تمويه سردي في قصة گليزار أنور
حيدر عبد الرضا
تثير لعبة الاختفاء خلف متاريس (التمويه السردي) جملة فيوضات من دلالات نقل تراتيب القيم الكتابية التي تهدف اليها صور الكتابة نفسها ضمن انعدامات المسافة بين (الواقع / المتخيل) او بعبارة ادق هو السعي نحو تمثيل النص الي تجربة التتابع للوصول الي منطقة (الحلم الاصيل) أي تجربة الانتماء في امكانية التجاوز ، بحيث يسقط كل الوجود الحتمي ، مما يولد احساسا حقيقيا بالا جدوي ، لهذا ينتقل الكاتب ومعه النص نحو نقطة الزمن والمكان والرؤيا المفقودة ضمن حيزامتلاك الذات الساردة رغبة السعي نحو استخدام لازمات عدمية من ( الكتابة العشوائية).
لعل هذه المقدمة ضرورية لولوج تجربة قصة ( حلم شرقي) المنشورة من علي صفحات ( الف ياء) الغراء/ صحيفة الزمان / العدد ( 2491) / السبت (8) شعبان / 2006/ للقاصة كليزار انور ، وهذه التجربة القصصية لربما يمكن اعتبارها تجسد حدا ما من طموح القاصة الي تحطيم المعايير القصصية المتداولة ، فهي من جانب هام تحاول تجسيد تجربة ( المتخيل الواقعي) ومن جانب اخر تحاول ان تنهل من اتجاه كتابي ما يقترب في شكله التقديري من ادب ( الفنتازيا) وساعترف من جهتنا بصدد قصة القاصة كليزار ، باننا متعاطفين الي اقصي حد في كل قراءة لنا قصة من قصص هذه القاصة ، غير اننا في الوقت نفسه ، لم نستطع من ان نمنع انفسنا من استخلاص واحاطة عوالم هذه القاصة - لاسيما- وعلي وجه التحديد ونحن نطالع قصة ( حلم شرقي) وقد يبدو تسليط بعض الاضواء حولها لزمن فهمها في سياق من المعاينة المعيارية يبدو امرآ في غاية الاهمية ، خاصة ، وان هذا التعاطف الذي طالما نشعر به لم يمنعنا ايضا من ادراج هذه المحاولة القصصية ضمن مستويات ( المحاكاة / التفاعل/ الاستلهام...) وبالتالي محاولة الاجابة عن مدي اسهامها في تحديد بنية القصة القصيرة العراقية - وبداية لابد من الاعتراف - بصعوبة نقد أي نص بشكل مستقل بذاته ، لأن هذا الانفراد من شانه تشويش واعاقة مفاهيمية مساحة تجربة القاص ، بيد اننا نتوخي الدقة والحذر دائما من انماط هكذا معاينات اجرائية ، لاسيما ، واننا ازاء شكل يحاول ان يشذ ويتمرد علي ماهو سائد وراسخ من تجارب قصصية . وعلي كل حال ، فان عملية شواذ الكتابة التي تواجهنا في قصة ( حلم شرقي ) لربما لا تعد بحد ذاتها قيمة اساسية من القيم التي نسعي الي ادراجها لصالح النص ، ولا شك ان هذا التمرد الذي قد تعنيه او لا تعنيه القاصة في نسيج متصورها المتخيل يعكس قيمة وموقفا من تجسيد تقنيات وادوات الكتابة- أي - توظيفها بدرجة غير معلومة من الاتقان اللاقصدي ، وفي المقابل من هذا فاننا لابد من القول بان تجربة قصة ( حلم شرقي) تذكرنا علي نحو من الانحاء بمصطلح ( اشكالية السارد) وبالفعل من هذا فان قصة كليزار انور تتحرك ضمن منطقة ( التماهي/ المتخيل/ الواقع) وتوظف في بعض فقراتها المشهدية :- ( تصورت وانا أتهيأ للقاء الرجل باني سأجده في خلوة متصوف / وقفت السيارة اسفل السفح / ابلغني رئيس القسم باني ساجري لقاء مع شخصية غريبة / كان لابد لي من زيارة قصيرة قبل التصوير / كل هذا الوقت وانا مازلت في انتظار ذاك الرجل الذي سأهيئ اللقاء معه / وهل كنت تتصورين بانك ستقابلين شيخآ ...)
