مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين

مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين

صدر عن المجلس الوطني للثقافة  والفنون والآداب في الكويت الجزء الأول من كتاب المؤرخ اليهودي، الأكاديمي  بني موريس بعنوان"مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين  بالتعاون مع المركز  القومي للترجمة \مص، و وهو من ترجمة أ.د عماد عواد للطبعة الثانية للكتاب الصادر بطبعته الأولى عام 1988

كتاب بني موريس "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" في طبعته الأولى أثار  ضجة كبيرة تزامنت مع إطلاق بني موريس مصطلح المؤرخين الجدد الذين قدموا كتبا تضمنت حقائق صدمت الكثيرين من أطراف الصراع  لمخالفتها  لما دأب الساسة والأكاديميون الإسرائيليون على ترديده ، وذلك اعتمادا على وثائق إسرائيلية تم رفع درجة السرية عنها، واهم ما تطرق إليه المؤرخ هو قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومسألة رحيلهم\ ترحيلهم القسري

حركة المؤرخين الجدد

يعتبر د آفي شاليم أن عام 1988 هو العام الذي ولدت فيه حركة المؤرخين الجدد، والتي تعتمد على الوثائق الإسرائيلية  "العسكرية والسياسية " والتي أفرج عنها بعد أن كانت غاية في السرية  ضمن تصنيفها في الأرشيف الإسرائيلي، وقد مضى على سريتيها القصوى في ذلك الوقت أربعون عاما ، وبذلك أصبح أمام الباحثين الذين سمح لهم بالوصول إلى مجموعة من الوثائق لم تكن متاحة من قبل مع الملاحظة أن المؤرخون الجدد  قد ظهروا من خارج المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية  وان التحق بعضهم بها لاحقا ، ومن الجدير بالذكر أن مفاهيم ما بعد الصهيونية  وعلم الاجتماع الجديد قد ظهرت أيضا بالتزامن مع مصطلح المؤرخين الجدد ،  ويعتبر د بني موريس ، ايلا يباي، افي شاليم ، توم سجيف أبرز هؤلاء المؤرخين

نقد البقر المقدس

في عبادة البقر يحرم انتقاد أو إزعاج أو الغض من شان الأبقار المقدسة ، كذلك كانت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على مدى السنوات وصولا إلى عام 1988، وبذلك أتيحت الفرصة الأولى لإعادة كتابة التاريخ أمام مجموعة من الأكاديميين الراغبين في البحث عن الحقيقة  وتوجيه الأسئلة لهذه المؤسسات حول حقيقة ما جرى في أعوام عمل الميليشيات الإسرائيلية نظامية أم غير نظامية ، وإبراز الأخطاء التي ارتكبت، وبذلك سقط"دور البطولة" التي ادعت المؤسسات الإسرائيلية عسكرية سياسية أنها مارسته  وتفوقت فيه على جيوش وأسلحة وعتاد وغزوا عربيا بجيوش جرارة ، ويؤكد ذلك أيضا الباحث آفي شاليم "بعبارته "الحمل بلا دنس" في إشارته إلى الادعاء الذي يقوم عليه ميلاد  كيان إسرائيل

المكانة العلمية والسياسية للكتاب :

يشرح بني موريس في كتابه بالأدلة والوثائق دور القيادات العسكرية والسياسية في التهجير القسري للفلسطينيين ، ويؤكد أيضا  بقاء جميع الأطراف بعيدا عن المساءلة أو العقاب الرادع رغم الوثائق التي تدينها مما يعكس درجة من التواطؤ على ما اقترف ، ومن الجدير بالذكر انه قد مضى حتى الآن 25 عاما أخرى على صدور كتاب موريس بطبعته الأولى، وهو نفس الفترة التي رفعت فيها درجة السرية عن الوثائق ، ولا زالت المنظمات الدولية والأممية لا تحرك ساكنا في قضية اللاجئين الفلسطينيين ، ولا زالت الرواية الإسرائيلية هي السائدة ، ولا زال الخطاب السياسي الفلسطيني لا يتمتع بالأدلة الدامغة  التي توفر من عقر دار المؤسسات الإسرائيلية وطبعت في عدد من كتب المؤرخين الجدد

يكشف الكتاب أيضا عن عدد من الوثائق عن تعاطي القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية مع التهجير القسري للفلسطينيين من خلال التشجيع أو التعجيل أو الحث أو السكوت، أو ربما بالضغط المادي أو النفسي على المناطق المقرر اجتياحها وتدميرها

كما يظهر في الكتاب وأثناء مناقشة  قضية الترانسفير وجذورها الفكرية في السياسة الحديثة دور الانتداب البريطاني وعدد من القيادات العربية وبعض الدعوات الإقليمية الصادمة، والتي لا يتسع المجال لسردها في هذا المقال ويمكن الرجوع إليها في الكتاب

يغلب على الكتاب صفة التأريخ لكنه يصلح مرشدا لمزيد من الأبحاث المعمقة في قضايا فرعية او مركزية  لكثرة ما يحتوي من اشارة موثقة في ملحق الكتاب  وأحداث روتها الوثائق الإسرائيلية المحفوظة مما قد يساعد على دعم الموقف الفلسطيني في  المؤسسات الدولية بالحجج  والأدلة من عقر دار المؤسسة الإسرائيلية

