجهنمية التي ظلت تلتف حوله منذ الإستقلال ولا يستطيع منها فكاكاً حتي اللحظة.
فقد جاءه بدءاً من داخل الخرطوم شاعرنا المتميز صلاح حاج سعيد وجعل الكروان يغرد لنا بصوته الطروب ذاك:
وبقيت أغني عليك..
غناوي الحسرة.. والأسف الطويل
وعشان أجيب ليك الفرح
رضيان مشيت للمستحيل
ومعاكي في آخر المدي
فتنيني يا.. هجعة مواعيدي القبيل
بعتيني لي حضن الأسي
وسبتيني للحزن النبيل
فأصبح الكروان يرددها بصوته الملائكي ذاك ، ومن بعد رحيله عن الدنيا ظللنا نصطبح ونمسي و نتكيء علي أنغام مفردات مبدعينا من شعراء مصطفي المتألقين شعراً ممزوجة بحلو ألحان الكروان الذي دخل قلوب وعقول شعب السودان ، لنحتمي بجميل ألحانه وبمضامين مفرداتها التي ترمز إلي عدة دلالات تسبح بنا عالياً لنتسامي ونرتفع فوق جراحات لهيب إسقاطات الزمن الجائر الذي اخذ منا كل اشيائنا الجميلة في لمحة بصر، ولكنه - الزمن - قد نسيَ أن يمنحنا شيئاً مطلقاً غير أضغاث أحلام ، فظللنا .. ونجري .. ونجري .. ونجري .. سعياً وراء إطفاء الظمأ كي تبتل عروقنا المرهفة .. فإذا بنا لم نجد غير سراب بقيع كنا نحسبه لسنين عدداً ماءً زلالاً لذةً للشاربين. فكان لابد من أن نمشي مع مشروعنا ( كل الخطاوي الممكنة ) التي عبّر عنها صلاح حاج سعيد والكروان حين غردا:
أوفيت وما قصرت في حقكِ
ولا كان عرفة غيرك.. أصدفا
وقِدر هواكي .. يجيبني ليك
جمّع قلوبنا.. وولفها
وكتين بقيتي معايا..في أعماقي
وفي أعماق مشاعري .. المرهفة
لا منـِّك إبتدت الظروف
لا بيك.. إنتهت الأماني المترفة
أهو.. نحن في الاخر سوا
باعنا الهوي..
ماشين علي سكة عدم
وبقيت اغني عليك
غناوي الحسرة والسف الطويل
وشكراً لك.. يا صلاح حاج سعيد .. شكراً لأنك قد توصلت إلي النتيجة ( لا منك .. إبتدت الظروف.. لا بيك.. إنتهت الأماني المترفة) ،،،
وهنا يلتقط القفازصديقنا الشاعر المهاجر.. هنا يأتي المبدع عبالعال السيد ويرسل عبر الدروب التي تنطلق من مدينة جدة إلي شاطيء الخليج حيث يستلم الكروان في دوحة العرب تلك الرائعة التي كانت تستلهم وتعكس مدي مرارات الإغتراب البطيء الرتيب الذي طال مداه وأصبح كالليل الطويل ماله من آخر .. حين قال قي تلك الرائعة:
الدنيا ليل .. غربة ومطر
وطرب حزين.. رجّع تقاسيم الوتر
شرب الزمن.. فرح السنين
والباقي هدّاه .. السهر
فالشاعر عبدالعال السيد يعلم تماماً .. ليس آلام الغربة فحسب.. بل جراحاتها التي رفضت أن تندمل .. حيث يصبح المغترب يتمزق كل يوم في مهجره ألف مرة .. وعندما تـنفرج أساريره حين عودته إلي الديار الأولي ، فإن الإنقباض يصيبه وهو داخل وطنه حين يجد سيف الضرائب (غير المشروعة) منذ عام 1981م ومتنامية بمقدار الضعف حالياً مسلطاً علي رقبته ، فيصاب بالدوار ليتفوه المغترب الذليل باللعنة علي كل حكومات السودان في هذا التمييز بين أبناء الشعب الواحد حيث يظل المغترب المسكين يدفع ويدفع.. أو..لا طريق له ليخرج من البلاد عائداً إلي مكان لقمة عيش أبنائه ، أما زميله الذي يعمل داخل الوطن مهما نال حظه من خيرات القطاع الخاص والقطاع الرسمي والصرف البذخي ، لا يدفع .. وإن دفع ضرائب لا تكون إلا فتاتاً وهو يخرج ويدخل البلاد كما يشاء ، فماكان من مصطفي إلا أن يعكس معاني عبدالعال حين ظل يغرد لنا بذلك اللحن الهاديء الذي تتبعه موسيقي تنهمر الدموع من مآقيها حين يواصل:
ياروح غناي.. الغربة ملت من شقاي
واغربتي.. وبقيت براي.. حاضن أساي
لاغنوة .. لاموال يبدد حسرتي
غير الدموع .. يا ملهمة
الغربة.. مرة ومؤلمة
قولي للنيل ضفة.. ضفة
والعشيات .. لما تصفي
والنسيمات .. البتأخد من عفاف
ريدتنا عفة
وهنا كان عبدالعال لا يعبر عن جروحاته وحسراته فحسب .. بل كان يلمس وتراً مشدوداً وحساساً لدي مُجمل أبناء شعبنا بالخارج .
