نوزت شمدين
يبدو أن قائمة الرواتب ومكافآت النشر الدولارية مازالتا تطاردان أحلام البعض من أدبائنا وتتحكمان بانسيابية قلمه وتنقل السندبادي بين المقاهي ومقرات الصحف بحثاً عن الأحبار السعيدة .! . إذ انك تفاجأ دوماً بأحدهم وهو يسألك ( كم تمنح الجريدة الفلانية كمكافأة للنشر ..؟ ) وآخر يستوقفك في الشارع مثل شرطي مرور : هل سمعت شياً عن قائمة الرواتب الجديدة ؟ .
ومع اعترافي بمشروعية الأمر من حيث الشكل ، نظراً للمستوى المعاشي المتردي للأغلبية الساحقة من أدبائنا جراء سياسات النظام السابق في تهميش دور الثقافة وترويضها على النحو الذي يتوافق مع تطلعاته وأهدافه المحصورة غالبا في تلميع صورة الرئيس أمام العالم . إضافة الى ممارسات المؤسسة الثقافية البائدة التي كانت تطحن العقول بمشاريعها الفاشلة وتنتقي النماذج الملائمة لتوجهاتها التي كانت في الأصل فارغة ولا تمثل إلا نفسها . غير أن المضمون يحمل في طياته خطراً محدقاً بمستقبل الأدب والثقافة بشكل عام في العراق . حيث أن أكثر من ثمانين في المئة من الأدباء الذين كانوا مدرجين بفئاتهم الثلاث ( أ.ب.ج ) ضمن قوائم الرواتب سيئة الصيت لم تتجاوز بعد عقدة التصنيف وعنتريات الكاتب الجليل ، وهذا ما يفسر هجرتهم الجماعية من عالم الأدب إلى الصحافة التي يفتقدون إلى أبسط مقوماتها ليفرغوا هناك شحنات بؤسهم وافتقارهم الفاضح الى مبادئ يستندون إليها بوصفهم حملة رسالة حضارية .
إنها دعوة صادقة إلى كل الأدباء في أن يحفظوا ماء الوجه وأن لا يأبهوا لمغريات الإسفاف والترهل الفكري وأن يبدؤوا صفحة جديدة تتوافق وروح العصر وما يمر به بلدنا من تمزق واضمحلال تأريخي ، عليهم أن يستخدموا أدوات الصدق واتخاذ الأماكن المناسبة لأننا بحاجة ماسة لأن نون حقيقين ولو لمرة واحدة في حياتنا .