بهاء الوطن الكبير



بهاء الوطن الكبير

                          هاجس الذات                 كرم الأعرجي

العدد 51 / 52 حزيران الماضي في مجلة الكاتب العربي الصادرة عن الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب في دمشق . اثارت انتباهي قصيدة موسومة بـ (الشمس خلف منازل النجوم) للشاعر (محمد راضي جعفر) وهذه القصيدة تمتلك ما هو مخزون في الذاكرة من حس قومي متفاعل مع هاجس الوطن الكبير بشعرية عالية وطروحات مستفيدا من تاريخ الوجع العربي الاسلامي في احلك ظروفه على مساحة اسرار النفس وفي هذا الجرح القومي الذي يعيشه انسان العروبة في هذا العصر ، وهكذا يعمل على توحيد الفكر وجليهِ من شوائب الفوارق.

يبتدئ من تجلي بصيرته على ما يحدث من تناحر واصفا قلقه على الوجود العربي الذي فككته الصراعات ، ليختزل التشبيه بعد العزلة والخروج من مشكلاتها عبر مراحل الوجع الممتد من المحيط الى الخليج، ليمسح عن الوجه العربي اللامع آثار الجراح فتخرج من قلبه حمامة الشآم (دمشق) سيدته الجميلة التي تتحنى باغانيه وامانيه ملتحمة بهذا العاشق البغدادي، وبعد ان اضاعه حب العرب في فلوات الاسرار العصية الاكتشاف ، جاست الشعرية شغافه برغم آثار المتاهة على صورته كشاعر يحس ، بما يدور .

وهكذا يطلق عنان مخيلته نحو (زورق من ذهب) ليركبا معا باتجاه الحضارة في وحدة وجود ناصعة يصف (بغداد ودمشق) وهو بينهما عاشقا وصفا حسيا دون التشبيه الاول ( لضفيرتا دمشق) مستطردا بقوله : (لؤلؤتين من دم الياقوت ، صبابتين من سنا البلور … ) . تضيئان دروب المسرة ، وهذا ما يحدثه الاتصال الروحي كسمة هدف من مبدأ فكري وعرف اجتماعي مجبول بالدم النقي .

وتبقى حيرة البحث في اروقة تجلياته (بمقطعه الثالث) فيها اشكالية ناغلة بآفاق ذهنيته المفتوحة باتجاه المنافذ السرية للذات محددة بـ (الجواني) - و(البراني) كما يطلق عليها اعلام المتصوفة اما من ناحيته كشاعر في استخدامه (للجواني ) المفردة بدل الباطن سيستخدم البراني بدل الظاهر كمفردة ايضا / ربما تعني في ذاته اعمق من الباطن وسريتها مفتوحة في اطلاق معناه الخاص ليقول (اني ابحث عن فاكهة الصيف ، وعن الهة المنفى الجواني) وبعدما يأس من البحث في بطون الاساطير اسند رأسه الشيخ على ما يبهره من تناص قرآني ليغوص اعمق قبل التحليق بجسده في هذه الحياة (ابحث عن نطفة ماء دافق) وبنظرة عتاب تختلج مزاياه في ارساله رسائله نحو ما هو (محجوب) (فافتح ميقاتك لي، فالليل بليل )





ان المشكلة التي تحيط مشاغله الفكرية هو التطهير العام من حيث البدء من (النطفة ) الى الجمع النهائي في حدود اقصاها (الغرغرة) كي يحزم اعماله في هذا الموقف المخيف بين الخالق والمخلوق .. والبصيص المتبقي (القبول) لما مر عليه من مكابدات في زمنه الخاص به وجسده اللذين سنفجرا حتما ليصبحا كهرباء.

المقطع الرابع يفيض حزنا والما قوميا وعقائديا بين اشارتين (القميص) و(راس الحسين) انه يوحد من مرجعياته دون يأس من طروحاته في المعالجة ومناقشتها على مستوى الفهم الحديث لبناء سور واحد مرصوص دون ثغرات ، ليبدأ بالذكرى المؤلمة مذبحة الحسين (عليه السلام) بما فعلت من شتات واحتراب الى آخره من الويلات رغم خيمة الغموض. يحاول الشاعر ايجاد حل لتدمير الفتنة بين الاشارتين (الراس والقميص) وجعلهما في ذات واحدة عربية مسلمة دون خلافات تنظيرية او افكارا هادمة. ليقول (اذكر يا حسين ، ما فعلت طوالع الاشواق بالعشاق ، وكيف شتّت طرقات البين … فلا تقص كيف فاض نهر النار مرتين ، وكيف بعنا غلة اشتياقنا … ، فلا تقص كيف ضاع الشعراء ، في زحام المتشاعرين يا حسين)  خرج من المه نحو وحدة المضمون الروحي المكاني والعقائدي ورفع الغل بين هاجسين مؤثرين (القميص والراس) فكان الحلم واحد في جسد واحد سالك نحو الغاية الواحدة …. لذا استشهد بهذا المقطع من قصيدة طويلة (الراس شهيد الله يخرج من تربة روحي يتنفس ، وقميصك يا عثمان غسلته دموعي) .

الرؤيا واضحة في الفكر المحوري الدائر والمختزل في هذه الفسحة المعرفية التي يكتشفها الشاعر .

ثم يعرج بنا الى حالة الحصار التي فرضته عليه طغمة العار من بعض العرب والامبريالية العالمية وبتحريك صهيوني في مقطعه الخامس والسادس ليمتعض من سنين القهر والمجاعة واصفا فعلتهم هذه بالبشاعة والخبث والعهر الذي لا تتسم به الاخلاق الانسانية، وهنا يجوس مفاصله الحس بصبر البطل المتبصر والمحارب فيما اذا ووجه. ليقول (سريعة تجري كما الخيول، ونحن بين الصمت والذهول … ) .

يمر الزمن سريعا وهو المحارب الحافل بالانتصارات لا تذهله الحروب ، بقدر ما ذهلته الخيانات وهنا جعل من خطاب المكان الذي يشع من بغداد (فلك الدنيا) خطابا آسرا لا يجرده الفهم محمولا بالوصايا والاشراق على مساحة الوطن الكبير .

ليقول :(الشمس بعد منزل النجوم)

ستشع وهجا كراية العراق

View karam's Full Portfolio