أما.. حواء السودانية .. فهي الأخري كانت تتفاعل مع قضية مصطفي التي طرحها للناس وهو يعاني مرارة المهجر .. وأحزان المرض اللعين.. أليس هن شقائق الرجال .. وكل ذلك أتي ممزوجاً مزجاً تاماً قام بتوصيل إشاراته فقيدنا الكروان العجيب المهموم بهموم شعبه وقضاياه .. فكانت حواء السودانية توكل أمرها للمبدعة الملهمة التي كانت ولاتزال تتمني أن يجي الزمن ( الفلاني) الذي يحمل البشري للحبيبة ( الوطن) ، فهاهي بنت النيل ( نجاة عثمان) تترجم ذلك في أرقي الأشعار التي تتفجر وفاءً وإنفعالاً مع حالة الكروان الراحل وقتذاك ، فخاطبته نجاة .. وغرد بها:
لمان يجي الزمن الفلاني
سمانا بتقطّر .. مطر
دُري.. وتمازج برتكاني
نسطر ..إسمك يا حبيبنا
في رموش غيم أرجواني
ندمن الضحك المعافي
ونحيا .. في الفرح المورّد
يا سميني.. وأقحواني
ليس ذلك فحسب.. بل تستمر نجاة التي ربما كانت تحمل طوق نجاة متمثلة في فرشاتها التي تلون بها مساحات أزمنة وأمكنة الكروان الراحل فرشاتها الموشاة بالأخضرار دوماً ، فخاطبته في تواصل متفرد في تلك القصيدة:
يا حبيبنا.. جوه عينيك .. عايشه ناس
بتسجل الأيام.. أغاني
ولما يتحقق زماني
بمسح الحُزن المعشعش
في عيونك .. أسمراني
ولكن .. نجاة عثمان لم تنس مطلقاً معاناة مزارعي السودان البسطاء في حقول زراعاتهم التي ينتظرون عائدات حصادها بفارق الصبر .., ومما لا شك فيه هنا أن الكروان العجيب كان أيضاً يحس بمعاناتهم.. معاناة أهل الزراعة .. كيف لا .. فهو قد أتي من رحم معاناة أهل تلك الحقول .. وهو يعلم - كما كانت نجاة تعلم - سوء أحوالهم وعيشة المسغبة التي أتت كنتاج طبيعي لتدهور مشروعهم بالجزيرة الذي ضاع من بين أياديهم فاضاع كل أمنياتهم .. وضاع الأمل عند شعبنا .. بل ( ذهب مع الريح) مثل ما وضعته سينما -هولي وود - عنواناً لفيلم البطل ( كلارك جيبل) في الفيلم الأمريكي أيام زمان . وهنا كان المزارعون ( الترابلة ) هم قضية مصطفي ونجاة المركزية ، فغردا لنا في ذات الأغنية:
يا حبيبنا.. تحيا في حلم الترابلة
وفي العلاقات .. المعاني
في البقاسي.. شقاالمسافة
وعايشة في داخلو.. وبعاني
لما يتحقق زماني
يشرق الفجر الحقيقة
والصباح الأبيضاني
ولعل الشاعرة ( نجاة ) هنا تضع كل هذه الآمال في سلة الإنتظار حتي يشرق فجر الحقيقة وينسحب الليل الطويل الذي أرخي سدوله حيناً من الدهر .. لكي يأتي بعده الصباح الأبيضاني .. ولكننا نعتقد وربما نجزم بأن صديقتنا الأستاذة نجاة سوف يطول إنتظارها حتي يشرق فجر الحقيقة .. لكنه في النهاية .. سيشرق ..ذلك الفجر الأبيضاني - فأرجو أن تلتزم نجاة بصبر الإنتظار .. وسنلتزم معها.. إلي حين قدوم الفجر .. والذي بلاشك لن يكون كاذباً هذه المرة وشكراً لها.. . لنجاة ورحم الله مصطفي الكروان.
