فلتمكثي ساعة إذاً، هذا هو الوقت الوحيد المحتمل قبل معاودة النزيف، كي يكون لدي وقت كاف قبل أن أوصلك ضاحكة إلى باب الخروج، وقبل أن تلمحي ومضات برق في غيوم التبغ بسماء الحجرة، فأنا دائما ما أرعد وأمطر وحيداً، كي استطيع أن أحتفظ لديك بمواهبي في التسلية ومكانتي
كمهرج.
تتكسر أوراق الأشجار الجافة تحت وقع خطواتي الخائفة في الغابة الحالكة. بطيئة حذرة، رغم افتراس الزمن للنصيب الأعظم من الصبر. ومع كل خطوة، تتقافز دقات القلب هلعة من قرقعة التكسر، خشية أن يكون ورائها أمل ضئيل ينسحق.
كانت ثملة، وكنا بوداع على الطريق فقالت: ليتنا نعود، حين كنا طيوراً جامحة، ومحض عيون وخيال وأجنحة، بلا أوكار مثقلة بالأساطير، والفواتير، بعيداً منذ بزغ الحلم العابث، وانفجر النزق.
قلت: كنت بائساً فقيراً لا أملك مفاتيح الأحلام!
قالت: ما زلت فقيراً يا عزيزي، أنت فقير بائس بالفعل.
لا زلت اقتات حلم ذلك الصبي الذي كنته، لأنه لم يكن لديه أي خيار سوى تحقيق أحلامهم هم ليحظى بثمالات الحب والاحترام.
قَبِّل شفاهي
واطرد الخوْفَ بعيداً
ضُمَني
قُل لي بأن الليل مَرْ
قد عِفْتُ كوْني محض نُطفة
بين أحراشٍ وشر
خُذ وُجنَتَيَّ كطفلتيْن براحتيْك
كزهرتيْن تَثَنَّيا تحت الندى
كشموسِ روحٍ أشرقت
وبزوغِ سِرْ
قبليني وخذي من لدني ثمالات الرحيق، وانثريهم في أصص الياسمين المعلقة على سور نافذتك، غداً في أحد حرائق الظهيرة، سوف يموت هذا الجسد، فدعيني أعيش في نسمة عطر، ذلك أفضل جدا!
كزهرة يأست من أن تلقى لقاحها المنتظر، وياللعجب، بدا ذاك اللقاح الجميل وهو يتهادى في الأفق، تحمله نسمة رقراقة ثم تلقي به على مهد بتلاتها.
وعندما همّت به تعانقه بشغف العمر، ذهبت به ريح مسائية حالكة، وتركتها مكسورة العنق ذاهلة، لا مفر لها، إلا الذبول.
إنه نفس الحديث المتكرر يا رجل... ألا تمل؟!
كل مرة تحدثني عن الطاعة والثواب، عن الحكمة الخفية، عن العدل، عن الفضيلة.
كل مرة تحدثني عن الشياطين المكبلين إلى أعناقهم في الجحيم!
الشياطين والجحيم .. هاه
ألم تدرك بعد من أنا .... ومن أنت؟
ألم تدرك بعد أين نحن؟!
لقد طهوتِ سلواكِ جيداً، أضفت مزيجاً رائعاً من الأسباب والمبررات اللذيذة، والكثير من المكاسب الرخيصة الطازجة، فلم تلبث أن نضجت سريعاً تحت حريق الذكرى النكدة، التي ذاب رمادها في مياة غسيل الأواني، حتى عادت "كحياتك" براقة عابثة كما كانت.
عبثاً أن أطهو لك وجبة، يا قولوني المكلوم!
صاحت بوجهي: لماذا انخرست!
لقد أصبحت أرنباً عجوزاً ولم يعد لدي إلا ذكريات مضجرة عن القفز، وقد رويت لك جميعها.
لا تريد أن تعي الحقيقة أيها الغر المتغطرس!
لست سوى الحل المؤقت دائماً أيها الأبله.
إنهم جوعى نهمون، وأنت لست العشاء الفاخر المحلى بزجاجات النبيذ المعتق، بل مجرد كيس مقرمشات... فقط مقرمشات!
بلى سيدتي نحن فقط أصدقاء، ولكنني ذكر طرده القطيع بعدما هزمه الذكر الفحل وأغرى لبؤته بفخذ وعل، ونتحت جروحه الصديد والعديد من نقاط الاهتزاز والضعف.
هل أحدث هذا شرخاً في أسوار كبريائك العالية؟!