رمزية التلميح في رائحة السينما
للقاص نزار عبدالستار
كرم الاعرجي
من تجربة الى اخرى يفضي لنا القاص أحاسيس ومدارك تتفتح نحو رمزية التعشيق بين زمن الكتابة واحتراقاته في المكان وهذا الشغل حصيلة لمعرفية مشاعة في فضاء النص العالمي، ان البحث الحياتي بأفعال تخالجه من أجل الوصول الى ماهية المعنى الجمعي في ترتيب العلاقات بين شخوصه ومايريد من طروحات تنسج افعالها المدينة بوصفها مفتاح الصدمة في الواقع المعيش، (فالباث) هو تجريد ايحائي يستل من الحياة قيمة الدهشة الباطنة غير المكتشفة وايضاح مكامن أسرارها عبر النقش المتفرد في الصياغة، ولو اردنا البعث في تفكيك الجملة واحتمالات وجود تناقض يضع القاص على محك تغذية الافتراضات من الباطن غير الواعي، هذا لأن المفردات المنضبطة في المعنى قد تمتاز بالوعي الظاهر دون باطنها، لذا تتحد التاويل مع التكامل النصي غير المفكك فتتكون وحدة المضمون، وان كانت دون ذلك في بعض مايصبو اليه، وهنا يسجل التضاد بصمته، وهذه حالة صحية في خلق نص بقطبين كي ينتهي الى شرارة الدهشة.
ولو عبر التحليل نحو الرغبة القادرة على تفكيك رموز شخوصه في النص الذي يحتج به على التاويل لأصبح واضحا لنا زحف المشاعر نحو شخصياته (القاص) التي هي من صنعه ليندفع امام مايدهش من المؤلف، وهذا رقي رفيع في تفجير طاقاته في هذا الهم الانساني الشامل.
فالمجموعة القصصية الصادرة عن دار الشؤون الثقافية والموسومة ب (رائحة السينما) للقاص نزار عبدالستار والتي تحمل بين طياتها سبعة قصص حافلة بالاسطرة التاريخية لمدينته بما فيها من شواهد الماضي والموروثات المطعمة بلغة محلية فيها نكهة القدم، وهذه المهارة عالية في الانتباه الدقيق في رسم الواقع ووضعه بنسب تلمع فيه المشاعر لما يحيطه من فعل الشخصيات المختارة ليؤرخ ثانية جغرافيا المكان على اساس المرجعيات الحاذقة في التسلسل الزمني.
ففي رائعة هذه المجموعة قصته (قبل ان يذهب الى مصيره) يكتشف أبعاده في الوقوف على أطلال زمنه المحمول على هودج الحب العالي للحياة والاستمتاع بمفاتن ثناياها منذ نعومة أظفاره حتى تدرجه في سلم العمر بوصف سائح، يجعلك تدخل كل المشاهد المصورة على شكل فيلم تشاهد فيه انعكاسات دراما الداخل (بقبوه العقلي) مستنتجا حبكة المعالجة بفنية باهرة تذهل نزهة المتلقي في معاناته الصغيرة والكبيرة في التحولات المكانية وشعائرها البيئية ذات الطقوس والمراسيم (ختانه المفدى بالذبائح) ومنها تحرك الفهم بحرية امام مايعنيه، هذا الرحالة القلق الكثير الوساوس (القاص) المتفائل الخائف الملذوع بالوهم والذي يحس بمتعة النوم اكثر عن طريق (الباراسيكولوجي) يذهب الى مصيره المتفاعل مع العوالم الاخرى بفعل التعازيم والقناعات التي اوصلته الى حقيقة (ان الموت اكثر مرحا مما قيل عنه) لذا (لم يعثر أحد على قبره هذه الحاجة التي تتعذب في عزلة روحه مثل صحراء بلا قوافل) وهنا الح في حاجته دائما لعالم أعشاب يخلق شخصيته ليبصره وقد يكون من الممكن أن يكتشف علله التي شخصها (هو) بداء عظمته غير المتحققة وليس مفاهيم (أراد نانا) الطبية، التي هز تاجه الملكي بعلاجات ودعوات تشخيصية متعاطفة معه ومغمورة بالنكبات، وكل مادار في معاركه النفسية بسبب (تفاحة) خبيثة (وملوثة بالحسد) فأخذ يقاتل الاغذية وفايروساتها في الجسد الكبير (رمزا) من أجل سلامة جسد المكان (لذا شعر الملك بوجع الحقيقة) هذا الشعور الخائف عند (القاص) الملك مجازا دون الملك التاريخ جسدا، حارسا أمينا يحول دون انشغالنا بالتاويل لأنه صادق الانتماء في كلا الحالتين، كارها للخيانات التي تحد جسده اللامع ابدا (رمزا) أراد ان يقول (قبل ان يذهب الى مصيره) ان التفاحة اللذيذة المذاق الساكن فيها عسل الاغواء وبفعل الأبلسة كانت سبب نزولنا من الجنان الى الارض اما التفاحة التي يأول فيها طرح ثيمته، هي فتنة الارض وسلعتها وسبب الصراع وسقم الطبيعة وخبث طوالعها ولوثة المكان، ستذهب بنا الى مدار آخر فيه نهاية بقطبين، ان هذه الامكانية في التوظيف بما فيها من مرجعيات فوقيه وتحتيه، اغرقتنا بفيض المعرفة عند (القاص) بأبعاده المفتوحة والمنطلقة من المكان، وهنا يقع التضاد المعرفي لقضية الانسان، وهكذا في اغلب احوال القصص الفكرية ومنها [صندوق الاماني، رائحة السينما، شمورات، والتماثيل] وما تداخل ودار في شغله، كلها إفصاحات مدروسة في هذا المشغل الابداعي (رائحة السينما) لذا يرى القاص بأنه يبدأ من تاريخ لحظة وجوده دون النظر الى الوراء من اجل تحرير تصوراته القادمة من قيد قديم، له علاقة بتاريخ مدينته التي وزع فيها ادواره المفتونة بالذات على شخوصه المتخيلة بقصدية التطهير وما يفيد من سلالة الاثر داخل وخارج الاماكن، كما يقول في قصته [تماثيل] [ فقد هشمت المعاول اغلب العادات والتقاليد] هذا لانه [دخل (سوق هرج) دون معونة الاجداد، فقديماً لم تكن لهم استخدامات مفيدة] وهذا تسلسل زمني ورأي حر في الرؤية..
فالمشهد الفكري الذي تتجمع فيه الشخوص الى درجة الكمال من خلال بصيرته الطموحة نحو الارتقاء بكل مفردات حياته، يحتم عليه الوجوب الخالص بالتطهير مما يشئ