كتاب جديد من إصدار شركة عالم المواهب مدرسة التجارة.. من جيل الكبار إلى جيل الشباب
أصدرت شركة عالم المواهب الكويتية كتابا جديدا تحت عنوان مدرسة التجارة" أعده الزميل الدكتور طارق البكري, وهو يتضمن سيرة كوكبة من كبار التجار الكويتيين وهم عبدالعزيز الغنام وعبدالعزيز البابطين وبدر حمود الروضان وعادل اليوسفي ووليد الرويح وأحمد الشايع. الكتاب الجديد الذي أصدرته شركة عالم المواهب هو نتاج زيارات أعدتها الشركة قام بها عدد من الشباب الناشئين, إلى بعض أكبر التجار في الكويت للتعرف على أهم مراحل حياتهم وخصوصا بداياتهم الأولى في التجارة. مدير عام شركة عالم المواهب جاسم ملك أوضح أن الكتاب هو جزء من نشاط قامت به الشركة مؤخرا , منها إصدار فيديو يتضمن مضمون الكتاب نفسه على لسان التجار, وسوف يتم عرض الكتاب والفيديو في أواخر الشهر الحالي في معرض خاص لبضائع اشتراها التجار الصغار في زيارة قاموا بها إلى الصين قبل مدة وجيزة, وسوف يتم بيعها بواسطة التجار الصغار أنفسهم. ويؤكد سعد سعود الكريباني أن هذا الإصدار سوف يتكرر من خلال تجارب عديدة مماثلة تهدف إلى اطلاع الجيل الجديد على تجارب الكبار وجهودهم ليحققوا النجاح في مجالات الحياة المتنوعة وخصوصا التجارة. معد الكتاب الدكتور طارق البكري أوضح في دراسة لمحتوى الكتاب أن التعرف على التجارب الناجحة, وتلمس أسرارها, وفهم أسبابها ومعاينة حيثياتها ومعاييرها.. كل ذلك يشكل حافزا للابتكار والتجدد, وإيجاد الفرص المؤاتية, والسير على خطى أشخاص بدأوا بدايات بسيطة, ثم سطع نجمعهم بعد سنوات طويلة من الجد والجهد والمعاناة. وقال: أفكار كثيرة طرحت نفسها من خلال صفحات الكتاب, وأكدت أن هناك رابطا قويا يجمع ما بين كبار التجار في الكويت, وظهر ذلك جليا من خلال اتحاد الآراء والتجارب والأهداف والوسائل والتعامل مع الآخرين, بدءا من الناس العاديين البسطاء.. إلى الخصوم والمنافسين. وأكد وجود أفكار متنوعة شكلت ركيزة عريضة, وجمعت هؤلاء تحت سقف واحد, وكانت النقاط الأساسية تشبه الوثيقة غير المكتوبة فيما بينهم, وقد تشكل منهجا متكاملا للحياة, لا للتجارة فحسب, ولا للعاملين في الحقل التجاري فقط, بل هي بصمة واقعية لتجارب حقيقية.. يمكن الاستفادة منها من قبل كل إنسان يريد النجاح والتميز والتألق في الحياة. ويتضح من الكتاب أن المال لم يكن هو الهدف الأكبر بالنسبة إليهم, والدليل أن المال لم يغيرهم, بل ظلوا بتلك الطيبة, والتواضع والاحترام لكل خبرة, ونالوا المكانة اللائقة في المجتمع, لا بسبب ما جمعوه من مال, بل بسبب الأعمال التي فعلوها بواسطة هذا المال, فهم اتفقوا أن المال في نظرهم ليس غاية بل هو وسيلة لتحقيق غاية, ولتحقيق رضى الله عز وجل, ورد الجميل للناس وللوطن, ولمساعدة الأشقاء في مختلف أنحاء العالم.. فتجاوزت أسماؤهم الحدود المحلية في أعمال إنسانية واجتماعية وثقافية, أكثر من الصيت الواسع الذي نالوه بفضل تجارتهم الكبيرة. هم جاهدوا.. تعبوا.. صبروا, وفي النجاح الذي حققوه رائحة العرق والألم والصبر والكفاح, وهذا رسخ في نفوسهم قيم الدين السامية, وقد لاحظنا من خلال لقاءاتنا معهم سمات عالية من التواضح والعلم والدراية, وشعرنا أنهم لا يحفلون بما يملكون من ملايين, لأن المال في قناعتهم الراسخة يأتي ويذهب, وما