طريق جوال

Folder: 
قصة قصيرة

كانت الشمس قد توارت خلف التلال الغربية لرام الله , عندما أغلقت (رائعة) جهاز الكمبيوتر  وغادرت الدائرة التي لم يبق أحد من موظفيها حتى هذا الوقت المتأخر إلا هي والآذن ,  هبطت السلم مسرعة وشعور بالضيق ينتابها على اضطرارها للكذب لتبرير سبب هذا التأخير الذي بات يتكرر كثيرا بالشهور الأخيرة .

وجدت جهاد  -  ابن الجيران وابن بلدتها التي هدمها الاحتلال عام ثمانية و أربعون وشرد أهلها في المنافي -  الحبيب الذي لم يعد حبيبا بانتظارها . سارا معا بالشارع وهو يلومها بلطف على تأخرهما بالعودة للمخيم لا سيما وان نظام حظر التجول البغيض على وشك الدخول  , وانه يفكر أن يشكو لامبالاة مديرها لمن هو أعلا منه , إلا أن رائعة هونت من الأمر وادعت أنها" تقارير"  هامة  تخص الموازنة  السنوية وانه –  مديرها – لا يول ثقته بمثل هذه المهمات لسواها  , فتقبل جهاد التبرير ثم أردف قائلا لولا علمي بصعوبة الأمر على اهلك لاقترحت أن نبيت  ليلتنا في رام الله , لأننا تخاطر  كثيرا بالعودة في مثل هذا الوقت إلى المخيم عبر طريق "جوال" وخصوصا أن شهية جنود الاحتلال  مفتوحة للقتل بعد عملية نتانيا .علا الخوف محيا رائعة وهي تسمع كلمة القتل  وبدا عليها الندم وساءلت نفسها : ماذا لو علم السبب الحقيقي لتأخري ؟ وتذكرت أمين وكلماته العذبة على المسنجر ,  يجب أن أصارحه سأقول له كل واحد منا في طريق ... يا لها من مفارقة , لكني سأصارحه في اخرطريق  "جوال" عندما تكون المسافة المتبقية للمخيم اقصر ما تكون  " قالت في سرها" ,  وواصلت شرودها تقلب الأمر في ذهنها يجب أن لا يظل واهما ويسألني عن التغيير الذي طرأ على شخصيتي , وعدم تواصلي معه فلم اعد اطلبه بالهاتف  , وان طلبني فحديثي بلا طعم , أنا لم اعد احبه و إنما احب أمين الشاب اللبناني المغترب في كندا , سأخبره أننا لم نعد نصلح لبعضنا , سأتحجج بالظروف  وحاجة عائلتي لمرتبي , وان الزواج شيء لم اعد أفكر به , ثم عادت وتذكرت أمين وهو يبثها حبه على المسنجر , فأشرقت ابتسامة على محياها الجميل , لم يتسن للحبيب المرفوض ملاحظتها بسبب الظلام  , وتابعت تخيلاتها ا مع أمين في أماكن مختلفة من العالم التي وعدها بأنه سيأخذها إليها , لم لا ؟ أليس ثريا ؟ ثم إني مللت من منع التجول و إطلاق الرصاص  والفقر . لا ليس الثراء هو ما يدفعني إلى حبة , إنما شخصيته المبهرة , صوته الساحر , ثقافته الواسعة .... وفجأة تعثرت قدمها وكادت تهوي على المنحدر الترابي لولا ذراعي جهاد القويتين فقد التقطها   وحملها كجوهرة نادرة ونزل المنحدر راكضا ليحافظ على توازنه المختل بسببها , شاعرا بحرارة جسمها الناعم و بلذة الالتصاق بقرصي العجين  في صدرها المتقد أنوثته وسحر , أول مرة يلامس ما هو اكثر من كفها . حررها من بين ذراعية اسفل المنحدر متعوذا من الشيطان , فهمت رائعة انه يتعوذ من  المنحدر أو من الاحتلال الذي اغلق المدن والطرق وقطع أوصال الوطن وتمتمت شاكرة الله يخليك .