الطفل الذي يلعب
بقلم: د. طارق البكري
الطفل الذي يلعب
حمل الطفل لعبته الممزقة.. رماها تحت آلية عسكرية مجنزرة.. فتفتتت.
حمل لعبة جديدة رآها على زاوية الطريق.. أخذها فرحاً إلى بيته..
في المساء.. لم تجد أسرته لا كفنا ولا تابوتاً.. لفوا جميعا بشراشف تنبعث منها رائحة البارود والدم.. ثم دفنوا في تراب البيت..
مشهد لم ينشر
صاح الجندي..
go out.. go out
لم يخرج أحد..
اشتدت صيحاته وزمجراته.. نادى الجنود.. «أخيراً وجدنا ما نبحث عنه»..
خلعوا الأبواب.. وجدوا الأطفال يرتعدون، يحيطون بشيء ما..
والأم تتصدى لهم بصدرها..
ها.. ماذا تخفين؟!.. ابتعدي..
ضربها أحدهم بكعب البندقية..
ضرب الصغار بحذائه العسكري..
اكتشف أنهم يحمون رضيعاً.. ملفوفاً بخرقة بالية..
لكن هذا المشهد لم يجد طريقه إلى النشر
البوق الحالم
ظل يعزف ألحان النصر والسفينة تغوص في القيعان.. حتى جاء من يخبره بانتهاء الحفلة وانتحار المدعوين، فلم يجد بعدها من ينفخ له موسيقاه.. فادعى أنه العازف الأخير.. فنصبت الخيام واستقدمت الراقصات.. ولكنهم عندما سمعوه اكتشفوا نشازه فقطعوا عنه الهواء وأعادوه الى السفينة التي غرقت.
فاطمة عندما تغضب
فاطمة متوسطة العمر، في حوالي الأربعين من عمرها.. جميلة جدا، لم تزدها السنون إلا إشراقا.. الابتسامة لا تغادر شفتيها.. وشعرها الأشقر المصبوغ ينسدل ناعما وراء ظهرها مثل الشلال، وتتركه حرا يتراقص كسنابل القمح مع النسيم..
فاطمة ابنة رجل ثري جدا.. تزوجت مبكرا.. كان عمرها سبع عشرة سنة، انجبت مرتين، هما الآن في مركزين مرموقين..
تضحك حتى تظن أن الضحكة شيء مخلوق معها.. الابتسامة شكل طبيعي في وجهها..
مرة غضبت.. ومع ذلك ظلت تضحك..
لم تستطع ان تظهر الغضب.. كأن الابتسامة تحجرت فوق شفتيها
مسكينة يا فاطمة.. الضحكة لا تفارقها..
وحيدة رغم كل شيء
هي امرأة مثل النساء.. تعرف كيف تكنس وتمسح وتطبخ وتكوي الثياب وتنجب الأطفال.. ومع ذلك لم تتزوج.. تصرّ أن لا رجلَ يستحق الفناء من أجله.. فالزواج في اعتبارها شيء من الموت.. والعذاب قطعة من الزواج..
فكرة واحدة كانت كفيلة بتغيير رأيها.. بدأت الشيخوخة تزحف نحوها.. حاولت طردها.. لم تستطع، وبعدما كان شباب الحي يحومون حولها تناثروا بعيدا كما تتناثر الديدان فوق الرمال..
«أنا امرأة.. ولا أجد رجلاً يستحق الفناء من أجله»..
تلاشت هذه الجملة في شفتيها..
هي امرأة ولكن.. دون رجل.