مَررتُ بشارع
فأشارت لي عجوزٌ
ذهبتُ لها
قد تعددت بوجهها
خطوطُ العمرِ
ابيَضَ سوادُ عينيها
خَلَت الألوانُ منها
مَحت الدنيا كُلُ لونٍ كان بها
قالت: هات كَفُك أقرأها
سألتُها: أهل أنتِ عرافة ؟
قالت: عرافةٌ أنا .. و ما في ذلك
هه .. ضَحِكتُ وقُلتُ بشرطٍ
أني لا أشتري بمالي الحُزنُ والهَم
قالت لَكَ ذلك
أمسَكت يدي بيدها المُجَعدة
بَدَت تَنظُرُ رسمَ خُطوطُ يدي
وتُشيرُ بإصبعها عليها
وتَنظُرُ للسماءِ
تُغمِضُ عينيها
وتَبدأُ الحِكاية
قالت: إن الحياة
قد فرضت عليكَ أشياءً
جعلتكَ قادراً
على أكل الحُزن
وشُربِ الهَم
قالت : يالكَ من مسكين
وأنتَ في عقرِ دارك
تُعاملُ كما الغريب
وقالت : إنكَ ممن تُحبُ بَعيد
والشوقُ يُدمرُكَ من جَديد
فَقد عِشتَ من نعومةِ أظافرك
على أوتارٍ غليظة
تُحَتِمُ عَليَكَ
أن تمشي وأرضُك
فوقَ رأسِك
وقد قالت لي
أن لكَ هدفاً تسعى وراءه
قد دُفِنَ بين ثنايا الجِبال
جاوبتها
نَعم إن لدي طُموح
ولكن لا تُوجَدُ جِبالٌ في بلدي
أني أتشرَفُ بأن أكون
حفيدٌ من أحفاد
جَعفرُ ابنَ مُحمَد .. جابرُ ابنَ حَيان
الخوارزمي .. وغَيرُهم
قالت
إن أحفادهم
قد وضَعوا نُقطَةً على العَين
من عَربٍ إلى غَربٍ
فقد هاجروا إلى الغَرب
وواصلوا التَقدُم
قُلتُ وأنا
أهل أترُكُ وطني وألحَقُ بهم؟
وأمي وأبي و إخوتي، أترُكهُم؟
فأني خَرجتُ مِن رَحمِ امرأةٌ عَربية!
صَمتت بُرهة
وقَلبت يدي
ووضعت يدُها تَحتَ يدي
وقالت
إن هُناكَ ألوانٌ جميلة
فَتتغيرُ الألوانُ الرمادية
والسوداءُ من عينك
وسَترى ألوانٌ زاهيةٌ بعينك
سَترى الحقيقةُ بألوانها
زادَ ضياعي بعدَ ضياعي
زادَ غرقي بعدَ غرقي
وقُلت
أسألكِ باللهِ يا عَجوز
أهل كُلُ من يأتيكِ
تقولي لهُ مثلما سَمِعتُ؟
قالت
للأسف .. ليسَ الكُل
بل هناكَ من يريدُ العيش
ويعانِقُ نهدٍِِ عربي
فيلحقُ بالرعيةِ العَرَب
والبَعضُ ممن مثلك
بَعضُهُم هَجروا العَرَب
ووصلوا للغَربِ
فبَعضُهُم من نَسى رَحمه
والآخرُ يَرجِعُ لأهله
قُلتُ
يااه .. جَعلتِني أعيشُ الأوهام
ضاقَت نفسي مِن هذا الكَلام
أشكُركِ يا هذه
نادتني
وقالت: أينَ أتعابي ؟
قلت
هه .. يا عَجوز ألم تَسمَعِ شرطي ؟
أني لا أشتري بمالي الحُزن
فَلمَ قبلتِ شرطي ؟
ذهبتُ إلى منزلنا
وقلت لأمي ما جرى
قالت أمي
لا يكذِبُ عليك هؤلاء
فالكلُ تهمهُ مصلحته
فالبعضُ يكذِب
والآخرُ يسرِق
وعلى سريري
وفي وقتٍ متأخرٍ
لم أستطع النوم
انقضَت علي الأفكار
من كُلِ جانِب
وكأني أنا الفَريسة
أتقلبُ على فِراشي
يمينا وشمالا
وكلُ هذا ولا يجدي نفعاً
وجاءَ الفَجرُ
وأنا على حالتي
ترَجلتُ من على سريري
ولبستُ ملابسي
خرجتُ للسوق
وإذا بالعجوزِ أمامي
ذهبتُ لها
وسألتها ؟
أهل ما قلتيه صَحيح ؟
فأني فهمتُ ما معنى
أن يكون المرءُ عربي
أن يكونَ صامتاً
ولا يتكلم إلا بما يريدُ الراعي
فقد حوصرَ الكلام عند العَرَبِ
بين صاحبُ ثوبٍ وبشتٍ
ويوضع على رأسه
شماغٌ وعقالٌ أو طربوشٍ
والكُلُ مُختَلِف
ويكونُ الخَطأ
الذي يعترضُ طريقهُم
وأكبرُ خطأٍ لديهُم
أن يكونَ الإنسانَ إنساناً
ضَحِكَت .. وقالت
يالكُم من عَرَبٍ
الحلمُ لكُم شَهوة
تقضونها على السريرِ
أو فوقَ الطاولة
والأمنيةُ لديكُم
تملكُ أي شيء
أُعجِبتُم بهِ ظاهراً
فهذهِ نهايةُ الكفُ العربي