الكويت ديسمبر2003
http://alwaei.com/topics/current/article.php?sdd=538&issue=459
المصدر
د·طارق البكري لـ>الوعي الإسلامي<: الكتابة للأطفال فنٌّ له هويّة وأهداف
يحتاج الطفل المسلم إلى زاد ثقافي يومي يوطد مفاهيمه الدينية ويعزز قدراته الشخصية، ما يمنحه روافد بنائية، تهيئه للمستقبل، في سياق جملة من الاستجابات الحية التي يحتاجها الطفل، بدءاً من خطواته الأولى··· فإلى أي مدى تحقق قصص الأطفال وكتبهم الغاية البنائية المرجوَّة، وهل ما لدينا الآن يجسِّد المطلوب··· في هذا الحوار مع الكاتب والصحافي اللبناني المتخصص في شؤون الطفل الثقافية؟، الدكتور طارق البكري، الذي سبق له أن تولى الإشراف على تحرير ملحق >الوعي الإسلامي<، >براعم الإيمان<، حيث أجرى على الملحق دراسة موسعة كانت أطروحته لنيل الدكتوراه··· حديث حول هموم الطفولة وأدبها وصحافتها· > صدر لك قبل أيام عن مركز ثقافة الطفل، هنا في الكويت مجموعة قصصية جديدة، ترى ما الجديد فيها؟
ـ في البدء نشكر مجلة >الوعي الإسلامي< ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية على اهتمامهما الكبير بعالم الطفولة، وحرص المجلة على التواصل مع الأدباء والكتاب المتخصصين بقصص الأطفال وكتبهم·
وبالفعل صدر لي أخيراً خمس قصص عن مركز ثقافة الطفل التابع لمؤسسة فهد المرزوق الصحفية، وهي قصص إسلامية غير مباشرة عنوانها: بائع الحلوى ـ لعبة الحب ـ صديقتي التي أحبها وتحبني ـ الباب الوفي المزعج ـ نور والقطة الجريحة·
والهدف الأساسي من هذه القصص ترجمة منهج رؤية تربوية الذي أعدته المربية الداعية نسيبة عبدالعزيز العلي المطوع، والمقدم إلى اللجنة العليا لتطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت، وجميع هذه القصص معتمدة من الداعية المطوع، باعتبارها ترجمة قصصية للمنهج، وهي موجهة لأطفال المرحلة الابتدائية والمتوسطة·
> وهل هنالك إصدارات أخرى جديدة؟
ـ نعم، لقد صدر لي في بيروت أخيراً 02 قصة دفعة واحدة، بعضها مترجم إلى الإنكليزية، وصدر في دمشق، مجموعات عدة منها >مجموعة الانتفاضة<، وهي تحكي عن شهداء الانتفاضة والمقاومة في الأقصى المبارك >الأطفال<، وهنالك مجموعة ثانية عنوانها: >الشهداء الأبطال، وتروي سيرة عدد من الشهداء في العصر النبوي الأول، إضافة إلى مجموعات أخرى، كما أن هنالك قصة عنوانها >الأميرة كهرمان والسلطان شرهان<، وهذه ستصدر قريباً، وتتناول بصورة رمزية الواقع الذي أصاب العراق الشقيق من قبل النظام السابق، وتقدم للأطفال بطريقة بسيطة تبين عاقبة الظلم والظالمين·· كما صدر لي شريط أناشيد، يتناول نعمة الحواس الخمس، مع بعض التفاصيل العلمية··· وغير ذلك من الإصدارات التي تجاوزت 150 قصة و02 >سي دي< رسوم متحركة وأناشيد·
> كيف ترى واقع كتب الأطفال اليوم في العالم العربي؟
ـ أعتقد أن الواقع يؤكد وجود انطلاقة واسعة لكتاب الطفل المسلم، فالناشر بصفة عامة بات يدرك تجارياً وتربوياً أهمية نشر الكتب المناسبة للأطفال لمختلف مراحلهم السنيَّة، وبتنا اليوم نجد ملايين القصص والكتب والإصدارات على مدى العالم العربي، تحتوي قيماً ومفاهيم إسلامية سليمة، مع العلم أن هذه التجربة تعتبر من التجارب الجديدة نسبياً، وذلك لإدراك، الناشر العربي أخيراً الجدوى الاقتصادية لكتب الأطفال، وحاجة الأسواق، ثم إدراك كثير من الناشرين مدى تأثير الكتاب بعامة والقصة بخاصة في عملية البناء المطلوب··· ونحن في مركز ثقافة الطفل في الكويت لدينا أبعاد ثقافية دينية بعيدة تماماً عن الأهداف المالية، وكل القصص التي أصدرها المركز تباع بسعر أقل من التكلفة، فليس للمركز أي سعي للربح، بل إن رئيسة المركز السيدة غنيمة المرزوق معروفة بأعمالها الخيرية الممتدة من الكويت إلى كازاخستان إلى الهند والسودان، ولبنان، وأميركا··· وهي تبَّنت القيام بمشروع ترجمة منهج الرؤية الإسلامية وتقديمه للأطفال على شكل قصص لمختلف المراحل السنية بدءاً من ثلاث سنوات حتى نهاية المدرسة·