ثم أتي فتي الحصاحيصا .. لا .. بل فارس الحصاحيصا .. بلد الكروان التي ترتاح ( ودسلفاب ) علي خدرها بكل إطمئنان.. فهي حاضرتها .. يأتي فارسها ( أزهري محمد علي) يحمل في يديه أحلام فتاة الأحلام .. فيكتب.. ويكتب .. فلم يجف مداده تلك الليلة إلا عندما أنجز ديوان وضاحة .. وبذلك تكون قد أينعت زهرة أزهري الإبداعية .. فأتته الأخبار من مدينة الدوحة البعيدة عن أرض الوطن بأن الكروان الراحل قد انجز لحنها .. .. لحن ( وضاحة يافجر المشارق .. غابة الأبنوس عيونك ) بل وغرد بها الكروان العجيب في حفله السنوي بفندق شيراتون الدوحة في حفل رأس السنة ديسمبر 1995م ثم رحل مغادراً الدنيا وقد كان علي عجل من أمره ليضع نهاية لجراحاته ومعاناته في أمسية السابع عشر من يناير 1996م.. فسالت دموع الدوحة .. وأنهمرت مآقي اهل الخرطوم .. فإزدحم المطاران .. هنا وهناك .. وغاب التلفزيون.. تلفزيون المزاج المغلق الشخصي قبل أن تفتحه الجماهير بعد الرابع من رمضان وتداعياتها.. وبذلك فقد اضاع تلفزيون ( الطيب) أكبر فرصة لتوثيق وفاء اهل السودان لكروانناالذي رحل من بين أيادينا .. فكان المزاج الشخصي قد طغي علي أحزان كل شباب السودان من الجنسين .. نحن لن ننسي ذلك . ولا ننسي كيف تستقبل تلفيزونات العالم نعوش مبدعيها بالصوت والصورة .. عبدالحليم .. ام كلثوم .. طه حسين .. العقاد .. نزار قباني .. أما كروان شعب السودان .. فلا .. وألف لا .. فكان التلفزيون في تلك الفترات الكالحة السواد يمد لسانه بكل بجاحة لشعب السودان .. تلفزيون كان يرتجف من حشود الشباب ومن مشهد جثمان الكروان .. ولم يكن يحترم إلا أعمال من ينشد ( أمريكا روسيا .. قد دنا عذابها) رغم تمزق وتفتت وإنسحاب الشيوعية بكل هدوء من شرق أوربا لتحصر نفسها وتتقوقع فقط بكل حياء في الصين وكوريا الجنوبية وكوبا ..
فكانت تلك الفتاة اليانعة - من بنات أفكار أزهري - أتت وهي تحمل الأمل .. أتت في ذلك الصباح الذي يشبه لونها .. أتت وضاحة لتقول لكل أهل السودان بلسان أزهري ، ليختلق لها مصطفي الكروان لحناً حلو الإيقاعات عند عازف الإيقاع ورفيق درب مصطفي ( عبدالمنعم الفكي).. لحناً حلو الموسيقي.. يختلط فيه الترمبيت مع أنامل عازف الأورج الماهر الموسيقار المبدع ( ياسر القصاص) وأهل السودان في عيد رأس السنة بشيراتون الدوحة من عام 1995م يرددون داخل القاعة في حفله الأخير الذي فارق بعده الكروان الدنيا .. كانوا وكانت عائلاتهم تردد مع الكروان ومع فارس الحصاحيصا أزهري - فارس الكلمة المفرحة اليانعة:
الصباح الباهي لونك
وضاحة يافجر المشارق
غابة الأبنوس .. عيونك
يابنية.. من خـُبز الفنادق
شيدتي.. في جواي ..صوامع للفرح
وفتحت.. في دنياي.. مسارح للمرح
وبقيتي لي ..سكة وعيون
لا قدرتَ.. أطولك..شان أجيك
لا قدرت.. من غيرك.. أكون
ياسلام عليكم .. يا شعراء بلادي.. ياسلام يا أزهري.. هاهو الكروان يوثـقها لك ولنا ولأهل السودان ثم يرحل.. ثم يرحل.. في رحلة سرمدية .. ولعله الآن يرفل في جنة عرضها السموات والأرض.. فهو لم يسبب أذي لأي أحد.. كان فقط يحب شعب السودان.. ويغرد بقضايا شعب السودان.. ويحلم بالخير لأهل السودان.. إنه لم يكن يملك شيئاً .. ولا يمتلك ذهباً أو فضة يضن بها .. تلك المعادن النفيسة التي ظل يكتنزها الناس ولا ينفقون منها في سبيل الله ، فتكوي بها جباههم وجنوبهم .. ومصطفي لا يملك ذلك.. دخل الدنيا عارياً .. وخرج منها عارياً مريضاً ..وكل ذلك كفارة له يوم القيامة لأنه كان صابراً . والله يجزي الصابرين قدر صبرهم .. رحل الكروان ولم يترك ذهباً أو فضة .. لكنه ترك خلفه السيدة الصابرة ( بثينة) وطفليها.. طفليه ايضاً ( سيد أحمد وسامر الحلبي) كما يحلو للكروان أن يطلق علي سامر .. وليحفظهم الله تعالي في مهجرهم بكندا.
