( هل حقاً مات القانون )
نوزت شمدين
أصعب ما عليك أن تواجهه وأنت بصدد إنجاز معاملة ما في إحدى دوائر الدولة أن تقع بين يدي موظف عينه فارغة وأخلاقه مصابة بالجدري ويعتقد في قرارة نفسه أن له الحق في مقاسمة الناس أرزاقهم . فأن كنت مستوراً وتؤمن بحكمة ( الباب ألي يجيك منه ريح سده واستريح ) ستصدق أن التعليمات الجديدة تقضي بإيقاف معاملتك إلى إشعار آخر ؟! . إلا إذا كنت واقعياً وإيجابيا في التعامل مع عبارة ( دير بالك علينا ) . أما إذا كنت مفتح بالتيزاب ولا تريد أن تكون شيطاناً أخرس !! ستتوعد الموظف بفضيحة وظيفية وبعقوبة قاصمة للراتب ثم تجمع بعضك وتمضي مثل بركان ثائر لمقابلة السيد المدير ، ولأنك لا تعرف الوقت الذي يكفي المدير لإنهاء اجتماعه ، ستبقى هناك ساعات أمام بابه الموصد ! وربما أياماً طويلة إلا أن تنطفئ نارك وتتجمد حمم غضبك وتعود للموظف بابتسامة مطيعة تثبت له أنه فوق القانون ؟! .
لابد وانك قد التقيت في يوم ما بهكذا نموذج من الموظفين ممن أساءوا للبقية النزيهة من زملائهم الذين حافظوا وبرغم السنين العجاف على سيرهم نظيفةً وخالية من شوائب الرشوة والابتزاز ، ولعلك تذكر في الزمن القديم دائرة الضريبة ابتداءً من كتاب العرائض أصحاب الحلول السحرية مروراً بموظف الأضابير بنظراته المتشككة وصولاً إلى المخمن الذي كان يدوخ حتى جهابذة الرياضيات والمالية بطرق حسابه المريخية وأرقامه الطلسمية التي تبدأ بما لا تعرفه عن أموالك وتنتهي بأمور لم تملكها أبداً ؟! . وبما أنك كنت تعرف جيداً بأن باب المدير ما يزال موصداً ، كنت تجد نفسك في النهاية مضطراً إلى دفع ضريبتين ، واحدة للدولة والأخرى للمخمن نظير مساومة خطط لها بإتقان في غفلة من القانون .
وكذا الحال كان بالنسبة لجميع الدوائر فلم تكن بعين الفاسدين فيها سوى صيد مشروع لابد من اقتناصه بداعي أن الراتب لا يكفي ؟! ، وأن الحوافز تموت عادة في مجرة مكتب السيد المدير ! .
اليوم وقد تغير الحال بعد أن استنشقت الجيوب رائحة الرزم ، لم تعد المسوغات القديمة تشفع لشذوذ سرقة الناس باسم الوظيفة ، وعلى الجيل الجديد من المدراء أن يفتحوا أبوابهم وعيونهم وأن يدركوا جيداً أن الكرسي لا أحد خالد عليه ، وانهم إن أساءوا استخدامه فسرعان ما يبتلعهم مثل رمال متحركة .
الكثير من الوجوه القديمة طليت بألوان جديدة وهي ماتزال تمارس دور دراكولا في امتصاص دماء المواطنين بل هي استفادة وبشكل أكبر في ظل مأساة البلد فراحوا يسلكون طرقاً دولاريه في قطوفهم غير المشروع ، كل ذلك والقضاء عندنا لم يتوصل بعد إلى سبل تحيي أو تفعل العقوبة الصارمة بحق هؤلاء بالرغم من أن المتون متخمة بالبنود التي إن سرحت من غفلتها لوجد الكثير من الناس وظائف شاعرة ؟! .
أغيثوا الناس فلسان حالهم يقول إذا كان القانون في السابق أعمى فأنه اليوم قد مات