> ألم تيأس بعد؟
ـ قال: مم··· لم أجد تعثراً بالإصدار·
> أقصد من الناحية المالية···
ـ الحق معك··· يعلم من يعمل في مجال التأليف··· وبخاصة الأدبي منه··· وبشكل أخص وأدق ما يتعلق بالطفولة··· يعلم هؤلاء أن المردود ضعيف جداً··· وهذا أمر يشكو منه كثير من الكتَّاب··· لكني لست أكتب للطفل لأكوِّن ثروة··· ولست لاهثاً وراء شهرة·
> أقاطعه··· ماذا تريد إذاً؟
ـ يسكت قليلاً ويقول: ما كنت أتمنى أن يسألني أحد هذا السؤال··· لكنني اعتدت أن أسأل عن ذلك ـ لا مال ولا شهرة··· لست غنياً··· ولطالما وقعت في أزمات··· وربما بت جائعاً في أيام··· ومرة ألبست طفلي ثياباً صيفية فوق بعضها بعضاً لأنني لم أكن أمتلك قيمة ثوب شتوي واحد··· كل إنسان يمر بمآسٍ·· لكن ذلك لم يكن دافعاً لي لأعود وأتكسب من وراء الكتابة للطفل··· أحترم كثيراً من يقدر العاملين في هذا الإطار··· ولا أنسى فضل امرأة فاضلة تعي ما للطفل من أهمية، رعتني في ظروف قاسية··· مدت إلي يداً لنكتب للطفولة··· لننشر للطفولة··· ولا أنكر أن أجمل ما كتبت كان بعد رعايتها·
> هذا يعني تكسباً؟!
ـ ليس بهذا المفهوم··· هذا جزء··· جزء بسيط، لكنه أساسي··· لأن الكتابة للطفل رئة أتنفس بها في هذه الأجواء التي نعيش···
> وضِّح لي··· ماذا تقصد بالرئة؟!
ـ الحياة اليوم مليئة بالعفونة··· التعامل لا يكون إلا على قاعدة المصلحة، الطفل الذي يقرأ لي··· لا يعرفني··· ليس لدي مصلحة به وكل ما يربطنا هو الكلمة··· كنت في معرض الكتاب في الكويت أقف أمام الأرفف التي تعرض كتاباً لي، أتأمل الأطفال وهم يأخذون القصص··· يقلبونها بين أيديهم··· يشترونها·· لا أستفيد فلساً من الشراء، فلا تقل لي إنها حالة تكسب··· سمها نرجسية··· رضا نفسي··· انقلاب من الداخل··· المهم أننا نعيش الطفولة في كليّة··· تلك الأنامل الناعمة··· والعيون المتألقة··· تشجعني··· تقول لي: مزيداً··· مزيداً··· وهذا ما يجعلني لا أتوقف··· حتى يجف نبع العطاء·
> وأنت تتأمل ذلك··· ألا تشعر أننا مقصرون نحو الطفولة؟
ـ ليأكل الأطفال نحتاج إلى طعام··· وهذا ما نعمل كآباء وأمهات دوماً لتأمينه··· ولكن لينمو الأطفال في صحة نفسية وعقلية فهذا آخر هم لكثير من الناس، ليس البسطاء منهم فقط، بل حتى المثقفين المتعلمين·· نجد مؤتمرات·· ندوات·· دراسات·· الأحلام شيء والواقع شيء آخر··· الكويت تشهد من حين لآخر لقاءات خاصة بالطفولة، وكذلك·· مصر·· سوريا·· بيروت·· وغيرها من عواصم العرب··· لكن من استفاد منها·· نجد فئة معينة من الأطفال هم المستفيدون غالباً··· معظم الأطفال العرب لا يجدون ما يشترون به كتبهم المدرسية، فكيف يشترون قصصاً غالية الثمن·
معظم الناشرين متأثرون بما يصدر في بلاد الغرب··· يريدوننا نسخة عن الغرب··· يريدون أطفالنا نسخة مشوهة عنهم، يرطنون بالإنكليزية ويعادون العربية·· يعيدون نشر الكتب الإنكليزية المترجمة، وكذلك الفرنسية وبلغات العالم، وكأن العربية تخلو من عطاء وسناء· < هذا يعني رفضاً للإصدارات الأجنبية أو المترجمة·