فكان أزهري يضع كل آماله في ( وضاحة ) تلك .. فيقول لها بكل جرأة وكان يلفها بعض فخار وإعجاب متمدد :
وأنا.. بيكي.. ماليني الكلام
حرّكت بيك.. عصب السكون
جلبت ليك.. الغيم رحط
طرّزت ليك.. النيل زفاف
حرقت ليك .. الشوق بخور
وفرشت ليك.. الريد لحاف
أحلف جازماً .. وأنا مطلع منذ صبايا الباكر علي معظم ألوان الشعر الغنائي العربي .. أحلف جازماً بأنني ورغم إعجابي بأعمال العديد من عمالقة الطرب العربي بما في ذلك النجوم الكبيرة الراحلة منهم ..أحلف جازماً بأنني لم أجد أعذب وأرقي وأمتع من مفردات شعراء شعب السودان .. فلننظر إلي مفردات أزهري هذه كمثال متوفر عند العديدين من شعراء بلادي .. ولنعيد إستيعاب قراءة ذلك المقطع الشعري السابق .. ولنتتصور أن جوفك وخيالك يمتليء بالكلام من أجلها .. من أجل وضاحة .. حين قالها أزهري ( وأنا بيكي .. ماليني الكلام) .. ياسبحان الله علي هذه المقدرة الراقية في التعبير .. إلي أن نصل مع الشاعر إلي كمية التقدير لوضاحة الحبيبة.. البلد.. الناس .. ودروب الحياة ..و ( جلبت ليك الغيم رحط.. وطرزت ليك النيل زفاف) ياللروعة في جماليات التعبير ….. . و هنا.. . لا أملك إلا أن أقول كما قالها سيد أحمد الحردلو من قبل.. تقولي شنو.. وتقولي منو ؟؟
ومصطفي سيد احمد كان كتلة من الأشواق المتقدة .. يريد أن يقول كل شيء في ألحان شجية تدخل بكل ثـقة إلي سجلات تاريخ الفن الغنائي ( المتقدم) .. فتثبت فيها .. وتتحكر في قلب ساحاته الواسعة الرحبة.. ولا أعتقد بأنها تخرج من ذاكرة الشعب إلي مزبلة التاريخ.
أما ذلك الشاعر الذي كان ملماً بمعظم أزمنة مصطفي الأخيرة بالدوحة فكان يقطن بعيداً عنه في مكان آخر بالساحل الغربي لجزيرة العرب.. كان إبن نوري وإبن السودان الرمز الوطني الملهم محمد الحسن سالم ( حُميد) يكتب .. ويكتب .. ثم يكتب .. والكروان يستلم .. ويستلم .. ثم يغرد بكل قضايا الوطن من صنع خيال وموهبة حميد هذا.. حميد الذي قال للبلد وهو يضعها في مكان ( طيبة الشايقية) .. وأحفاد شايق يطلقون إسم - طيبة - كثيراً علي مواليدهم من الإناث.. فهم رقيقي الحال.. وحميد من تلك البيئة .. فلم ينس حميد مجاهدات عم عبدالرحيم بمثلما لم يجد بداً من أن يكتب من الواسوق ( أبت تطلع) تلك التي يحلم بها أن تطلع . فرفضت.. . أبت تطلع . ….. .. إلي آخرها .. . ما قلنا بلاش .. ( وكفاية كده .. وما تودوناش في داهية) .
