متحف التاريخ الطبيعي في الموصل محنطــــــــــات مستسلمــــــــة لمصـــير ما بعـــــــد المــــوت
الموصل / نوزت شمدين
في قلب مدينة الموصل وبالتحديد في الجهة الشمالية من حديقة الشهداء تقع بناية متحف التاريخ الطبيعي الذي مثل ولعقود طوال الخيار الوحيد المتاح أمام أبناء المدينة من طلاب ومهتمين للإطلاع على عالم الطبيعة بجماله وغرائبه وذلك بعد أن عجزت إدارات المحافظة المتعاقبة عن توفير حديقة حيوانات صغيرة تضيفها إلى معالم المدينة أو في الأقل اهتمامٍ بسيط بهذا المتحف الذي بقي تحت وصاية جامعة الموصل دونما أي اهتمام وظل مغلقا طوال عامين وهو يعاني الاندثار تحت وطأة الرطوبة والإهمال والاقتحامات الليلية بتحطيم أبوابه بحثاً عن أحياء بين محنطاته التي تتفسخ يوما بعد يوم.
موظف واحد وأبواب موصدة
على مقربة من المتحف المحاط بالأسلاك الشائكة والحواجز الكونكريتية المخصصة لحماية محاكم استئناف منطقة نينوى ومديريتي الشرطة والبلدية التقينا السيد صالح عبد القادر أحمد وهو الموظف الوحيد الباقي مع محنطات المتحف ، سألناه عن واقع المتحف وعن معنى إبقائه في مكانه الحالي دون إيجاد مكان آخر يتمكن فيه الناس من زيارته بأمان ؟ فقال:
- منذ ثلاثة عشر عاماً وأنا أعمل في هذا المتحف الذي كان يفتح أبوابه أمام مختلف الشرائح في المجتمع الموصلي، فإضافة إلى العوائل التي كانت تجلب أطفالها لمشاهدة معروضاته كان المتحف يستقبل طلاب المدارس ورياض الأطفال حتى طلاب الجامعات والمعاهد لكنه ومنذ عامين مغلق ويعاني إهمالاً شديداً ولا يكترث له أحد بالرغم من مطالبتي المستمرة لجامعة الموصل ممثلة بكلية علوم الحياة، بصفتها المسؤولة عن المتحف، بانتشاله من هذا الوضع المزري الذي هو عليه الان، وفي كل مرة يقولون إنهم سينقلونه إلى مكان آخر داخل أسوار الجامعة لكن ذلك لم يحدث أبدا، كما لم يبق فيه موظف سواي إذ نقل الجميع إلى جامعة الموصل باستثنائي، علما أنني وفي أحداث عام 2003 بقيت في المتحف وحافظت على موجوداته من السرقة والعبث كجزء من واجبي تجاه بلدي ولم أنتظر مكافأة من أحد.
الرطوبة والتفسخ يهددان محنطات المتحف
المتحف عبارة عن قاعتين الأولى مخصصة للطيور وبيضها وهي موزعة بأنواع وأحجام مختلفة، والثانية لمختلف أنواع الحيوانات ابتداء من الدب مرورا بالأفاعي والأسماك وانتهاء بأجنة مشوهة بعضها بشري محفوظة في زجاجات مملوءة بالفورمالين؟.
أتت الرطوبة على كل شيء في المتحف وأصابت جدرانه وسقوفه بتقشرات طلائية، ويمكن أن يستشعر المرء وبسهولة من خلال نظرة سريعة على معروضات المتحف بأن الكثير منها أخذ يتفسخ أو يتكسر جراء الإهمال. أخبرنا السيد صالح ونحن ندخل قاعة الطيور:
- الكثير من هذه الطيور كانت تعيش في العراق مثل النسر الأسود والبجع ( نعجة الماء ) !، ولكن لا يمكن أن تجد أياً منها الآن إما بسبب الاصطياد العشوائي لها أو لأنها نقلت موطن هجرتها إلى أماكن أخرى جراء الحروب التي حدثت على طول البلاد وعرضها خلال العقود الماضية . حتى هذه أيضاً يتساقط ريشها وتتفسخ بسبب عدم وجود أجهزة تبريد وتدفئة، ومتحفنا لا يحتوي حتى على مبردة هواء عادية!.
في القاعة الثانية كان الوضع أكثر بؤساً جراء الرطوبة وتهشم زجاج عرض العديد من الحيوانات بسبب الرصاصات الطائشة أو شظايا انفجارات قريبة من البناية . توقف السيد صالح وسط القاعة وأشار إلى رف طويل عليه قوارير تحوي أجنة حيوانية وبشرية مشوهة:
- السوائل في هذه القوارير تتناقص وحتما فأن النماذج التي بداخلها سوف تتلف عما قريب، ولقد طلبت ولمرت عديدة من كلية العلوم توفير ( الفورمالين والكحول ) لأنها إضافة الى الماء تكون السائل الذي تحفظ فيه الأسماك والثعابين والنماذج الأخرى كما أن المتحف بحاجة إلى متخصص في السوائل لكن يبدو أن الأمر خارج اهتماماتهم!.
ما الحل؟
السيد صالح اشار إلى إمكانية فتح أبواب المتحف من جديد أمام الزائرين وبأجور رمزية يمكن من خلالها ترميم المتحف مع موجوداته إذا كان المسؤولون عنه غير قادرين على الأنفاق عليه. أما إذا كان الأمر يتعلق بسوء الوضع الأمني للمنطقة التي هو فيها فبالإمكان نقله إلى مكان آخر. كانت الجملة الاخيرة التي قالها الرجل المتشبث بامكانية الحل: لا أعتقد بان المحافظة تفتقر إلى بناية صغيرة ننقذ بها متبقيات المتحف!