السكنات الهادئة
كرم الاعرجي
الطرح كسباق عام اجترار معياري مرتب تنسجه احداث الحياة.. بما فيها من تقليعات فكرية.. وموضوعات مصالحة، وجراة، وهكذا تتأنق بالنقل الصوري لما يناسب فعل الفورة الجمالية في المغزى، ان التلاقح عبر سنين المجيلة في المرحل التي يخوضها الوعي عن طريق المحسوسات، لا تحتمل تأجيل الكتابة لانها تخضع لعوامل لها مجازاتها في السرد الحكائي، للمألوف او دونه.. الخلق الابداعي على مستوى القصة هو ابحار بزوارق قد تكون قوية باشرعتها فتتناحر مع التيارات او سرعان ماتتهالك لشق امواج الحياة المتلاطمة، او تراوح بسكنات المعرفة من اجل الكشف لما سيحل من كوارث قادمة فتبحر بحذر الولج المصيري بلا قلق على مستقبل الصدارة الانسانية.. وهذا الانقاذ تخييلي مقرون بالاستحالة، لان الانسان زائل والوجود يتلاشى..
الذي قد ننفته من مديات مفتوحة عوالم القاص.. ليست (الجحيم) التي تأثر فيها صاحب (طقوس في، الظلام) بأتتمائه او عدمه.. وليست (المسخ) التي تأثر في قلب موضوعاتها الوعي السياسي في (شرق المتوسط) ولم يكت (للثلاثية) حصة يستند عليها هذا القاص، ولا انسانية السرد في روايات الاسلوب التقليدي القديم، والى آخره، مروراً بجمال الكتابة في جراحات (محمد خضير) انه كف مضيئة تخرج من ظل لتنير مسالك الجسد، والحياة المدهلزه منذ نشأة حضوره بين كتاب القصة العراقية الحديثة.. ما اروع ان نستعرض سنوات ابداعه وارثه الذي امتاز بحيوية المثابر في اغناء المكتبة، العربية الانيقة بمبدعيها..
نعم.. انه ليس كالعابد الزاهد الذي يرى ويسمع ماوراء الجدار، لان الطنين في اذنيه يؤرق بصيرته ويتعب بصر.. انه العنيد والمغلوب في العشق يرتمي بسرعة بأحضان الالم، متخصص بالمعاناة يحاول دائماً امساك المعالجة فتفرُّ من بين اصابعه في كل حين، مجروح بالاماني الخاسره ومتفائل بمهمته للكشف عما فات (ابن خلدون) من ذاكرة قادمة في علم الاجتماع، منقب في احشاء المنطق كي لايسقط بهفوات اللغة، حريص يبالغ بسكون نظرته العميقة للحياة.. الثري والمعدوم، المحرض والمستقيم كما في (الاخوة كرومازوف)
حتى الصداقة له فيها رموز يتعمدها في العلاقة لتبرير حاجاته الانسانية للاواصر، فينتابه الحرج في فضح المواقف، لذا كان النهر صديق حميم للذاكرة التي يوثق من خلالها اهم احداثها،فاعتبرها قانونا سرياً (لايستطيع الخزن سردها في الاكتشاف) إلا لما يطرأ عليها من خاطر ظاهري، ولانه ضد من يقول بأن الذاكرة مامورة بالنسيان وبتعليل الواثق، لايمكن للذاكرة ان تفتقد غلا اذا كان شطبها من العقل البشري سماوياً.. انه القاص [ انور عبدالعزيز] الذي ابتدأ خطواته الواثقة بالمساهمة في المجاميع القصصية المشتركة منذ عام 1969م وحتى العام الجاري، اصدر مجموعته القصصية الاولى والموسومة بـ(الوجه الضائع) عام 1976م الموصل ثم الحقها بـ(طائر الجنون) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1993م و(النهر والذاكرة) عن دار الشؤون الثقافية ببغداد عام 1997م اعقبها بـ(فرس النبي)عن دار التوحيدي بحمص وكذلك (الغرباء) عن دار الحوار في اللاذقية ومجموعته القصصية (طائر الماء) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية ببغداد كل هذا الحضور الساخن المضطرب المتفاءل الجاد يجعلنا ان نحتفي به كمبدع سلق حياته على نار هادئة، فكان البطل الاجتماعي والحكائي المؤرخ، والعاشق الخاسر، الزاهد الضائع بين حدين، المكشوف بأضمامة المختبيء، الآسر والأسير، المحروم والمترف بالخيال، انه سعة قادرة على التلاحم مع كل المسميات بما فيها العقوبات على اوكلها لذاته كأبرز (خميرة) لخلطة عجين او ابرز حسرة لغلطة زمن..
فالدخول الى عالم (انور) يضيق علينا الخناق في الاختيار.. على هو وشم جميل في القصة العراقيةام..؟؟ وهذه مقاصد انطباعية يرسمها الانعكاس. بمافيه من متناقضات وآفاق غير محسومة في ذاته التي مازالت تسترها سكينة القطط في آخر دقائق القيلولة من القيظ.
[ بدون ان يلفت انتباه احد، او يشعر بوجوده احد، كان يجئ سني العمر الموجع، وملامح كئيبه لوجه جزين، كان هادئاً ساكناً، انيساً، ياتي بخطوته العاجزة المرهقة ليستقر في زاوية...، لساعات]
ينظر ويتأمل يحزن ويضحك سهواً ومن ثم يأمره الملل بالرحيل.. الى اين يدري ولا يدري، نظام ثابت لصورة يومية يعمق ملامحها القلق.. انه يحاول في قصصه الواقعية اسطرة ماهو حاصل زمني، مكاني، يومي، بيئي، وما هو موصول بتاريخ ارثي دامغ، وهذه سهرته في الاستمرار مع ظلام الحياة القاسية. انه ينير بشمعة ذاكرته فضاء سهرته المظلمة.. لذا كان المعيار ثابت في المغايرة المعرفية، والمتحول تدوير الوعي في الزمكانية كدلالة لحالات التجربة في بناء ترتيبي لهيكلية الطرح بسكناته الهادئة المراد تحويلها الى عمل فني يزين عالمه القصصي، فالتطابق مفتوح ومستمر في نصوصه، باستمرار حياته التي ترفض ان تكون رهينة المحبسين