يمكث في الأرض هو العمل الطيب لا سواه, فلا يعرفون التنافس إلا بشرف, ولا يفهمون أن التجارة شطارة كما يقولون, بل هي عندهم مثل وقيم قبل كل شيء, والعمل الصالح والصيت الحسن أفضل عندهم من كنوز الدنيا. وقد ظهر الجانب الإنساني جليا في كلماتهم دون تصن ع, فالأحاسيس الصادقة كانت واضحة جدا . وكذلك برزت روح الإيمان المتأصلة في النفوس, وتجسدت بالأفعال قبل أن تتجسد في الكلمات, عبر العمل الخيري والتعامل الصادق مع الآخرين, وعبر تاريخ طويل من وجوه العطاء. وهم وإن كانوا قد تحدثوا عن بعض أعمالهم الطيبة في مجال الخير, لم يكن ذلك بهدف شخصي, ولا بسبب رغبة دفينة للتلذذ والتفاخر, فأعمالهم معروفة ومشهودة, لكنهم أرادوا بذلك أن يفخر الجيل الجديد بآبائهم وأجدادهم, وأن يحملوا الأمانة, ويتابعوا هذا النهج السديد, فهم نقلوا إليه مالصورة بتفاصيلها, وإن كانوا حذرين عند ذكر بعض الأعمال لتكون بينهم وبين الله سبحانه وتعالى.والكتاب أثار قضايا كثيرة جدا, ربما تحتاج إلى إعادة صياغة هذه الفلسفة على شكل دروس تأخذ مكانتها في التعليم الأولي وحتى الجامعي. وأن تستفيد الكليات الإدارية والتجارية والاقتصادية من الأفكار التي طرحت, وترجمتها نظريا وعمليا ضمن مقرراتها, لأن العلم إذا نبع من الواقع, من السهولة تأصيله وبرمجته لتحقيق أقصى الغايات في المجتمع. وألمح الكتاب إلى أن التجارب بمجملها تنبع من أصل واحد, جميع التجار الذين تحدثوا في هذا الكتاب كان الإيمان محور تفكيرهم, والتقوى ميزان عملهم, فهم يعترفون أن صدق آبائهم ومن سبقهم في ميدان التجارة بي ض صفحة التجارة في الكويت, لأن الصدق لا يأتي إلا بخير, ومن يصدق يحترمه الناس, ويحرصون على التعامل معه باستمرار. كما لوحظ أن معظم هؤلاء بدأوا بداية متواضعة بسيطة, ومنهم من نشأ يتيميا , فقيرا , عليه مسؤوليات, لم يتمكنوا من الدراسة لقلة ذات اليد, وعملوا في أكثر من عمل, وهاجروا خارج الكويت, وذاقوا مرارة الجوع والألم, ونكبوا مرات ومرات, ومنهم من كان غنيا جدا , بعد تعب وجد ومثابرة, وفجأة وجد نفسه فقيرا وقد خسر كل شيء, إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة الطريق, والوقوف من جديد والانطلاق نحو الحياة بثقة وتفاؤل, حتى تمكن من تحقيق الثروة مجددا بفضل من الله, وما يتحلون به من إيمان وثقة وإصرار. وحتى الخسران لم يكن ليغي رهم أو ليحزنهم, بل كانوا يبدلون الفشل إلى نجاح, لا يتوقفون عند العقبات التي تواجههم, بل تزيدهم العقبات قوة وإصرارا ونجاحا , وهذا ما ظهر جليا عند أكثر من واحد منهم, وفي ظروف متعددة, مثل الخسارة في الأسهم أو التجارة أو فقدان بضاعة أو بسبب الغزو العراقي للكويت سنة 0991, أو بسبب جمود السوق, أو غير ذلك من الأسباب التي أثرت على مسيرة تجارتهم في مسيرة عملهم الطويلة. واعتبر أن هؤلاء التجار لم يكونوا يعتبرون أن التجارة مهنة, بل رسالة وأمانة, ويريدون من الشباب أن يبتعدوا عن الوظيفة لأنها تجد من انطلاقهم وتجعلهم مقيدين, يقتصرون على مدخولهم المحدود في نهاية كل شهر, فالتجارة رزقها واسع, وتحتاج إلى جرأة وقلوب قوية, وهي تختلف كثيرا عن الوظيفة الحكومية, التي يحرص عليها الشباب, لكنها تضيع لأعمارهم فيما لا ينفعهم, وتقضي على أوقاتهم بالروتين اليومي, والعمل المكتبي الذي يشبه