العزلة خورخي لويس بورخيس


 
نحن على يقين من دنو الأجل‏
لكثرة التأكيدات الصادقة للغبار،‏
نطيل البقاء ونخفض الصوت‏
بين صفوف المدافن البطيئة،‏
ذات الترهات من ظل ومن رخام‏
نُعَلِّل النفس أو نزين المبتغى‏
بسمو الموت.‏
جميلة هي القبور..‏
التمثال العاري والتواريخ المسجلة الحتمية،‏
التقاء المرمر مع الزهر‏
والساحات الصغيرة ذات الفناء البارد‏
والبارحات الكثيرات من التاريخ‏
موقوفة اليوم ووحيدة.‏
نخطئ هذا السلام مع الموت‏
ونصدق التوق إلى نهايتنا‏
ونصبو نحو الحلم واللامبالاة.‏
اهتزاز في السيوف وفي العاطفة‏
ونوم في اللبلاب،‏
الحياة فقط موجودة.‏
الفراغ والزمن شكلان لها،‏
وهما أداتان ساحرتان للرئة،‏
وعندما تكون‏
ينطفئ الفراغ والزمن والموت،‏
كما ينطفئ الضوء‏
يزول طيف المرايا‏
حيث كانت تتلاشى الظهيرة.‏
ظل الأشجار لطيف..‏
ريح وعصافير تموج على الأغصان،‏
رئة تتنفس من رئات أخريات،‏
معجزة واحدة، ذات مرة، ابتعدت عن التحول‏
إلى معجزة غامضة،‏
على الرغم من تكرارها التخيلي‏
فظيعة ومرعبة أيامنا.‏
هذه الأشياء فكرت بها في العزلة.‏
في المكان الذي فيه رمادي.‏
شارع المخزن الوردي‏
العيون تأتيه عندما يهبط الليل على كل مدخل‏
ومثل أرض قاحلة تشتم المطر.‏
كل الطرق قريبة،‏
وحتى طريق المعجزة.‏
الريح تأتي بالفجر مخدراً.‏
الفجر يخفينا أن نعمل أشياء مختلفة ومع ذلك يأتينا من فوق.‏
مشيت طوال الليل‏
وقلقي أبقاني‏
في هذا الشارع العادي.‏
مرة أخرى هنا أمان السهل في الأفق‏
والأرض البور التي أفسدتها الأعشاب الخبيثة والأسلاك‏
والمخزنُ المضيءُ‏
مثل قمرٍ جديدٍ في مساءِ البارحةِ.‏
الزاويةَ أليفةٌ مثل ذكرى‏
بهذه الساحات السخيّة ووعد إحداها.‏
كم هو جميلٌ أنْ أشهِّدكَ أيُّها الشارعُ الذي قليلاً ما تراهُ أيامي!‏
الضوءُ يلّونُ الهواء.‏
سنواتي جالتْ طرقَ الأرضِ والماء‏
وفقط أشعر بكَ، أيُّها الشارعُ الهادئ والورديّ.‏
أُفكر إذا كانتْ جدرانك قد حَبلَتْ بالفجر،‏
أيُّها المخزنُ مضيءٌ أنتَ بطرف الليل.‏
أفكر ويبدو لي صوتٌ أمام الأشياء‏
اعتراف فقري:‏
لم أنظر إلى الأنهار ولا إلى البحر ولا إلى الجبل،‏
لكن ضوء بونيس أيريس اربتط معي بصداقة‏
وأنا أصوغ أشعار حياتي وموتي‏
على ضوء هذا الشارع‏
الشارع الكبير والصابر..‏
إنك الموسيقى الوحيدة التي تعرفها حياتي‏
وداع‏
متأخراً جاء وداعنا‏
متأخراً.. صلباً ولذيذاً ورهيباً مثل ملك معتم.‏
متأخراً عندما عاشت شفاهنا حميمية القبل في العري.‏
تدفقَ الوقتُ المحتوم‏
على العناق الغير مفيد.‏
وسخينا بالغرامِ معاً. ليس لنا وإنما للعزلةِ الآتية.‏
الضوءُ صدنا؛ وجاء الليلُ على جناح السرعة.‏
رحنا حتى للشباك المعدنية في خطورة الظِّل هذا‏
إلى أن هدأت نجمة الصبح.‏
كمن يعود من فردوس مفقود عدتُ من عناقك.‏
كمن يعود من بلد السيوف عدتُ من دموعك.‏
توثبٌ متأخرٌ بقي مثل حلمٍ بين تلك المساءات.‏
ثم رحتُ أُدرك الليالي.‏
والانكسارات.‏
مونتيفيديو‏
أنزلق من ظهيرتك مثلما ينزلق التعب من رحمة منحدر‏
الليلة الجديدة هي مثل جناح على أرصفتك.‏
أنت بوينس أيرس التي كنا بها، التي ابتعدتْ في السنوات بهدوء.‏
إنّكِ، لنا. متهتكةً مثلما يضاعف الماء النجمة.‏
ميناء مزيف في الزمن، شوارعك تنظر إلى الماضي بخفة أكثر.‏
ضياء من حيث الصباح يأتينا، على الماء الحلو العكر.‏
قبل إنارة الستارة المعدنية للنافذة تنزلين الشمس السعيدة‏
على قصورك.‏
المدينة التي ترن مثل بيت شعر‏
شوارعَ وأضواءَ ساحة.‏

  



 

 

View esmat11211's Full Portfolio