واصلا السير بحديث متقطع إلى أن اقتربا من الحاجز  , وكان لا مناص من الاقتراب  لأنة يتوجب عليهما قطع الشارع المعبد ليصلا إلى المرحلة الأخيرة من طريق "جوال" المؤدي إلى المخيم , وبينما هي منشغلة بالقنبلة التي سنلقي بها في  وجهه قال جهاد: هنا اصعب نقطة بالطريق  الله يستر , ترددت قليلا إلا أنها استجمعت شجاعتها وقالت اسمع يا أمين ... هناك أمر يجب أن ...أدركت زلة لسانها فلم تعد تدري ما تقول . اندهش جهاد ... أمين ...من أمين؟  فاحتارت ما بين تصنع بسمة ومحاولة النطق بشيء يبرر الزلة . إلا أن جهاد أخرجها من الورطة قائلا ليس مها أمين  , جهاد ,  حسنا اكملي ما كنت تودين قولة , وساد الصمت برهة ...واستأنفت رائعة : نحن جيران , وتربطنا روابط كثيرة ...وأنا احبك ...احبك كحبي لآخي . وتوقفت عن الكلام وعن المسير لترى وقع الصدمة علية , فطلب منها متابعة المسير والتزم الصمت , يجب أن تفهمني يا جهاد  "قالت وكأنها غاضبة" وتعلم أن عبئ العائلة بات ملقى علي أنا , بعد أن أستشهد أخواي . كما انه لا يوجد أي بصيص أمل في نهاية تفق الاحتلال , ظل جهاد صامتا وهي تتمنى أن يقول شيئا , لكنها أحست كمن يمتلكه شعور كبير من الخيبة والمرارة وصار لا يأمل أن يسمع ما يسرة منها  . أضافت لقد حصلت على تأشيرة هجرة إلى .....وقبل أن تنطق كندا دوى الرصاص ورأت جهاد يسقط أرضا , صرخت جهاد  ...جهاد  ؟ ما بك ؟ هل أصابك الرصاص؟انحنت عليه , حضنته وهي تبكي وتردد جهاد  ... جهاد  ...حبيبي جهاد ...آنت حبيبي ,فابتسم جهاد والدماء تتدفق من صدره إلى ثوبها والتراب وهو يودع الحياة شهيدا  , تحامل وقال : أتمنى لك حياة سعيدة يا رائعة, كنت اعلم  بأنك ...منذ أن اشتكاك الآذن , والذي يسلك هو الآخر الآن طريق جوال آخر , كنت اعلم يا رائعة , نحن يربطنا ماهو اعظم من الحب , يربطنا شيء آخر , هذا الذي يتدفق من صدري ...يربطنا الدم يا رائعة , وهذا الذي يتشرب الدم وقبض على التراب , أنت وتراب هذه   الأرض  ...  كم احبكما    و أريدكما أن تظلا معا .  لا تهاجري  , فالوطن ولو محتلا   ولو مغلقة دروبه ولو ممنوعا علينا التجول فيه يمدنا دوما بالكبرياء , اكملي الطرق يا رائعة واهد الوطن أطفالا ,  اكملي الطريق ولو كان  وعرا   كـ "جوال"وتمتم بالشهادة وابتسم ابتسامة  ظلت مشرقة . فارق الحياة بين ذراعي من احب  , ضمته إلى صدرها بشدة وهي تصرخ : أنا السبب  أنا السبب . احبك أنت ولن احب سواك هل تسمعني؟ احبك واعدك لن أهاجر .بعد جنازة جهاد في عادت رائعة إلى البيت تحضن فستانا تلطخ  بالدماء . وفي اليوم التالي عادت إلى عملها كالمعتاد , فتحت جهاز الكمبيوتر  دخلت ألنت , وجدت أمينا ,  سألها بلهفة عن سبب عدم ظهورها بالأمس أخبرته أن ابن جيران لهم استشهد .


View khalidasmar's Full Portfolio