القاص أنور عبد العزيز
أبوة أدبية
كُليزار أنور
نسجتُ من خيالي قصص حبٍ جميلة وعلقتها على شرفات الزمن لتجف مع الأيام، وكانت قصصي جواز سفري إلى الناس.. لم تكن مجرد حكايات، بل بصمات تركتها على الورق.
من أول لقاءٍ شعرتهُ فَرِحاً بولادةِ قاصةٍ جديدة تمضي بخطاها على دربٍ سبقني بالمرور عليه. قدمَ لي نسخة من جريدة "بابل" التي تغفو على صفحاتها أول قصة كتبتها ونشرتها في نيسان/ 1995. وسبب بحثه عني ولقاءه بي، تصور مَن حوله بأني ابنته لتشابه الأسماء.. وبأن فرخ البط عوام.
بعدها لم ننكر هذه الأبوة والبنوة حينما نُسأل عنها. منذ صغري وأنا أُحاول أن أخلق حياتي مثلما أرغب بدلاً من الرضوخ لأحكام الظروف الصعبة التي تحيط بنا رغماً عنا.. أُحاول أن أتعلم أكثر.. لأُوظف ثقافتي الى دورٍ فاعل.
وتوالت القصص وتوالت اللقاءات وكانت طبيعية، فكلانا يعمل في مؤسسة حكومية واحدة، هو مديراً (للاعداد والتدريب)أحد أقسام مديرية تربية نينوى، وأنا كمحاسبة في قسم الحسابات. نلتقي كلما راجع المديرية لتمشية أمور قسمه، ولم يراجعني مرة إلاّ وفي حقيبته كتاباً مهماً أو مجلة أدبية مرموقة يحثني على قراءتها. وأقولها بملء فمي: كان للقاص أنور عبد العزيز دوراً جميلاً وضرورياُ في تشكيلي الثقافي حينها. وجدني بذرة واعدة بالعطاء القصصي، فلم يبخل عليها بالسقي.. زودني بأمهات الكتب، بل استعار لي كتباً كي أقرأها -في كثير من الأحيان_ مُدركاً بأنها ستقويني أدبياً ليجعل بنيان القصة يعلو بالمتانة. راهن على نجاحي.. وربما كسب الرهان، فكتبَ عني أول دراسة نقدية مشيداً بخطواتي الجادة في عالم القصة الرائع. وانطباعه الثمين جعلني أزهو بالثقة، وحملني مسؤولية أن أنتبه وأحرص على كل كلمة سأكتبها فيما بعد، وما عاد ما بدأته لعباً كما كنتُ أتصور.
والقصص تحولت الى مجاميع قصصية وكتب أفخر –اليوم- بأن اسمي يوسم أغلفتها. قرار أتخذته مع نفسي منذ زمن.. أن أكتب عن أنور عبد العزيز الإنسان وليس القاص، وقد كتبت عن قصصه وكتبَ غيري من النقاد الكثير عن أدبه. وأجد أن الكتابة عن نص لكاتب معين أمر في غاية البساطة بينما الكتابة عن الشخصية أمر بعكسه تماماً. الشخصية تحتاج إلى حب وتواصل لنكتب عنها.. وحب من نوعٍ خاص، وتواصل يُبنى على أساسٍ متين، بريء، صادق النوايا.
ويوماً بعد آخر بدأت الأبوة الأدبية تأخذ مساراتها نحو مدارج الأبوة الفعلية، حرصاً منه عليّ. دخل بيتنا وتعرف على أهلي وأخوتي وتعرفت على أولاده وبناته وزوجته الكريمة (أم فارس) وكنت أشعر فعلاً باني واحدة منهم.
وحياتي أخذت تخط مساراتها الأدبية كما أردتها وحلمتُ بها. ودارت عجلة الزمان بسرعة.. تلُ الأيام كبر وأصبح جبلاً تسحبه السنون. تزوجت وسافرت الى مدينة بعقوبة لأعيش فيها مع زوجي القاص (محمد الأحمد) والى الآن لا يمر شهر دون أن نجد في صندوق بريدنا رسالتان أو ثلاث تحمل في داخلها أخباراً طيبة وقصاصات جرائد لِما منشور لنا من نصوص أو لغيرنا يقترح علينا قراءتها. تصرفه النبيل يجعلنا ننحني امتناناً له.
ماذا أكتب بعد عن هذا الإنسان الفاضل، الوفي، الكريم، الراقي بكل معنى الرقي الإنساني الصافي، فبكل ما يحمله الاحترام من معانٍ سامية أضع يدي على صدري وأقول له:
شكراً يا أبي الطيب.
28/ 5/ 2009
* نُشرت هذه الشهادة في جريدة (الزمان) العدد (3324) الصادر 18/ 6/ 2009.