شفافية الإداء السردي في قصص (بئر البنفسج) للقاصة كُليزار أنور
علي حسين عبيد
في متابعة للقصص النسوي تحديدا سنصل الى الفوارق التي تتشكل منها البنى السردية وغالبا ما تكون هذه الفوارق والتباعدات متشابكة وغير حادة في آن، بمعنى أن التشاكل الذاتي في التركيب اللغوي يبدو جليا وهذا الجانب سيطمس حسنة من حسنات القصص النسوي على الرغم من انه لا يلغي فيه خصوصية التجربة لهذه الكاتبة او تلك. وما يؤخذ على القصص النسوي، (وهنا احصر كلامي بالتجارب الشابة وهذا ما أشارت اليه دراسات وبحوث نقدية بأقلام نسوية) إنسياقه السريع والمباشر وراء هموم موسومة بطابع ذاتي بحت يرسم في الغالب الأعم إطارا وجوهرا متوقعا لبنية السرد (لا سيما هيمنة المجتمع الذكوري) في ما يتعلق بالمضمون، ولن تنأى قصص (بئر البنفسج/ المجموعة الأولى للكاتبة كليزار أنور) عن هذا التأشير باستثناء الاداء السردي الذي يتميز بشفافية عالية في قصصها هذه، واذا اتفقنا على ان الجوهر القصصي يكاد يشكل صبغة متقاربة للقصص فإننا سنكتشف جانب التميز في لغة قص (طفولية) بريئة وطيعة، متدفقة وأحيانا مباشرة.
واذا أجرينا مسحا موضوعيا لقصص هذه المجموعة التسع فسوف نكتشف من دون عناء تسيّد المنحى الذاتي في تشكيل البنية السردية ومن ثم تقييد الجوهر ضمن اطار الادب النسوي بتوصيفه المذكور سابقا، ومع ان القاصة كليزار انور لجأت الى الراوي المذكر في صياغة النسيج السردي لعدد من قصصها مثل (أجراس العودة / وفي يوم آخر .... وغيرهما) إلاّ أن انتماءها لعناصر القص النسوي هي الأكثر سطوة وسطوعا..
واذا قلنا ان قصص (بئر البنفسج) تمثل خطوة الاستهلال للكاتبة في عالم السرد الشائك، وقد أثبتت قصصها التي نشرت لاحقا: (عنقود الكهرمان /في الموقف الثقافي، وقصة جيش الفراشات /الموقف الثقافي ايضا، وقصة رياض النور في مجلة الاقلام) تطورا ملحوظا في التنفيذ القصصي، فإننا يمكن أن نؤشر ميزة اضافية تنطوي عليها عناصر القص، تتمثل بشفافية الاداء السردي وصياغة الجملة وتشذيبها الى أقصى حد ممكن بحيث لا تفقد عمقها اللغوي في ظل قصدية مسبقة تنحصر بلجوء القاصة الى المفردة المباشرة او الأكثر دلالة ووضوحا والتي ستقوم بدورها حال ادخالها في التركيب اللغوي للجملة على اضفاء العمق الملائم الذي يفوق معناها القاموسي كمفردة خارج سياق النسيج السردي، ولهذا السبب غالبا ما يأتي الاستهلال القصصي سهلا .. او مباشرا في الظاهر .. لكن ما أن نستمر في التفاعل والتلقي حتى تتشكل بنية السرد بصورتها الموحية ويتجسد العمق الإيحائي ليس لجملة الاستهلال بل للنسيج السردي بأكمله، كما نلاحظ ذلك في قصة - شمس تشرق في الليل - (أضع الإسطوانة.. أحركها.. فتنساب موسيقى مفرطة الرقة والحساسية...ألخ) وكذلك في الاستهلال الذي يرد في قصة - لقاء على جناح الموت - (حادثة أخرى تدخل من باب الطوارئ .. يا ليل كم تحمل لنا على أكتافك من حوادث..) ولكن ما أن ندخل في حوارية الفهم والتواصل مع النسيج السردي حتى يتحول هذا - التبسيط المفرط - اذا صح القول الى قصدية فنية تدخل في اطار الاهداف الماوخاة من لدن الكاتبة، ولذلك غالبا ما تنطوي بنية السرد على شفافية مقنعة في الاداء القصصي خصوصا عندما يتم توظيف عناصر ومقومات (الخيال العلمي) في القصص اللاحقة وسيستمر لجوء القاصة الى المفردة الواضحة المباشرة والجملة القصصية المشذبة عملا بوصية وليم سارويان لأحد طلابه حين قال له: (إحذف كل كلمة زائدة وغبقِ على المفردة التي تقودك الى هدفك بوضوح).
وأخيرا .. أقول إن القاصة كليزار أنور جعلت عنوان مجموعتها (بئر البنفسج) نصا قائما بنفسه فضلا عن قصصها من خلال الطاقة الايحائية التي ينطوي عليها والتي ستقود بدورها الى عوالم رومانسية تآزرت مع الخط العام للبنى السردية لعموم القصص. وبهذا نصل الى قصص تأخذ من (البنفسج) قوة الايحاء التي تتواءم مع التركيب اللغوي القائم على ملفوظات مباشرة بمفردها عميقة وموحية في سياقها اللغوي العام وصولا الى شفافية سرد مقنعة.
* نُشرت هذه الدراسة في جريدة (الجمهورية) العدد (11021) الصادر 22/ 12/ 2002.