رشاقة المعنى في تؤام القمر كرم الأعرجي
(توأم القمر)مجموعة شعرية صدرت عن دار (دارا)للطباعة الحديثة ومرخصة من قبل وزارة الثقافة والإعلام تحت الرقم 692 في 2001/8/29 باللغتين العربية والسريانية للشاعرة (نهى لازار)وضمت بين طياتها أربعين قصيدة منها مقطعات صغيرة وبضع قصائد طوال..إن الدخول إلى عالم النص الشعري النسوي يوجب علينا الإنتباه من مواقف المرأة تجاه الحياة فالمرأة تتميز بالرقة حتى في إطلاق لغتها نحو فضاء التلقي كي تتمتع بأنوثتها وجمالها عبر الهاجس الذي يحيرها من النظرات المحدقة نحوها ..إنها تراقب خطاتها وتنير ماحولها وخلسة تسحب بأناملها الرقيقة القلم والقرطاس لتملي مشاعرها بحذر لأن عالمها مغلق وشخصي..ناظرة من ثقب أبرة على الحول بسكون الخائفة من مجهول أو الراحلة في متاه تلوكه دوامة عاجزة تارة في الوصول الى المعى المقصود خوف الأسباب وأخرى تحول دون إفصاح عما ينتابها من هذا الإنهمار الشعري الماطر في الخارج وهنا يبقى العطل في التحرر لأن المرأة مشكلتها عميقة في الذات..إنَّ ما تختزنه قصائد لازار هو الهم النفسي والإجتماعي الذي يجرش أيامها دون متعة أو حتى بصيص يجعلها تتأنق في هذه الحياة فالسوداوية طاغية على أغلب نصوصها المرتعدة من القادم ..فقصيدة(سيادة)هي محاولة في ايجاد مبرر لذنوب إقترفتها في باحة التمرد الذي تفترضه باحثة عن السكون مجروحة بمسافات توصدها الأمنيات القلقة.لتدخل عالماً جديداً تحسه أكثر إنسجاماً وراحة عندما تغوص في التجربة حاملة أوزار غثيانها في خضم نفسي مجهول تقف قصيدة (القسمة)لتقول عانية إياها (تدخل حوافرها في تفاصيلي)وهذه العلاقات مجرد حالات عالقة تمر بها بنقاء روحها من أجل الإختيار ولكنها تختم مسراتها بفاجعة الفشل،لتقول( مجردزوبعة لاتختم إلاّ بالتفسخ)..وحينما تصدم بالجمال تنسخ في نصوصها (وجه آخر وروضة الشهامة ،القمر،البحر،طفولة الفوضوي والناسك)وإلى آخره من سطوة السطور المتوغلة في تأطير جماليات للشكل داخل النص.القصيدة (صورة)مدهشة تمتاز بومضة وجرس للحظة ما..وهنا المتلقي يبقى حائراًفي بنية المتن متسائلا ومتفحصا سريتها ليرى انشغالاتها في التركيب الجملي المثير ..الدخول في مخيلة متقابلة للشاعرة بهذه العملية الصعبة تعني الكثير (فالإحاطة) هي أستحواذ كامل لقدراتهاو(الإطار)تكبيل عابث في شخصيتها وعندما تعلق إسترجاعاتها تتأمله بعشق خفي يجتاحه ربما لأنها رضيت أن تكون أسيرة هذا العاشق المتربص /القادم خيانة والماضي عشق/وبرغم هذا الوجع الذي أرهقها في التعبير أرادت في آنية اللحظة أن تتنفس من خلال(ثقب في الرأس)إنها مولهة ومسكونة بشيطان الفكرة لذا كانت الصورة الشعرية سامية في تصوير هذا القلق الشفاف بمعناه الرشيق(أحاطني بأطار وعلقني في الذاكرة..لكنه نسي أن يثقب رأسي لأتنفس)وتستمر في مطاردة الزمن بعيونها التي أتعبها التطلع في التقاويم إنها الوحيدة التي حاولت الخلاص من قيد التقاليد ولكن بأنضباط وذلك حباً بالحياة لاعبثاً بها فكان الدعاء الروحي في اشارة قصيدة(دعاء )لترفع به برقع الخوف مما جعلها تهب كل ماكتبته من أشعار وأدوار حبيسة في الحياء ..تقف وكلها ثقة أمام وجهتها الروحية لتنشد (إمنحني رشاقة البندول..لأطارد المواعيد في الحدائق العامة)فكتابتها المتحررة تتميز بتغييب الوزن الشعري وعدم التقيد بشروط تعجزها لذا لزم عليها حبكة التعبير كي ترقى بخيال نسيجي تناغمي بين المخيلة واللغة ..إن لهيب المشاعر في قصائدها الطوال تلسعها المرامي التي تختارها في جمل تراتها هي السر المنقذ لهذا النص أو ذاك ولكن حالت دون ذلك بسبب عدم التوافق بين المضامين وجمل الإختيار إلا ماندر منها قصيدة(الأستاذ مثلاً ونصف آخر وحتى توأم القمر)كتلة من المشاعر والإنفعالات إلا إن الإحباطات كثيرة مما جعلها تستسلم في(خيبة أخرى للموت)حيث تقول مخاطبة والدها (لن تترك لي خياراً غير إدمان الكتابة)مستطردة(كلٌّ يريد أن يسكن منعطفاً فيَّ)هذه الهائمة والناسكة تروي فضائح الحالات الجامعة لذا تستحق التصفيق على هذه الصراحة الندية السابحة بأروقة الجمال