بعد قراءتنا لهذه اللقطات نلاحظ ثمة غموضآ ما تنطوي بموجبه احداث النص ، لاسيما ، وان هناك يكمن معني ما اكثر عمقآ واختزالا يهدف الي احداث صدمة ، وهذا الشيء لربما هو ما قد يتوقعه القارئ من لدن قصة ( حلم شرقي) :- (( في نهاية لقائي ادركت بان هذا التخفي أشبه بتخفي امراة ذات حسن اخاذ .. اخفي خمارها سحر جمال انوثتها / وبان مارايته لم يكن نزوة لثري بل تجسيد واضح لروح حلم شرقي ..)) في ختامية مقاطع القصة لم تشعرنا القاصة كليزار بأهمية سرانية وغموض مستهل أحداث النص، كما ولم تشير بأدني اشارة لسبب كل تلك المقدمة الكابوسية من زمن صراع قصتها مع ذاتها ومع تتابعية القارئ لاحداثها وحبكتها .. وهكذا انتهت قصة ( حلم شرقي) دون أي قدوم برهاني واضح او دون حتي أي مسوغ دلالالي يتطابق وثريا قصدية العنوان لربما ارادت القاصة بهذا التسلية او المتعة التي تقدمت الينا دون أي طائل في تقديم موضوعة قصصية غير محسومة فنيا .. وفي الاخير تبقي قصة ( حلم شرقي) مجرد تأثيث خارجي ونسيجا من الاوصاف المثيرة للرثاء والتعاطف القرائي ، ولعلنا بهذا نقول للقاصة (كليزار انور) أن الطريقة التي قد استخدمتها في معالجة هذا النص فرضتها طبييعة مخيلتك في النظر الي علاقة الاشياء الغير مدروسة والغير متقنة ، فمثلآ ، كونك قد حاولتي جعل احداث قصة (حلم شرقي) تتصف بطابع من التجريد الاستهلالي كما وانك قد حاولت ايضا - دون قصد منك- الي جعل وظيفة الحبكة تتسم بمنهجية مخطط التشويق ، بحيث انك لم تلاحظي جيدا ما قد الت أليه عملية ( مراوغة الحدث) واحسب ان طبيعة موضوعة قصتك ، لربما قد لاتتطلب باكثر من التمهيد الدقيق والحنكة في استخدام طاقات المخيلة بشكل تكنيكي بارع وحاذق ، زيادة علي هذا فان طبيعة العنوان تبدو غير دقيقة - لاسيما- واننا لم نعثر في سياق القصة علي ما يثبت هوية ودلالة العنوان المركزي ، وضمن هذه المستويات فالشكل القصصي لديك ، يفتقد الترابط الفني والتقني ، فالحياة السردية الوصفية والاخبارية تبدو في قصتك( ياسيدتي !) بلا قوانين او أي روابط كما الحال ينطبق علي مثال صورة ( عروس بلا رتوش) ولعل الانصاف يقتضي منا القول(( اذا كان القاص يهدف من وراء كتابة نصه ثم نشره في احدي الصحف غاية نجومية او نرجسية او مادية فمن الاولي به البحث عن مهنة اخري غير الكتابة القصصية )) وعلي أي حال فان قصة ( حلم شرقي ) تجسد لون من الكتابة الانطباعية المستقات من موضوعة غير محددة اساسا ، بيد انها في الوقت نفسه لا تحمل أي نزوعا نحو الاقتراب من الواقع ولا تحمل ايضا أي علامة مضيئة في مسار الكتابة القصصية الابداعية كما وبالتالي لا نأمل بدورنا سوي تقديم المزيد من الأمتنان والاحترام للقاصة كليزار انور دون أن ننسي قول :- ان تجسيد رؤيا الكاتب الخاصة قد تكتب بطريقة ما وبواسطة أدوات ما قد تبدو أكثر دقة وموضوعية من اشكالية طرح أسئلتنا الشخصية المجردة . ولا شك اخيرا سيجد القارئ لقصة ( حلم شرقي ) التي قد اتخذت لها مسارا صياغيا يعني اكثر مما يعني بخطواته الفنية والسردية بــ ( صياغة العشوائية في ثنايا الكتابة اللاعضوية).
Azzaman International Newspaper - Issue 3172 - Date 18/12/2008
جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3172 - التاريخ 18/12/2008