تجمعت طيور البجع على شاطئ بحيرة الفيروز.. تنتظر النداء، ووقت الرحيل..
في كل عام.. وفي نفس هذا الوقت.. يعاد مشهد الرحيل ، ويتكرر..
دنت ساعة الصفر، وأطلقت البجعة الكبيرة نداءها.. غطت أسراب البجع بأجنحتها البحيرة التي انتصفت جزيرة القمر البعيدة..
بجعة واحدة، ظلت في طرف البحيرة.. كانت تتألم، صوتها الصارخ بصمت جلل الأجواء.. ولم يسمعها أحد، كانت تلتف حول ساقها أغصان ندية، وتلفها الطحالب..!
كان واضحا أنها مكثت وقتا طويلا على هذه الحالة المؤلمة...
أحنت عنقها الطويل خلف جناحها الأيمن.. كانت تنادي أمها التي ابتعدت في الجو، ولكن لم يلحظ عدم وجودها أحد..
أخذت أرقب هذا المشهد بتأمل.. تذكرت وردتي الذابلة.. تلك الوردة التي اقتلعت من جذورها لتزرع في بيئة غير بيئتها.. وتأملت إحساس الألم في عيني تلك البجعة البيضاء الناصعة..
كان الجو باردا جافا، ينذر بقدوم عاصفة.. وفي السماء احتضنت الغيوم بعضها البعض وباتت تدرج على كتف السماء..
أقبل الليل سريعا كئيبا.. يجر ذيوله ويحارب ضوء النهار..
كان في فؤادي ذكرى جميلة مؤلمة، تمنيت نسيانها، تمنين وأدها، تمنيت لو أنها لم تمر ببالي أو بعمري يوما.. تمنيتها لو تقتل في قلبي كما قتلت كليوباترا نفسها في كتب الرواة..
ولكن...
***
ن ب ر ا س