البراءة من الحمل بلا دنس

أشار  افي شاليم إلى عبارة الحمل بلا دنس في حديثه عن مولد كيان إسرائيل ، وهي عبارة نابعة من اعتبارات الطهارة الأخلاقية ، وطهارة السلاح التي كانت تروج لها  المؤسسات الإسرائيلية  كافة. وقد قام بني موريس بنقد وتفنيد هذا الادعاء عبر فصول الكتاب بالأدلة والوثائق، والأحداث التاريخية المفصلة كل منسوب إلى صاحبه أو صانعه ، وإرجاع كل  حدث إلى مرتكبه ، ومدى تواطؤ أو رفض أو سكوت الجهات الرسمية عنه مما يؤكد المسؤولية الجنائية والأخلاقية والإسرائيلية عن الضحايا والأحداث الذين أكد بني موريس في كتاب آخر له أنهم "ضحايا على حق "righteous victims  

مكانة الكتاب بين جدران المكتبة

موضوع الكتاب ليس جديدا ، وليس وحيدا ، ولكنه مكثف ومركز ومتخصص أكاديميا، اعتمادا على الأرشيف الإسرائيلي بخصوص قضايا اللاجئين الفلسطينيين ، في حين ظلت الوثائق العربية  رغم مرور  أكثر من 60 عاما على الأقل عليها محتكرة لأجهزة الأمن والمخابرات، وبذلك يتوفر لدينا دراسة أكاديمية منهجية اعتمادا على المراجع الأولية التاريخية برواية مرتكب القضية معترفا بما حدث  بما يدعم الموقف والرأي الفلسطيني

الطبعة الثانية من هذا الكتاب والتي صدر تحت الرقم  406 من إصدارات سلسلة عالم المعرفة  استعانت بوثائق جديدة  وتفاصيل أكثر عمقا بعد ان رفع احظر عنها بمضي الفترة القانونية للسرية الإسرائيلية  التي كانت غير متاحة للطبعة الأولى مما وفر صور أدق حول المزيد من التطورات الميدانية  والطرق التي تعاملت بها  القوات التابعة للهاجناة ، كما وفرت العديد من الردود على من انتقد أو هاجم الطبعة الأولى ومؤلفها، إضافة إلى إسهاب حميد في طرح ومناقشة مركزية الترانسفير أو ما يسميه المؤلف " النقل" في الفكر السياسي والخطط الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية

من خلال استعراض صفحات الكتاب  يبرز عدد من النقاط  المهمة جدا سبق وان تم تلخيصها من قبل المترجم د.عماد عواد في مقدمته للترجمة ، نوردها فيما يلي  باختصار :

1-أعاد الكتاب تنشيط الذاكرة حول أسماء قرى كادت تتلاشى الا من أفواه اللاجئين منها  وخصوصا انه قد سبق إزالتها تماما وأقيمت على أنقاضها مستوطنات بأسماء بديلة

2- يسرد تفاصيلا حول محطات هامة في تاريخ ومفاصل الاحتلال والصراع الأخير ، كان لها دور وحدات الدومينو في سقوط فلسطين  تماما

3- يكشف الكتاب عن أساليب تعاطي المؤسسة العسكرية و السياسية الإسرائيلية مع نزوح أو فرار أو تهجير اللاجئين الفلسطينيين بالوثائق والأدلة

4- يركز على عدد من الفظائع التي ارتكبتها التشكيلات العسكرية اليهودية، أمام الانتداب البريطاني ، وكيفية التباين في  تعامل المسؤولين مع  مرتكبي الفظائع وكيفية توفر الموافقة الضمنية على هذه الفظائع

5-الكشف عن دور شخصيات يهودية مدنية وعسكرية تركت بصمات واضحة في ملف شراء الأرض وتشكيل لجنة الترانسفير بدون موافقة مكتوبة من بن غوريون

6- يحتوي الكتاب  فصلا كاملا للجهود خلال مؤتمر لوزان عام 1949 لحل مشكلة اللاجئين ،وطريقة التفكير الإسرائيلية  بهذا الخصوص ومدى تعقيد هذا الملف منذ عقود، وبالتالي نفهم مدى حاجة رجل السياسة الفلسطيني إلى الأدلة والوثائق ضمن خطابه إلى المجتمع الدولي حول حق اللاجئين في العودة

7- يكشف الكتاب عن عدم وجود دعوات مباشرة أو أوامر صريحة  موجهة للاجئين الفلسطينيين من اجل توريط إسرائيل بتهجير الفلسطينيين، وبذلك يؤكد أن الهجرة كانت قسرية.

قد يكون الكتاب قد قدم رواية أو عترافا غير مباشر حول التاريخ الرسمي للاستعمار الإسرائيلي بوثائق إسرائيلية، لكن الأمر يتطلب جهودا اكبر، ويؤكد ذلك الفراغ الأكاديمي والسياسي المقابل للكتاب من حيث الحاجة إلى كتب تعتمد على وثائق رسمية عربية وتروي بدقة وبعين أكاديمية حقيقة ما جرى، فقد يكون المؤرخ الإسرائيلي راغبا في معرفة الحقيقة أو يعترف بالذنب ليتطهر ويستريح من عقدة الذنب، لكن ذلك لا يجب أن يترك دون التقاط الأدلة والبحث عن المزيد لدعم الحق التاريخي للشعب الفلسطيني

 

مراجعة : إياد شماسنة

Shamasnah@gmail.com

 

View shamasnah's Full Portfolio