كتب حميد تلك الهادئة الرزينة لطيبة البلد ووضع لها الكروان أجمل ألحانه .. وغرد بها مرة واحدة ووثقها .. ثم رحل .. غرد بها في حفل شيراتون الدوحة الأخيرأيضاً .. لكن القدر لم يمهله أن يسمع صداها وسط اهل السودان في كل المهاجر وداخل البلد العريض ، فقالت مفردات الأغنية لطيبة:
كل ما تباعد بينا .. عوارض
أكل ما هواك.. ياطيبة.. مكنـّي
تلد الغربة.. القـُرب الواحد
وبيكي أسمّي الشوق .. وأكنـّي
بعدها يتفجر حميد حباً وتعلقاً بطيبة الحبيبة .. الوطن .. الأحلام . بكل ألوان الجمال المتناثرة هناك .. كحبات اللؤلؤ في إنتظار من يغوص في أعماق بحر الوطن لجمعها .. نجد حميد وقد إستبدت بها الأشواق وهو في مهجره بميناء جدة .. فينطلق بها الصوت الهاديء للكروان:
لما أفوتِك.. من دون خاطر
أو دون خاطر.. مني تفوتي
بلقي حبايب .. في كل حتة
وكل بيوت الفقرا.. بيوتي
لا غيرتَ.. وراك الجـِتة
ولا بدلتَ .. ملامح صوتي
لا غافلني .. ولا هادني
غامل المدن.. الماعرفتني
تـِبن الشوق.. الصبرو.. مصوبر
للأرياف الكم.. وفتني
وللأطفال .. الناشفة ضلوعها..
ونازفة .. بغني
أهدِّي.. دموعها.. وأطمِّن روعها
ببسمة بُكرة.. اللاها تمني
ولا مصنوعة..
للأطفال الناشفة ضلوعها
ونازفة .. بغني
وفجأة .. تملأ الفرحة المتمددة كل جوانح شاعرنا المتفرد ( حميد) .. ويفتخر بل ويجاهر ويتحدي كل الزمن والناس والحواجز بخيولها .. حين يعلن بأنه لن يتخلي عن الغناء لشعب السودان .. وهنا كان الكروان لها .. وقد فهم الإشارة وما يعنيه صديقه الشاعر تماماً .. فما كان من مصطفي إلا ان يأتي في هذا المقطع بجملة موسيقية غيرت من المسار الميلودي لللحن الذي بدأ هادئاً في أول الأغنية الرمز.. نقل إيقاع اللحن إلي إيقاع ( السيرة) المعروف لكي نعرض ونطير معه إلي أعلي حين كان يترنم مبتسماً ومتحدياً الزمن ايضاً :
أغنـِّي لشعبي.. ومين يمنعني
أغني لقلبي.. إذا لوّعني
مخيّر دربي.. المارجعني
إذا طلعني.. نخلة القـُرب
وللا الغربة.. الكدرومية
تنزل غنوتي.. بي قمرية
أو .. وقعني .. في بطن الجُب
بطلـِّع يوسف.. بأغنية
أغني الناس.. المابتسمعني
المـِنـِّي بعيدة.. المـُبعَده عني
ولم يترك حميد المسألة تعدي علي خير.. فنراه لايزال يحفر في الصخر دون يأس يحيط به .. ظل يكتب لطيبه .. ولناسها.. ظل يكتب للغبش.. بل يقول لهم ولنا وللتاريخ ولمصطفي سيد أحمد ليزيد من سرعة إيقاعات الأغنية لتظهر أكثر خفة ورشاقة تبدد الفارق الطبقي الذي جثم علي صدر المجتمع فتشطره شطرين متباعدين جداً ولن يجتمعا مطلقاً لتضيف إلي شريحة الفقر المتسعة قطاع جديد آخر لتتسع مظلة المعاناة . وهو قطاع الطبقة الوسطي الذي رحل بالكامل إلي أسفل .. إلي ردهات النفق المظلم .. لتتمدد مساحة الفقر وتشمل غالب أهل البلد بعد أن زارتها بل أقامت معها كامل الطبقة الوسطي بكل جمالها وتاريخها في محطة فقرها المؤلم ، فتقطعت ( أحشاء الوزير المالي) من الألم .. ( بالله ؟؟؟) .. فأصابت الدهشة كل التكنوقراط .. إلا من كان محظوظاً سلك درباً ربما يكون أعوجاً أو ( بين بين ) ساعده في الإبتعاد من القاع إلي سطح الماء كي يتنفس .. بغض النظر عن وسائل وأدوات وقنوات هذا التنفس .. فقال حميد هنا في ذات الأغنية لهؤلاء وأؤلئك :
وما بتحيـَّر.. بين الفوق
وبين الناس .. التحتانية
إلا.. مغيّر.. وللا عقوق
وللا .. كفيف الإنسانية
ومنـِّـك وين.. يا كاشفه عينيّا
بنور الإلفة.. ضيا الحنية
وحُلم العالم.. ناس تتسالم
والبني آدم.. صافي النية
والأطفال… الناشفة ضلوعا
أطمـِّن .. روعها ..
