إرحلي أهواك أكثر
أنور الخطيب___________________________________
وأنا أحب الله أيضا
وأخشع كلما تاهت دروبي من خطاي
وكلما استقبلت فجرا بعد ليل حنظل
متثاقل في حضن ناي
أو دق قلبي رف طير آخذ في البعد
أو لامست سنبلة
خضراء مثل ولادة الأنثى،
وأخشع كلما سافرت في عينيك
أو أعطيتني ماء التدفق للتوالد في لظاي
أخشع، كلما مرت جموع الراحلين
إلى الفضاء ما أحلى الرحيل
هو انفلات من سلاسل فكرتي
وقصيدتي وحبيبتي
إني أحبك كلما لوحت بالهجران أكثر
أو همست بوجه أحزاني
بأحرفك اليتيمة بالوصايا الألف
ترشدني إلى ناري
وتطعن بي حناياي
وتنسي أنني شجر وإن الله يسكنني
ويمسح كل أوراقي فتخضر
وأخشع كلما أتى المطر
وإن سالت دموع الطفل في منفاه أنصهر
وصاياي الندى النضر
فهل أدركت سيدتي بأني الجمر والحجر
وإن الله كونني من الجميز والحنظل
وإني ههنا أمشي بأبهة
هناك أعيش في فوضاي أو أرحل
وإنك قلت لي يوما:
" أحن لشعرك المجنون بين يدي "
قلت يداك تغسلني من الآثام
من رأسي إلى خطوي
فغذي بي جنون البرق في لغتي
وغذي بي صهيل الروح في موتي
فإن الصمت لا يرحم .
وحين تشكلت رئتاي أغنية
وصارت كلما همسَت بكفيك
تطير فراشة الأحلام في عيني عينيك
وأدعو الله أن يبقيك أزمنتي
فهل جانبتُ أنهاري
إذا فاضت مياه اللوز في كفيك
يا تعبي ويا شغبي
سألجأ للذي جعل الحنين جداولا في مبسمي
فارحلي من خافقي وهاجري من ناظري
وباعدي بين القلوب ولا تقولي
إن ربك إذ يدوزن في قلوب العاشقين محبة
فلأنها منذورةَ للأرض أو للزرع أو للناس
أنت الأرض كل الزرع كل الناس
أنت البذرة الأولى نواة الجذر
أنت النطفة الولهى على جسد الغريب
أنت الماء يصعد في الجذوع
وفي الضلوع وفي النحيب
وأنت أغصان الصدور
إذا أصيب القلب بالضجر الطروب
يخرج حالما متنزها يهدي الصخور البوح
أو همسا تعتق للنذور وللدروب
فينبت الصخر حنينا للتراب
ويرفع الشجر الحنون أكفه لله :
اعطني ماء التناسل كي يزيد نداك
في أرواحنا لنحتل الرمال .
وأنا أحب الله أيضا
فزيدي في الغياب
وادفعي نحوي السراب
أو اجبلي زمني المسافر بالعذاب
وبالمحطات التي تتلون الأشياء فيها
ساعة تغوي المسافر بالرضاب
وساعة تأوي المسافر للغياب
أنا المتيم بالغموض السحر
ألهث خلف موجات مضمخة بمليون احتمال
أنا المسافر للزوال
لدي ما يكفي لأعشق
كل ما تهفو إليه العين
وكل ما يضرم خشوعي للإله
أنا المضيع في صباه
رأيت أقداري على أرض تناهبها الخراب
رأيت جدي نازحا في مبسميه الموت
يرحل نحو أزهار النعوش
شممت أمي كلما رقصت جيوش
أقمت أكثر من حوار مع الصديق
يمسد الأرق الـ تجمر في الدماغ
يقول لي : إيه بني احرص على تاج الرؤوس
ولا تبالغ بالغموض فإنه لا أرض تزرعه
ولا شعبا يمارس رقصة
في عز أفراح الحصاد
لا علما ولا علما سيفرز ما لدينا
يرفع الألغاز عن سر التحول
من حالة الأحياء لحالات الجماد
كان أبي يهدهدني ويعلم أنني