البطالة المقنعة. قصص كثيرة رواها التجار, تؤكد أن سمعة الكويت التجارية لم تأت من فراغ, فقد كانوا يحرصون على سمعتهم أكثر من أي شيء آخر, وقد اعتبروا أن سمعة التاجر أقوى من أمواله, فلو فقدت السمعة لن يتعامل معه أحد, لأن الناس في الكويت يعرفون بعضهم, ولا يمكن إخفاء أمر عن الناس, فهم مجتمع صغير, مثل بلدة صغيرة, من السهولة انتشار الأخبار فيها لتواصل الناس اليومي فيما بينهم. والغريب حقا أن العقود الكتابية بين المتعاقدين لم تكن رائجة حتى فترة قريبة, فكلمة الشرف, وحتى مجرد النية, هي عندهم أهم بكثير من أي ورقة يوقع عليها الجانبان, وحتى مع وجود العقود لم كن أحد يسأل الآخر عن العقد, ولطالما نفذوا اتفاقات شفهية, كان بالإمكان تناسيها بسهولة نظرا للإغراءات المالية الكبيرة السانحة, لكن المال كما قلنا لم يكن هو الهدف الذي يسعون إليه, وهذا قمة الأخلاق, وحس التعامل مع الناس. وربما يكون صعبا علينا هذه الأيام أن نرى تاجرا يتنازل عن ربح كبير, وعن أموال طائلة, لكلمة عابرة جرت بينه وبين شخص آخر دون شهود ولا عقود تثبت اتفاقهما. وقد شدد هؤلاء التجار على مسألة مهمة جدا , ورفضوا أن يعتبر التاجر الناشئ أنه ابن فلان ويعتمد على غيره في النجاح, ودعوهم إلى تزويد أنفسهم بالعلم قبل العمل, وتحسر من لم يتمكن منهم من إتمام تعليمه على أيامه التي لم يتمكن فيها في دخول المدرسة, لأن العلم هو الذي يبقى إذا ذهب المال, والمال لا يحرس الإنسان, بل العلم هو الذي يرفعه في الدنيا وفي الآخرة, بينما المال وسيلة فانية, ولذلك حرصوا جميعا على مساعدة أهل العلم والراغبين بالدراسة, وتكفل بعضهم آلاف الطلبة من الكويت ومن مختلف أنحاء العالم, ليدرسوا ويتثقفوا ويخدموا بلادهم ودينهم وأمتهم. كما تحدثوا عن قضية محورية لم يبتعد عنها واحد منهم, وهي قضية احترام وتقدير كل العاملين معهم, من أصغر موظف إلى أكبر موظف, والوفاء إليهم, وإلى أسرهم, حتى إن أحدهم أكد أن جميع مدراء شركاته في أنحاء العالم هم من أصحاب الملايين, ورغم ذلك لا يتخلون عنه, وهو أيضا لا يتخلى عنهم, وحتى هؤلاء الذين كبروا وفضلوا التقاعد لم يترك أولادهم, وأنشأ مع بعضهم شركات وأصبحوا شركاء له بعدما كانوا مجرد موظفين. والجميل في حياة هؤلاء حفظهم لجميل كل من أسهم بالحال الذي وصلوا إليها, وقد حرصوا على ذكر عدد كبير من الأشخاص, لم ينسبوا الفضل إليهم, كانا جميعا أوفياء للماضي, لم يتنكروا له, ولم يصنعوا مجدا كاذبا , بل تحدثوا بصراحة وصدق فهم لا يسعون لمجد أو لمكانة, فقد تجاوزوا ذلك منذ زمن, وحتى تجارتهم لم تعد هي الأساس في حياتهم. أمور كثيرة يمكن التحدث عنها من خلال كلمات التجار السابقة, وكم نتمنى أن تكبر الدائرة لتشمل جميع التجار من أمثالهم, ليتعرف الجيل الحالي, وأجيال المستقبل على مثل هذه التجارب الراقية التي تنبع من النبع الإسلامي الصافي الخالي من شوائب الحياة. ولعل هذه الرحلة في عقول تجار الكويت تمثل منهجا حقيقيا يجدر إعطائه الاهتمام المناسب من الرعاية والدراسة والبحث, فليس الهدف من الموضوع مجرد عرض الأفكار والتجارب كأنها حدث من التاريخ, فالقضية أكبر من ذلك
وأعمق, وأكثر جدية من منحاها الظاهري السطحي البسيط.
المصدرhttp://www.mosgcc.com/topics/current/article.php?sdd=113&issue=20