وتبدأ تغني .. غناوي البـُكره
الكم مسموعة
ويختم حميد والكروان تلك الملحمة الملهمة ( طيبة ) البلد الحلة.. الناس.. حين يصف مشهد الأفراح والليالي الملاح .. مشهد عرس السودان .. وفرحة الغبش.. وهدير الشارع المبتهج حين أزال عن الطريق كل عوائق الطريق .. ولعل حميد لا يزال مندهشاً بما حدث في السادس من أبريل .. وما سبقها بعقدين من الزمان في اكتوبر الأخضر ذاك .. فكتب يختم العمل ويقحم الأماني السندسية بإنفعالات الجماهير ... جماهير الغبش وهي منتشية بإنتصاراتها المجيدة:
فيا حلـتنا.. عليكي ترابك
وإنتِ شبابك.. زينة الجنه
وأحلي عروس البلد.. اللـتـنا
وللا الغبش.. الرّابه تهني
وللا هدير المدن.. الـتـصحي
وتمحا.. ظلام الحاصل.. عني
وهنا لم يترك لي .. لا الشاعر.. ولا الكروان .. أي مجال للشرح والتعليق بإضافة مسحات جمال إلي جمال أصلاً طبيعي .. فهنا لا يزيده المكياج المنمق إلا تغييباً للمعانى البرّاقة..
إذن.. يجب أن نحترم أنفسنا ونترك المقطع السابق بلا تعليق 000
كانت ميزة الكروان الراحل أنه يريد أن يسبق الزمان .. فهو يعرف نهاية المرض المنطقية .. لذلك كان يريد أن يقول كل حديثه في شكل ألحان شجية تمزج مفرداتها قضية العشق والحب .. بقضية الحبيبة الوطن .. الأحلام ، لذلك فإنه قد كان قدر التحدي الذي طرحه له شعراء السودان من كل الدنيا .. فكانت مفردات دكتور بشري الفاضل في مدينة جدة تمزج هذا العشق وتلون مساحات الأمل أيضاً .. كل شعراء الكروان كانوا يستخدمون فرشاة خضراء المداد كي يلونوا بها الساحة الإبداعية .. فقال د. بشري وترنم الكروان :
نفسي في داخلك أعاين
وأروي روحي.. وأشوف منابعك
الصحراء في عينيّ .. تتواثب جناين
ماخده صوتك.. من جداول
وشايله صورتك.. من كهارب
مولداً .. ميدانو حافل
كل ما تصبح .. تجيهو الناس جحافل
ياسلام.. يا سلام
ألم نقل كثيراً أن لغة شعراء السودان قد نحت منحيً جديداً فيه ملامح التطور الرمزي بائنة جداً ..فقد مزج شعراء السودان المحدثين قضايا الناس وهمومهم بقضايا العاطفة والوجد ، وبذلك نكون نحن شعباً متفرداً في التعبير تحت أكثر الظروف صعوبة عن أشواقنا للحبيبة الفتاة .. وللحبيبة الوطن للدرجة التي أصبحنا لانفرق فيها بين الإثنين . لذلك فقد سكن هذا الغناء الرفيع الذي كتيه شعراء مصطفي داخل أفئدة شعب السودان ، بل يطلعون عليه الآن في عدة مواقع إليكترونية بالإنترنت في كل الدنيا .. من براري كندا وحتي نيوزلندة التي تصدر منها مجلة مهيرة السودانية المتوثبة في الإنترنت.
