غزل في باص مزدحم
في مقعد الباص الخلفي امرأة تجادل الرجل الذي يجلس معها وكانا ملتحمين الى حد الانصهار، حتى انهما يبدوان شخصا سمينا واحدا لولا رأساهما. ولوهلة قد تظن أنهما توأمان سياميان.
الرجل يضحك باستمرار والمرأة تتحدث اليه بوجه عبوس ونظرات حادة وهو يبادلها بنظرات هادئة، تسمع أحيانا صوتا مرتفعا لكنك لا تستطيع ان تفهمه بسبب الضجيج المنبعث من أنحاء الباص المكتظ بالركاب.
من مقعدي المقابل أرى حركات المرأة العصبية، وتوسلات الرجل الذي يبدو انه يحاول استمالة المرأة اليه، وكسب رضاها.. هي ليست جميلة جدا.. وثيابها بسيطة تبدو كعاملة في مصنع يستغل النساء بأعمال قاسية نظير أجور بسيطة لا يقبل بها العمال الرجال.
الرجل الملاصق للمرأة يبدو انه يغازلها، وهي ترفض مغازلته، آه.. من الباصات وما يحدث فيها.. دائما يقوم الرجال بازعاج النساء لكنني أذكر جيدا تلك المرأة التي كانت تحاول ملامسة الرجل الذي يقف خلفها لتغريه.. مسكين لم يتمالك نفسه فخرج مسرعا في أول موقف فيما وقفت المرأة تلك محتارة تندب حظها التعيس.
اما هذا الرجل فيبدو جريئا، لا يضيع لحظة من دون ان يهز شاربيه ويحرك حواجبه.. ويعدل ربطة عنقه.. والمرأة تبدو أكثر عصبية وغير راضية من هذه الحركات الصبيانية.
جاء قاطع التذاكر فحاول الرجل دفع قيمة التذكرة عن المرأة، لكن المرأة رفضت وأخرجت قطعة نقود ودفعت عن نفسها.
ترى ماذا يظن هذا الرجل نفسه؟! حتى لو كانت امرأة ساقطة هل ستقبل بأن يدفع هذا الرجل مبلغا زهيدا لينال رضاها؟ شيء ساذج حقا ادارت المرأة وجهها نحو النافذة، لم تعد تنظر الى الرجل وهو يحاول مرة أخرى كسب رضاها.
توقف الباص.. وقفت المرأة فبدت سمينة جدا قياسا بالرجل الذي وقف هو أيضا.. حملت المرأة طفلة كانت تجلس بالمقعد المقابل لها مباشرة، ولم يكن ظاهرا لي.. فيما أمسك الرجل بيده طفلا آخر لم انتبه الى وجوده أيضا.. وبيده الأخرى أمسك يد المرأة لتتمكن من الخروج من الباص، وهي تدفع وزنها الثقيل وعصبيتها الزائدة.. وانصرفت ابحث عن وجوه جديدة بين الزحام.
د. طارق البكري
».