الجــــو شـــــديد البرودة في الخارج , وأنا وعمي طفلين تحدينا خوفنا ورغبة الأهل
وقررنا أن نبــيت في بـــيت جـــــدي العتيق العثماني الطراز , في صالة كبيره ذات
يتــــبدد في أرجـــــاءها نور القنديل الخافت المتراقص بفعل بعض الهواء البارد المتسلل
إليهـــــا لـــترسم الظلال المتحركة على الجدران صورا يزيد خوفنا في تشكيلها فنتخيل
أنهــــا ظــــلال لبشر يتحركون , فنزيد تحت اللحاف التصاقا . كان الشك فيما نرى يبقي
عـــلى بعـــــض الامل فينا ويمنحنا شيئا من الجلد والقوة تبقينا على بعد خطوة من
الانهـــيار . لــكن ليت الأمر اقتصر على الصور المتحركة بل أضيف لها صوتا عند
الباب , فاصــبح الشـــــك يقينا , لم يجرؤ احدنا أن يسال الآخر ليتأكد من انه سمع مثل
ما سمـــــع , وخيم الصمت الثقيل المخيف في هدأة الليل , و اخفينا وجوهنا تحت اللحاف
ونحن نرتعد بردا وخوفا , وفي نفوسنا رجاء أن لا يـــكون ما نسمــــع صوتـــا حقيقيــــا
لكن الصـــوت عــاد وكان هذه المرة واضحا , أن أحدهم يحاول فتح الباب عنوه ,
فصرخــــنا معا ,لكن صراخنا تبدد هو الآخر في هذه الأرجاء الواسعة كضوء القنديل الواهن
بكيــــنا إلى أن توقفت محاولات خلع الباب فتوقفنا , ليت الليل ينهي في هذه اللحظة
وينهي النهار محنتـنا , لكن الوقت يمر علينا أبطأ واثقل ما يكون , وفجأة تجددت محاولة
فتح الباب وتحولت إلى ضرب لتحطيمه , دعونا الله أن يصمد هذا الباب العتيق الذي بلغ
من العمر عتيا ويحو ل بيننا وبين هذا المجهول المتوحش , ومضى الوقت ما بين محاولة
يتلوها توقف يليه محاولة أخرى والباب صامدا , إلى أن بدأت خيوط الفجر بالانبلاج فبدأت
بعض الثقة تعود إلى نفوسنا , وازدادت بازدياد الضوء المتسلل من النافذة إلى الصالة
الكبيرة من تباشير النهار فاختفت الصور المتحركة التي كان يعرضها القنديل عن الجدران ,
وتبدد خوفنا لدرجة أننا أصبحنا نفكر بالهجوم , وقررنا مع بزوغ الشمس أن نفتح الباب بعد
أن تسلحنا بما طالت أيدينا الصغيرة من سكاكين المطبخ .
فتحنا الباب وإذا بالحمار قد قضى على أحواض الزهور أمام الباب , ولا سيما شجيرات
"خد العروس " التي تفتح زهورها البنفسجية صباحا وتغمض مساء , أغمضها الحمار إلى
الأبد وحرم عيوننا في ليلة مرعبة من الإغماض .