ويتواصل مشروع الشوق عند بشري الفاضل لنري ماذا يقول لها من ملاحظات:
لما تطلعي .. في الشوارع
شوفي كيف الناس تصارع
شوفي كيف.. شوفي كيف
ناس تطفـِّر.. وناس تدفـِّر
وفي البشابي.. علي نجومك
وفي البخب.. كايس تخومك
وكل زول .. من عند سلافك
لا.. لا.. قال دايرلو .. كاس
ياسلام.. يا سلام
دكتور بشري الفاضل في المقطع التالي يضع مشروعه في أعلي المراتب.. فقد جاهر بها ولها .. وقد فهم الكروان العجيب مضمامين هذا العشق وهذا التقدير للحبيبة ، لذلك عندما نعود إلي ترانيم اللحن في ( هذه الحتة) بالذات فإنه يشدو بها علي مهل ويحسب باصابع يديه مبرزاً إشارات معينة حين يردد:
مرة طربان.. شلت صوتـِك
شان أغني
قلت آه .. ياليل وآه
آه.. وآه.. ياليل وآه
إنتِ أول.. وإنتِ تاني
وإنتِ تالت.. وإنت رابع
نافره زي صيد الخلا
وساقيه زي .. نبع المنابع
قلتِ لي.. غنـّاي خلاص
ياسلام.. يا سلام
ولا زالت لتلك الأغنية الرشيقة بقية من جمال .. لتكتمل زينتها.. ولأن حلاوة عيون الحبيب قد أجبرت شاعرنا القاص دكتور بشري الفاضل في أن ينسج لها ثوباً جديداً .. شفاف وغير شفاف .. لا يبرز مفاتنها بقدر ما لايخفي ملامح من مكنونات جمال عيونها ، لنري بماذا كان تشبيهه للعيون .. ومن هم الذين تذكرهم وأجري المقارنة بين جمال العيون وأولئك الناس ، ولا نزيد بعد أن ترنم بها الكروان:
حلوة عينيك.. زي صحابي
عنيدة كيف..
تشبه شريحتين.. من شبابي
وزي عنب .. طوّل معتـّق..
في الخوابي
حلوة ..زي ماتقول ضيوفاً..
دقـّوا بابي
وفرحي بيهم.. سال ملأ.. حد الكبابي
ثم يتحفنا شاعر شباب الشعراء .. ذو المفردات العجيبة التي يضعها في أُطر جميلة صممها بنفسه .. فإزدانت وإزدادت بهاء فوق بهائها حين إستلمها الكروان العجيب وإنطلق بها .. إنها رائعة شاعرنا إبن الجزيرة القادم يحمل معه مجاهدات أهله في قرية حليوة الحليوة ، فكتب
تلك الخالدة المفرهدة :
بقول غنوات.. وأقول غنوات
في البلد البسير جنياتها .. لي قدام
وللولد البتل ضرعاتو.. في العرضة
ويطير في الداره.. صقرية
ولو السمحة .. تلـّت إيـد
ومدّت إيـد
يقوم شايلاهو.. هاشمية
وفي مقطع ىخر من الأغنية - اللوحة - كتب القدال مستخدماُ لغة الريف في تسمية الأشياء وهو في ذلك لعله يريد أن يضع للأجيال الحالية بعض مسميات تراث كانت بمثابة العاب للصبيان في ذلك الزمن البعيد القريب ، حيث يكون بذلك قد إلتزم بقانون توارث الخبرات بين الأجيال ، ولنري ذلك حين إنتقل الكروان باللحن إلي منطقة إيقاعية أخري تعتريها الخفة الإيقاعية لتعطي المعني أبعاداً تصويرية حين قال:
يا سمحاتنا.. هو لب لب
ويا قمحاتنا.. هو لبلب
ويا اللوز الفتق.. في الوادي
هو لب لب
ويا البحر طمح مدّادي..هو لب لب
ويا حجواتنا.. يا صلواتنا هو لب لب
سألتك .. بالذي ركز الأرض معبد
وسوّي الفاس .. عليها مقام
سألتك .. بي حشا الأمات .. ودمعاتنا
سألتك.. بي كبيداتن.. ودعواتنا
شليل وين راح.. شليل وين راح
يكون ضـُل الخريف .. فاتنا
وشليل وين راح
وزي برق السماك.. الجابها دغشية
وزي زغرودة البطن.. الكبارية
مرق .. من شامة القمرا
ومقدّم .. بالعديل يبرا
تعالوا أبشروا .. يا جنيات
شليل ماراح.. شليل مافات
شليل عند المسورو حِرق
بقالو حصاد
شليل فوق التقانت قام
خدار .. وبلاد
ثم تستمر القصيدة الملحمة في مسارها الوطني التراثي ذاك لتبرز كل مجاهدات مزارعي السودان حيث تزحم الأغنية بمفردات ربما لا يعرفها إلا من كان قريباً من مجتمع المزارعين ويعرف ويفهم ( الونسة المهنية ) لذلك الوسط الرائع .. لذلك فإن القصيدة وجدت هويً في نفس الكروان الراحل لأنه قد قد أتي من ذات النبع الجميل في ( ودسلفاب) التي لها ذات ملامح ( حليوة) بلد شاعرنا المتميز جداً محمد طه القدال.
