خَبِّئْنِي مَا بيَنَ دفاتِرِكَ الثَّوْريَّة !

خَبِّئْنِي مَا بيَنَ دفاتِرِكَ الثَّوْريَّة !

 

ونَقودُ اليومَ سُراةَ اللَّيَلِ
بضَحكةِ أقدارِ الخيلِ
وظُلمةِ أنْجمِنا الورديَّة
فالخيلُ مُسوَّمةٌُ عندي
تتجشَّأُ سِفرَ التَّكوين
والنُّوقُ تسافرُ، تتجمَّلُ
في حضَرةِ أشواَكِ
الصحرَاءِ النُّوبيَّة!
وأنا مأخوذٌُ كلِّي
مستبِقٌُ شبقٌُ
مشدودٌ للأنَجمِ
والغزواَتِ الثَّوريَّة
ناجيتُ ملوكَ الصَّحَراءِ مَليًا
وناجيتُ سيوفَ المهَديَّة!
وأنا مغمورٌ بنجومِ الصَحراءِ الأبديَّة
راحَ القلبُ يُقبِّلُ جبهَةَ ثوريٍّ
كانَ يُسَمَّى عبد الخالق!
عبدُ الخالقِ
مذْ صارَ أميرًا للثَّوريينَ
مَا فَتِئَ يُرَدِّدُ تعَويذةَ حُبٍّ للشَّعبِ
ممزوجًا بِرُؤى العُشَّاقِ الورديَّة
وينسِجُ من حَبْلِ الرِّدةِ والأشواقِ
أشعارًا وملاحمَ ثوريَّة!
أدَّبَني حِزبي
علَّمَني شعبي
كيفَ أُسافرُ في
قلَبِ التَّأريخِ
كيفَ أَحُطُّ رحالي
في قلبِ المرِّيخِ
كالسَّيَلِ الجارفِ
أُحَطِّمُ كلَّ النَّكْسَاتِ
أُحَطِّمُهَا بسيوفي القُزَجيَّة!
الوعيُ الصارمُ
فوقَ جبينِكَ
يا عبدَ الخالقْ!
يا مُرعِبَ مشنقَةِ
الظُلمِ الغجَريَّة
يا عبدَ الخالقْ!
يا مِشمشَ نسَماتِ
الوجدِ الصوفيَّة
يا عبدَ الخالقْ!
خَبِّئْني باللهِ عليَكَ
خَبِّئْني مَا
بينَ دفاِترِكَ الثَّوريَّة!
فأنا أعدو منذُ وُلِدْتُّ
ولدتْني أُمِّي بقلبِ
رمالِ الصَّحراءِ الذَّهبيَّة
أعوي كيهودِ التأريخِ
أُفتِّشُ عن هيكلِ دَني
وطنٌ مَسْروقٌ مِنِّي
مدفونٌ في غَسَقِ عيوني
مخبوءٌ في مُدنِ
الجَانِّ المَخفِيَّة!
ولا أجدُ سِجالاً طبقيًّا
ما بينَ الأيامِ
وخرقةِ سيفي
صَهوةِ خيلي
ووضوئي والُّلغةِ
الدافئةِ الورديَّة!
عَاهَدتُّكَ يا عبدَ الخالقِ،
منذُ رأيتُكَ بدرًا تتوهَّجُ في فلكي
في سِدرِ الأيامِ تَسيرُ حفيّا
وتُجَمِّلُ وجْهَ التأريخِ
الدَّاعرِ بالرُّوحِ الأُمميَّة،
أنْ أرفَعَ زندي
أنْ أحمَلَ سيفي
قُدَّامَ الثَّوريينَ
وضَدَّ فُلولِ الرَّجعيَّة
وجوعي المألوفُ
تتأجَّجُ فيه
صهَواتُ خُيولِ المهديَّة!
وأنا يا عبدَ الخالقِ
مأخوذٌ كُلِّي
مسَتبقٌُ، شبقٌُ، مشدودٌ
دَعوتُكَ ودعَوْتُ
مُلوكَ الصَّحراءِ
ورأيِتُ الثورةَ تمشي
في البيداءِ
وفوقَ قِبابِ البلداتِ المنسيَّة!
ورأيتُ عَليّا
رأيْتُ نياشينَ العِزَّةِ
تَخطَو نحوي
مثلَ لآليءِ ورديَّة!
وبقلَبِ التَّلِّ هُناكَ
شاهدتُ المَاظَ يُردِّدُ
في حَلْقِ الثُّوَّارِ جَليًّا
أشعارًا فوقَ المدفعِ ثوريَّة
لا يَعْبَأُ لزخَّاتِ رصاصٍ
تخرُجُ من خلَفِ بساتينِ
الوردِ الطِّينيَّة!
ورأى قلبي في تلك اللّحظةِ
مهديَّ الله
يتجَّملُ بالرَّاتَبِ
قُبيلَ صلاةِ الفَجْرِ
في وجهِ الأعدَاءْ
ويهيمُ غَرامًا بالأشياءْ
والثوَرةُ ضدَّ الظُّلمِ العاهرِ
وضدَّ فسادِ التُّركيَّة!
والرَّاياتُ تُزَيِّنُ
من ليلِ الخُرطومِ المَنْسيَّة
رأيتُ المهديَّ في تلكَ الحَضْرةِ
يستسقي اللهَ
فيُسقيه اللهُ سحابًا
