قداسة السرد / الأنثى/ الحياة
بقلم
علي حسين عبيد
ليس الكائن البشري كما تراه العين بل كما يراه القلب، هذا القول علق في حافظتي وأنا في العاشرة من عمري، وهو يعني كما فهمته في ذلك الحين من أبي، أن المخلوق ليس بشكله، فشكل الانسان قد لا يفضي الى غوامضه المستورة وقد لا يوحي بها مطلقا، بل السلوك هو المعيار الاول في كشف الخفايا، وليس السلوك العراقي الآن( وهذا تعميم قد أُلام عليه وربما يكون خاطئا ولكن اقوله من باب حرية التصريح) كما نفهمه او نلمسه ونتعامل معه سوى نزوة او رغبة قد تنط من بين ركام الضغوط الحياتية الهائلة لتفرض نفسها على هوية إنساننا، وربما ينطبق هذا الوصف على كثير من العراقيين الذين بطش بهم تأريخ حافل بالتهميش والإزدراء والتدنيس بشتى أنواعه، إلاّ مبدعة كريمة صادقة وغاية في عفة النفس والقلب معا وهي الكاتبة العراقية التي حملت إزميل السرد الهادئ الصادق الودود وشرعت منذ اعوام طويلة تضرب بتأن بديع وخطير فوق جدار القص لترسم لها اسما وصورة وقلما ونفسا سرديا متوهجا في سماء القصة العراقية، تلك هي (المقدسة) كليزار أنور، هذه الكائنة الإسطورية في ظروفنا الراهنة (وهذا ليس كثير بحقها) وهي التي قدَّست ذاتها أولا ونظرت الى الحياة بإحاطة واسعة ثم آمنت بها باعتبارها رحلة مقدسة، وصولا الى تقديسها للسرد لأنه وسيلتها بالحفاظ على قدسية الذات والحياة معا.
لم أرها إلاّ مرة واحدة سريعة بل خاطفة، كانت تتجول بهدوء برفقة أخيها محمد في ندوة أدبية سابقة وبدت للجميع تماما كنسمة صدق وبراءة ربانية لا مثيل لها، لكنني رأيتها بعد ذلك كثيرا في قصصها البديعة المتميزة التي تناثرت في المجلات والصحف الورقية والالكترونية كنجمات سردية متوهجة بشكلها وجوهرها لتنم عن روح بالغة الابداع والقداسة، وفي عجلة النار روايتها الأولى شاهد سردي مضاف الى قدسية هذه الكاتبة العراقية المبدعة حيث الحياة الروائية الحافلة بالصدق والجمال المكتمل في الأم الرؤوم والحبيبة الأصيلة والشهيد البارع في هدأته الأبدية.
ليس هذا الكلام إطراءً في فراغ او متأتٍ من فراغ محض، فأنتم ربما لا تعرفوها جيدا ولم تقرأوها بما يكفي، واذا تسنى لكم ذلك سوف تتفقون على انها تصاعدت وما زالت رويدا صوب ذروة التقديس الانساني الباهر من خلال مثابرة قل مثيلها ووجودها في التعامل مع السرد والأدب، بل في شتى ضروب الحياة والابداع.
لقد بدأت مبدعتنا مع بقصص بئر البنفسج قبل أكثر من عقد من الأعوام، تلك كانت خطوتها الأولى مع هذه المجموعة القصصية التي فاحت بعبق الحنان المتأتي من نسمات عراقية خالصة، لم أشم حنانا عراقيا من أية امرأة بالكون عراقي النكهة والهوية إلا في قصص هذه الكاتبة العراقية الإنسانية التي سوَّرت حياتها (قولا وفعلا وابداعا) بالورع والصدق والتسامح والبراءة والفضيلة والحق والخير والجمال والالتزام المذهل والمتعب في آن واحد بما يدعم مشروعها المتواصل لتقديس الأنثى والحياة عبر السرد وعبر السلوك الحياتي برمته.
وجاءت قصصها كمتوالية هندسية أديمها الابداع الخلاق ولحمتها وسداها الصدق والهم العراقي الإنساني المتوحد حد الالتحام الأبدي، حيث عنقود الكهرمان، هذه القصة البالغة الإدهاش والتي قال عنها احد ابرز النقاد العراقيين بأنها فتح في مجال السرد العراقي على المستويين الفني والفكري في آن، ثم توالت قصص التقديس الإنساني الخلاق بـ ( رياض النور، والبيت القديم، وجيش الفراشات، والمفتاح الذهبي، ونوافذ الذكرى، وهمس الحجر، ولحن العاصفة، ووووووووووو..).
والصندوق الأسود، روايتها الثانية التي لم تر النور بعد لكن نورها الانساني برق في عيني مبدعتها كليزار انور عندما تحدثت عنها في أحد اللقاءات حيث الحياة الانسانية الحافلة بآلام الانسان وافراحه واحزانه وهواجسه وشكوكه وايمانه وقلقه واشراقاته ويأسه في توليفه أقل ما يقال عنها إنها نُحِتتْ بإزميلٍ من ورع وخشوع وصدق إنساني مبدع قل نظيره في رسم حركة الإنسان اللحظوية والقدرية على حد سواء.
ولعليَّ الآن لا أضيف شيئا جديدا لهذة العراقية المبدعة في شهادتي هذه لكنني كنت محملا( بدَيْنْ ) الصدق الذي قلما ندفعه لمستحقيه نحن الكتاب الذين لا ننشغل إلا بأنفسنا تماما كمن لا يرى غير صورته في مرآة الابداع التي احتوت مساحتها البيضاء مئات الذوات المبدعة، لا سيما المرأة العراقية التي أبدعت الكثير الكثير ولم تحصل إلا على النزر القليل من حقها، سواء من النقد أو غيره من الحقوق، وبالتالي فشهادتي هذه تأتي أولا وقبل أي شيء كشهادة حق، وثانيا شهادة رد الجميل كما أسلفت لإمرأة قدمت لنا روحها الصادقة المتكاملة على طبق من سرد عراقي مدهش، ومن تقدم لي كلمة مبدعة صادقة لها دين بذمتي طالما بقيت على قيد الحياة، وثالثا ورابعا وخامسا وسادسا وسابعا والى ما ينتهي العد لأن هذه المبدعة العراقية الإنسانية ستبقى تحمل صفة التقديس في حياتها وسردها وذاتها والى الأبد.