ولقد تغني الكروان كما قلنا لشعرائنا من كل الدنيا .. فقد كتب له أبو ذر الغفاري - في عيونك- وترنم لحسن بيومي - عجاج البحر - ولقريب الله محمد عبدالله- وجيدة-ولقاسم ابوزيد- نشوة ريد- ولخطاب حسن أحمد- بلاد الله البعيدة .. وشهيق لعاطف خيري ، اما الفرجوني فقد كتب له تلك التراثية الرمزية التي تتحدث عن الوان مكثفة من المعاناة وهي قصيدة ( عمنا ودعجبنا) .. وصديقنا يحي فضل الله عدة رائعات تأتي من أهمها : ياضلنا- إستلاب -أسئلة ليست للإجابة . كما تغني للصادق الرضي بقصيدة ( غناء العزلة ضد العزلة)
كانت هناك أغنية ( لمحتك) التي كتبها للكروان الشاعر المتألق والمتفجر إبداعاً متجدداً في مفردات أشعاره وحلاوة وتفرد مضامينها ، كتبها الأستاذ الشاعر ( عبدالقادر الكتيابي) الذي جمعتني به إحتفالية منتدي أبناء أم درمان بالنادي السوداني في أبوظبي ، وقدوجه الرجل الرقيق الدعوة لحضور جلسة صالونه الأدبي الذي يعقد مساء كل جمعة بداره العامرة ، لكنني لم أتمكن من تنفيذالدعوة بسبب إرتباط مسبق لي في مدينة دبي مساء نفس اليوم .. كان ذلك في نهاية أول نوفمبر 2001م الماضي ، وقد كتب الكتيابي قصيدة للكروان تغني بها في ذات حفل شيراتون الدوحة السابق لوفاته ، وهي قصيدة لها عدة دلالات ، وفي تقديري أن الشاعر - وهو يعلم بحالة الكروان الصحية- كان ربما يوجه فيها بعض مقاطع من مناحة تبتعد وتقترب من مسحات حزن بائن من مفاصل الأغنية ، ولعلي أود أن أذكر هنا بأن أهل بيتي ( السيدة أم عمرو وكريماتي ) أراهم ينتحبون كلما إستمعوا إلي الأغنية تلك في شريط فيديو لذلك الحفل الذي نحتفظ به .. إنها أغنية ( علي بابك) .. ولنري ماذا كتب الأستاذ الكتيابي فيها:
علي بابك..
نهارات الصبر واقفات
بداية الدنيا.. هـِن واقفات
وكم ولهان.. وكم طائر..
بعد نتّـف .. جناحو وراك
قـطـَع .. شامة هواك .. من قلبو
إلا هواك.. نبـت تاني
وعلي بابك .. وقف تاني
الغمائم.. شاقي غصن الليل
مسافر فيها .. وحداني
وبدون جنحين
يغنيك.. الهناء المافي
ويغنيلك.. رهافة حـِسـّو
ويفني.. علي جديد آمالو
ويحلم .. بالشتاء الدافيء
وقدر ما يمشي..في
نور الزمن خطوات
يلاقي.. خـُطي السنين واقفات
يلاقي هواك.. نبت تاني
وعلي بابك.. وقف تاني
وملأ الساحات
وللعلم.. فإن الكروان قد أدي هذه الأغنية بإحساس جاذب جداً .. أداها وكأنه كان ينعي نفسه لشعب السودان .. هذا في تقديري الشخصي ، ولقد ناقشتُ أخي الأستاذ الشاعر مدني يوسف النخلي في هذه المسألة ، فقام بالتأمين عليها وهو يري أن فيها نفس الإحساس ، وقد كنت أود إنتهاز فرصة وجودي في أبوظبي في المرة السابقة ، وودت أن أوجه السؤال لشاعرها الأستاذ الكتيابي الذي كنت أجلس بجواره في حفل أبناء أم درمان ذاك ، غير أن الوقت كان لا يسمح بمناقشة الأمر نظراً لسرعة إيقاعات برنامج الحفل.
وعموماً.. نقول أن مبدعنا وكرواننا الراحل مصطفي سيد أحمد قد طبع في سجلات تاريخ الإبداع الغنائي الوطني والعاطفي بصمة كبيرة لا تنمحي بمرور الزمن ، بل وضع كل الأجيال الإبداعية القادمة في تحدي بأن تخرج أعمالهم منحازة دوماً لقضايا الناس الأساسية بعد أن بدأ يتلاشي غناء الترف ( البرجوازي) بسبب قسوة الحياة وضغوط الزمن بكل إسقاطاته التي عصرت الضلوع عصراً شديداً . وليرحم الله الكروان الراحل ..