لا أعرف التيجان لكني أغذ السير
نحو الروح إذ تأتي إلى جسدي
مطهرةً من الأصفاد
كنت أصيح في صمت أراهن أنه يدري
فقد هطلت مياه العين
فوق خدودي الصفراء
كان أبي يمجد فكرة الفقراء
ألقاني إلى أرض بلا زرع
إلى شجر بلا ثمر
وقال : هنالك امرأة ثمار الأرض تصنعها
وغافلني تداخل بالفناء
فصرت أحبه أكثر
وصرت إذا اشرأب القلب يأتيني
وإن سكتت جذور الرأس يأتيني
وإن هاجت حكايا الدرب يأتيني
وإن أدمنت أوهامي يلقنني
ويعتب صارخا: قد قلت ما لم تسمعه
إني أجفف دمه من أدمعه
ومن الوريد إلى الوريد
واذكر الحزن المطل صباح يوم العيد
كنت أدخل رأسه فأرى المصيبة فرخت
إني اختزال طريقه ، عيناي مأوى للمحطات
الأغاني والنشيد ، هي التي كانت تغني :
أنت أكثر من عشقت،
وليلةً أخرى تمادت في الجفاء ،
زيدي من جفاف العين
يمطر الجني تعاويذ المطر
أنا الضرير إذا تبصر مبصر
ينفي أحاسيس الحجر
وأنا الحكيم، إن تراوغني الشموس
فصادري جل الأشعة من زهور اللوز
من مسافات التألق نحو وجهك
تتمازج الرؤيا بسر الجلنار
أحرق الدرب جنونا
ثم أستلقي بواحة صوتك النهري أكثر من نهار
أرسم ما تبقى من ملامحك الكثيرة
فوق عمق الماء إن الله في عمقي
وفي شوقي وفي عبقي وفي أرقي
وإن الله في حزني وفي فرحي
وداخل خيمتي الأولى وفي وجعي
وفي خوفي على أحلامك الكبرى
وفي عشق يطل علي كالذكرى
أنا الموؤود بالأوطان والخلان
أنقذني حديث النار في الأبدان
قادتني الرياح إليك إذ كنا
على ملح السواحل عندما
جنت أعاصير الكيانات الصغيرة عندما
وهنت أزاهير الكيانات الكبيرة
كنت أصغر من مسامات الرمال
فضاقت الرؤيا إذ اتسع الضياع
والتصقت مساماتي بملمح روحك الوردي
فانتفضت أسارير البنفسج في يديك
رميت أشرعتي وأفئدتي وأمتعتي
إنك هكذا تعطينني لب النشيد
فهاجري إن شئت من أشعاري الأولى
إني أحبك هكذا ملء السماء
فأرسم الأقواس فوق هضابك الخضراء
أحرث ما تبقى من سهول لم تحالفها المناجل
أبذر تربة حيرى سلامات السنابل
أحضن الأزهار
أعصر العنب المطل على كرومك
أنتشي بمزاجها وزواجها
إني أحبك هكذا ملء التألق في الردى
وأذوب في عبق القرنفل والمدى
وأغافل الحراس جهرا ثم أمتطي الصدى
وأجول كالضوء الحنون على ضفافك أقرؤك
أستحم كما الطيور
فساعة تمشي المياه على يدي
وساعة أمشي على أيدي المياه وأمطرك
فلي المياه وما تثنى من رذاذ
لي الغيوم وكل أفئدة النجوم
سأقرأ الآن المسارات التي تأتي
على عجل ولا تمشي إلى أجل
وتقول إنك كلما أدمنت بعدك
إنما تدنين أكثر من ضلوعي أو ضلوعك
فأنا أحب الله مثل أي فراشة
مأخوذة في سر أجنحة الربيع
فلا تقولي إن ربك إذ يدوزن
في قلوب العاشقين محبة
فلأنها منذورةُ للأرض أو للزرع أو للناس
أنت الأرض كل الزرع كل الناس
أنت البذرة الأولى نواة الجذر
أنت النطفة الولهى على جسد الغريب
أنا الغريب فظللي في داخلي أحلى وطن .
18/11/1999