دراسة جمال نوري عن مجموعة بئر البنفسج

بئر البنفسج.. خطوة واثقة
جمال نوري
في خطوتها الواثقة الأولى، تدعونا القاصّة كُليزار أنور إلى (بئر البنفسج) وتمنحنا الفرصة لإبداء إعجابنا بلغتها الجميلة ومواضيعها المتنوعة، وأن نستقري قصصها واحدة بعد الأخرى من دون أن يمنعنا الصدق من أن نشير إلى بعض مواطن الضعف والإخفاق التي لا تخلو منها أية تجربة واعدة مكتنزة بصدقها وإبداعها واستمرارها بعد المرانة والتدريب والثقافة المتواصلة.
الفراشة
مزاوجة رائعة بين الحلم والواقع، افتتحت القاصّة النص بحلم تمثل باقتراب فراشة وديعة من أناملها فتبادر إلى الإمساك بها لكنها تخلع جناحيها من دون قصد وكان ذلك من الممكن أن يكون دلالة أكيدة على انتفاء الحلم على مساحة الواقع إلاّ إننا نجد (صبي الفراشة) يختفي من المشهد من دون مسوغ ليظهر بعد ذلك داعياً (البطلة/ الراوية) إلى الخروج تحت وابل المطر حتى يتحول جبل الجليد الجاثم فوق صدرها إلى مياه متدفقة تشدو بالسعادة والفرح الحقيقي..قصة غنية بلغتها الشعرية، استطاعت القاصة أن تربط بين الحلم والحقيقة في ابتكار واقعة أسهمت لغة الراوي المتكلم في إقناع المتلقي بأجوائها.
في آخر يوم
السارد في هذه القصة هو ضمير المتكلم –المذكر- يتجول في إحدى المكتبات ويعثر على كتاب لاسم امرأة مألوف لديه، يبقى أسير الإنفعال تلجمه الدهشة إلى أن يتأكد إنها هي بالفعل، تلك التي أحبها في يوم ما وامتنع عن التصريح بحبه لخشيته من ارتباطها بشخص آخر ومع أن هذا الحب ليس هنالك ما يسوغه لأنه من طرف واحد ولكن يبدو بعد اللقاء الذي حصل قبل سفر البطل إلى أوربا، أن الكاتبة (رانيا عزيز) تحمل المشاعر المتبادلة ذاتها التي فشل الرجل في الإفصاح عنها ويدل على ذلك روايتها التي لم تختم بنهاية حاسمة.. حضر الرجل أخيراً ليحسم الأمر وليضع نهاية حقيقية لعمل أدبي فني وهو انعكاس لعلاقة إنسانية غير متكافئة كان للخجل والخوف دور في فشلها وقمعها.. ورغم هذا وذاك فإن الرجل يكرر حماقته حين يترك المرأة من أجل أحلامه في السفر الذي يبدو لمعظم أبطال قصص كليزار قريناً للغنى والشهرة والمجد الذي يبدو في النهاية مجرد أوهام واهية.
الوجه الآخر للقمر
تتعرض هذه القصة بلغة الأنثى المثابرة المدافعة عن أنوثتها وشخصيتها وصيرورتها إزاء إشكالية غاية في التعقيد تشغل الرجل الشرقي في هيمنته وسيطرته وبتعبير أدق رفضه الكلي لفكرة تساوي المرأة معه في حيثياته واهتماماته.. استطاعت القاصة كليزار أنور أن تعبر ببساطة وعذوبة وإقناع عن موقف بطلتها في اتخاذ القرار الأخير الذي خذل الرجل وهزمه في النهاية.. وفي خضم معاناة المرأة التي عبرت عنها بمونولوج حب مثمرة "واجهتني لوحاتي على جدرانها.. والتي يريد خطيبي العزيز أن يلغيها.. يلغي حياتي.. حلمي.. مستقبلي.. بسيف أنانيته".
الشاهد الوحيد
يُلاحظ في معظم قصص كليزار أنها معنية بشكل أو آخر بالفن التشكيلي حتى يخيل لي أنها فنانة تشكيلية، تؤكد على تفاصيل دقيقة هي من شأن الفنانين فحسب، وفي الشاهد الأخير نجد الجمال المتمثل بلوحة الموناليزا مهيمنة دالة وداحضة لكل الخراب الذي اجترحه الأعداء في مدينة حدودية آمنة ويصبح الجمال عنصراً مهيمناً ومسيطراً ودالاً على تواصل الحياة بنقائها وجمالها وبساطتها ضد كل أشكال العدوان والاستلاب والخراب الذي يفعله الأعداء من دون إنسانية.
ويبقى الوفاء
علاقة حب أخرى محبطة بفعل الاختلاف الديني، إلاّ أن الوفاء لا يمنع المحبين من إلصاق لأسمائهم على أبنائهما تعبيراً عن صدق حبهم.. لا تستطيع كليزار في هذه القصة التخلص من ضمير المتكلم واستخدمت –بنظري- الأسلوب التقليدي في الكتابة.
شمس تشرق في الليل
في هذه القصة تنجح علاقة الحب بين فنانة وموسيقي يتبادلان مشاعر المحبة والإعجاب بالفن والجمال الذي يشكل القاسم المشترك بينهما..تتأزم العلاقة أيضاً بسفر الرجل إلى رحلة مجده الأثيرة إلى إحدى الدول الأجنبية ولكنه لن يخذلها بالسفر فسرعان ما يعود لتنتهي العلاقة نهاية سعيدة ولتشرق الشمس في الليل.
المفكرة
مما يسيء إلى قصة (المفكرة) هي تلك المقدمة المباشرة التي تدخلت القاصة في شرح مضمون الاعترافات والذكريات الجميلة التي ترويها امرأة بكل صدق وعفوية متحدثة عن بداية علاقة جميلة برجل.. ومع أن هذه التقنية ليست جديدة في فن القصة القصيرة والرواية، إلاّ أن كليزار شدتنا بصدق الاعترافات وعذوبتها وشفافيتها.. ثم تتدخل كليزار مرة أخرى لتخبرنا أن القصة لم تختم مع أن المذكرات تشير بذلك من دون تدخل القاص في ذلك.
أجراس العودة و لقاء على جناح الموت
قصتان قصيرتان بطلاهما فنان حالم يعتقد أن الشهرة والمجد لا يمكن الحصول عليهما إلاّ في الخارج ولكنه يخفق في ذلك لأنه لا يرسم غير وجه حبيبته التي تنتمي إلى تراب وطنه.. وطبيبة تُفاجأ بوجود رجل مصاب في قسم الطوارئ اثر حادث اصطدام، فتتداعى ذكرياتها وتعود عبر (الفلاش باك) إلى مواقف جميلة جمعتهما.. ولا تنسى كليزار أبداً وكدأبها أن تذكرنا بهدايا متبادلة بين المحبين هي دليل تواصل حبهم وعلاقتهم الإنسانية الرائعة.. وتنتهي هذه القصة أيضاً بنهاية سعيدة.

*"بئر البنفسج" مجموعة قصصية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد/ 1999.
*نُشرت الدراسة في جريدة (العراق) العدد (7101) الصادر في 19/ 7/ 2000.

View gulizaranwar's Full Portfolio