وتمطِرُ مدنُ اللهِ رِماحًا
في حَلقِ الاستعمارِ الغاشمْ
وفوقَ جبينِ الباشَّا الطَّاشمْ
المُثْخَنِ بجراحاتِ
حِرابِ المهديَّة!
يا عبدَ الخالقِ
يا روحَ النَّخلِ
الحالمِ باللّيلِ القَمريِّ
المكتملِ شعُاعًا ورديًّا
كنتُ أُمازِحُ مِثلَكَ
هذي اللَّيلةَ
روحَ الثُّوَّارِ
في ليلةِ وجدٍ صوفيَّة
ورأيتُ اللهَ بقلبي
يُقَبِّلُ محمودًا
بنقاءِ العارفِ بالأسرارِ المخفيَّة
والقمرُ السِاطعُ مثلَ
جفوني يَلدَغُني
يُلقي دومًا باللَّوْمِ
على الزَّنزاناتِ الشَّرقيَّة!
رأيْتُكَ في تلكَ الليّلةِ
مثلَ عيونِ التَّأريخِ الجاحظِ
وفانوسِ العُشَّاقِ
وليْلِ التُّقَّابةِ والأشْواقِ
فبكى قلبي طربًا
ورقصَ العمُرُ العامرُ فَرِحًا
على ضُوءِ فراشاتٍ ناريَّة!
ورأيتُكَ في تلك الحضَرةِ
تحمِلُ لَوْحًا
من خَشبِ الأبنوسِ
وبيدكَ اليُسرى
تَحْمِلُ مِشكاةَ
الأبطَالِ بكرري الثَّوريَّة!
وللفلاحينَ زرعتَ
الحِنْطَةَ بالنَّشْوةِ
من نُطفةِ مطَرِ اللَّيلِ
بأرضِ السُّودانِ المَرْويَّة!
خَيلُك قُدَّامِي تَعْدو
مثلَ بُراقِ نبيِّ الله!
وتصَعدُ كالشَّفقِ الورديِّ
نحوَ سمَاءِ الأعشابِ
المسكونةِ في جسدِ المحبوبةِ
ورؤى الأحلامِ اللَّيليَّة!
يا عبدَ الخالق
علِّمْنا كيفَ
تكونُ الثَّروةُ ضِدَّ الحظوةِ
علِّمْنَا كيفَ
تصيرُ القبضَةُ كالسَّطوَةِ
في وجهِ زُناةِ التَّأريخِ
رِماحًا وسهامًا نُوبيَّة!
إنِّي أشهدُ قُدَّامَ اللهِ
وقُدَّامَ رِفاقي
بأنَّ حروفي من عسْجَد
لا تنبِضُ إِلا للثُّوَّارِ
ورِفاقِ المشنقةِ الورديَّة!
إنِّي اسْتَحْلفتُكَ يا عبدَ الخالقِ
أنْ تدعوَ كلَّ
ظُنُوني وجنوني المُطلقْ
تأخذُني لحقوَلِ النَّعنَاعِ المسجيَّة!
فحينَ وقفتَ وحيدًا
قُدَّامَ طُغاةِ العصْرِ
تشْدو أشعارَ الطَّبقيَّة،
إرتَدَّ البصرُ إلى رمشِ عيوني
ومُذَّاكَ تعَلَّقَ قلبي
بالأفكارِ النَّيِّرَةِ الثَّوْريَّة!
وأماَمَ طُغاةِ العصرِ
رأيتُ الوجْهَ الباسمَ
في جبهَةِ محمودَ القُدسيَّة!
مثِلُك كانَ يُبَشِّرُ بالثَّورةِ
ويدعو للثَّورةِ بالوُحدانيَّة!
مِثلُكَ كانَ لطيفًا وحييًا
مِثلُكَ كانَ مَلاكًا ربانيًّا!
وبروحٍ تُبصِرُ
في الزَّمنِ الغيهَبْ
صارَ المحمودُ
يُحَلِّقُ مثلَ الحلَّاج
وكانَ الحَجَّاجُ الوطنيُّ المَخْصِيُّ
يَحُثُّ قُضُاةَ السُّوءِ
ويُوَقْوِقُ عبرَ المِذياعِ
نشيدَ الرِّدَّةِ
من بينِ ثنايا
المشنقةِ الدِّينيَّةِ!
وصَعدَتْ في يَومٍ مشهودٍ
روحُ الثوريِّ المُتْخَمِِ
بالوجدِ وبالجُبَّة
وما في هذي الجُبَّة
نحوَ الملكوتِ الرَّبانيِّ
ما فرّطَ في الدعَوةٍ يوماً
مَا فرّطَ هذا الشَّيخُ الثَّوريُّ
الضَّالِعُ بالأسرارِ
بالثورةِ ضدَّ الأفكارِ الأُمويَّة!
يا عبدَ الخالقِ
إِصْفَعْهُمْ بِنِعَالِكَ
أعدَاءَ الشَّعبِ
إصْفَعْهُم لا تعَبأْ!
إِصْفَعْهُم بنِعالِكَ
أولادَ قُرادِ الخيلِ
وأعداءَ الحريَّة!
وأذكرني دومًا
عندَ الثَّوريين
فالثورةُ تأخُذُ منِّي
أيامي وشهوري القمريَّة!
عبد الإله زمراوي