ـ حبذا لو نعطي الكلام موضوعية··· فلا نحمله أكثر من قصده··· أنا أهتم كثيراً بمتابعة ما يصدر في الغرب والشرق من كتب ومجلات وقصص خاصة بالطفل··· لكن هذا لا يعني أن أخلع ثوبي وأغوص في قيعان الآخرين·· الأمم تتلاقح·· الأفكار تتبادل··· لكن أن نظن أن كل ما يأتينا من بلاد الغرب هو الأعلى والأفضل، وأن كل ما يأتينا من الشرق هو الأقل··· فتلك أفكار قاصرة··· هي التي لا تعرف قيمة ما في أرضها··· هنالك فنانون وأدباء وعباقرة··· هويتهم عربية··· انتماؤهم عربي··· صناعتهم عربية··· لو تأمن لهم المستوى الذي تؤمنه دور النشر الغربية لكان عطاؤهم أكبر وأهم··· ولكنا بصراحة نريد أن نطلب الأفضل والأحسن··· والأعلى··· بينما لا نقدم إلا القليل··· وليس ذلك فقط··· لو بدا على أحدهم حمرة الخجل والجوع في خديه··· لظننا أنها نعمة الرخاء··· فنبدأ نفكر·· من أين له هذا؟ لنبن أولاً ما في داخلنا··· لنسخوا على مطبوعات الأطفال··· ليتجه الأغنياء إلى هذا الجانب· > أقاطعه··· ما يكون دورهم؟
ـ دورهم كبير··· كثير منهم لا يزال غير مهتم بأدب الأطفال··· صديق لي··· يملك موقعاً على الإنترنت·· سماه >أدب الأطفال< لا يكاد يملك ما ينفقه على هذا الموقع··· فهو ينفق من جيبه الخاص··· فإلى متى يصمد··· الله أعلم··· وغيره أيضاً··· ينفقون الملايين على ندوات تظل حبيسة الأدراج··· نسمع عن مؤتمرات عن الصغار تكون بمثابة علاقات عامة··· هنالك من يستفيد كثيراً من ورائها··· وهناك من يركب الموجة·· وهناك بالفعل كثير ممن عشق الطفولة ومستعد لبذل ما يملك من أجل أطفال لا يعرفهم·· وربما لم يولدوا بعد·
< لم تحدد لي ماذا تريد من الأغنياء!!
ـ لا أقصد الأغنياء تحديداً·· بل أقصد غيرهم ممن يملك سلطة معنوية وأدبية على امتداد العالم العربي··· لماذا لا ننشئ كليات خاصة بأدب الأطفال··· يكون هنالك المحرر والمخرج والفني والمصحح والتربوي في كل المجالات المرئية والمكتوبة والمسموعة··· ومن أقدر من هؤلاء على الاضطلاع بهذا الدور الخطير··· كما يجب أن يكون هناك دعم لكتاب الطفل··· لا نريد أن يكون النشر محققاً استفادة اقتصادية على حساب الطفل، كما أن بعض الناشرين يعمدون إلى رفع الأسعار لتغطية التكاليف لأن إصدارات الطفل كما هو معلوم تكاليفها الطباعية مرتفعة، إلى أهمية تأمين مردود يكفل للناشرين الاستمرار والمواظبة على الإصدار·· فليمد الجميع أيديهم، وخصوصاً من يمتلك المال··· فعليهم مسؤوليات كبيرة في إطار ثقافة الطفل ولا سيما الإصدارات الخاصة بالطفل المسلم·
> ماذا عن إصدارك الذي كان تحت عنوان: >من دوحة الطفولة<؟
ـ هذا الإصدار مكوَّن من أربع كتيبات، عن دار الحافظ الدمشقي، ورسمته الشابة المبدعة دينا قباوة، وهي شابة في مقتبل عمرها، لكن رسوماتها تتميز بالدقة والبساطة، وتتضمن المجموعة أربع قصص تمس الطفل داخل أسرته، وعلاقاته الاجتماعية، تتعلق بحياتنا العربية، وبيئتنا الخاصة، أطفال ينشؤون في أحياء عربية إسلامية، ينهلون من النبع العذب الصافي·· وهي موجهة للأطفال في المراحل الابتدائية، السنة الأولى والثانية ابتدائي تقريباً، ولكني وجدت في المعرض الأخير في الكويت أطفالاً في المرحلة المتوسطة يقبلون على شراء المجموعة··· وبسؤالهم علمت أنهم يشترونها لأنفسهم·· وهذا بالطبع يفرحني·
> حديث الطفولة لا ينتهي·· ماذا تتوقع لأدب الطفل بعامة··· ولك بخاصة··· هل سينهض هذا الأدب وتستمر؟
ـ هذا أمر لا شك فيه·· إني أرى ذلك كما أراك الآن·· هنالك وعي ثقافي في هذا الجانب··· الاتجاه السائد يميل نحو الطفولة··· أما أن استمر أنا شخصياً، فهذا في علم الغيب ولا يعلمه إلا الله··· أما إذا قصدت أنني قد أيأس، فذلك أمر لا أظنه واقعاً أبداً··· وأخشى أن يتسلل الملل إلى روحي كما تسلل إلى أرواح كثيرين قبلي··· وخصوصاً عند فقدان التشجيع المتوقع··· وإلى ذلك الحين سأستمر·· وسأصمد··· إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً·
--------------------------------------------------------------------------------
التصنيف الرئيسيالبيت المسلم
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم الكاتب: تمام أحمد
عدد القرآء: 5
: : التاريخ : 2004-01-03
: : العدد رقم: 459