نور والقطة الجريحة

نور والقطة الجريحة



قصة: د.طارق البكري



>تحركي.. هيا.. لقد نفد صبري منك<.

قالت نور لقطتها الصغيرة المسكينة:

>هيا اقفزي فوق الحبل وإلا ضربتك بهذه العصا...<

لكن القطة بقيت في مكانها لا تدري ماذا تفعل..

بدأت نور تحرك عصاها يمينًا وشمالاً، وبدا صبرها قد نفد بالفعل..

نظرت إليها القطة بعينين دامعتين تتوسل إليها لترحمها..

>هيا< ــ صاحت نور ــ >لن يمنعك شيء مني.. هذا إنذاري الأخير<.

هزت القطة ذيلها.. استعدت لتقفز هاربة.. لكن عصا نور كانت أسرع، وبضربة واحدة طارت القطة حتى صدمت الحائط ووقعت على الأرض فانكسرت رجلها.. وسال الدم من فمها..

نظرت نور إلى القطة ثم خرجت من الغرفة لا مبالية.

بعد قليل دخلت أم نور غرفة ابنتها، فوجدت القطة لا تستطيع الوقوف من الألم، والدماء تغطي فمها.. تموء وتبكي ترجو منها المساعدة.

حملت الأم القطة المسكينة، نظفت وجهها من الدماء، ربطت رجلها المكسورة بقطعة قماش مناسبة، وقدمت لها الحليب، فشربت منه حتى ارتوت وهدأت، ثم استلقت على الأرض.

نادت الأم ابنتها.. لكنها لم ترد على النداء.

قامت الأم ونظرت من النافذة، فوجدت ابنتها تلهو في الحديقة.

رفعت الأم صوتها.. وقالت: >نور.. نور.. تعالي على الفور<.

جاءت نور مسرعة.. فسألتها الأم: >ماذا فعلت بالقطة؟!<

لم تكن نور تتوقع اكتشاف أمها السريع للقطة المسكينة، فحاولت أن تُظهر أنها لا تعرف شيئًا عما حدث، فنظرت إلى القطة ورسمت على وجهها علامات الاستغراب وقالت: >يا مسكينة.. ما الذي حدث.. لقد تركتها سليمة..<

قالت الأم: >ألم تفعلي لها شيئًا؟..<

أجابت نور بتردد: >لا.. لا يمكن أن أؤذيها.. ربما سقطت من مكان مرتفع..<

تألمت الأم من موقف ابنتها.. فهي لم تؤذ حيوانًا ضعيفًا فقط، لكنها أىضًا تكذب لتخفي سوء ما فعلت؛ فقد خافت من عقاب أمها ونسيت أن الله يراها.

نظرت الأم إلى ابنتها بعتاب شديد وقالت: >لقد سمعت كل شيء.. سمعتك تهددين القطة، لكنني للأسف وصلت متأخرة بعدما ضربتها بالعصا..<

لم تتكلم نور.. علمت أنها لا تستطيع مواصلة الكذب.

قالت الأم: >هيا.. أنت أيضًا اقفزي من النافذة إلى الحديقة.. سوف أرغمك على القفز.. وإلا سأضربك بالعصا نفسها.. هيا.. بسرعة.. لقد نفد صبري<..

بكت نور خائفة فقالت الأم: >سوف أضربك وأقول لأبيك إنك وقعت وكسرت رجلك لوحدك<..

راحت نور تبكي..

فقالت الأم: >لكن للأسف فأنت ستخبرين أباك بالحقيقة.. لأنك تستطيعين الكلام<..

سكتت الأم قليلا ثم قالت: >لكن من سيدافع عن هذه القطة المسكينة وهي لا تستطيع الكلام؟<

أضافت الأم: >كم أتمنى أن تتكلم هذه القطة الجريحة لتخبرنا عن قسوتك فتكشف الحقيقة<.

حزنت نور كثيرًا، وشعرت بخطئها.. فاعتذرت من أمها..

قالت الأم: >لكنك أسأت إلى القطة أكثر مما أسأت إليَّ.. وإذا عفوت أنا عنك هل ستسامحك القطة؟<

اقتربت نور من القطة تريد أن تحتضنها وتقبلها، لكن القطة ما إن شاهدتها تقترب منها حتى قامت مسرعة تركض برجلها المكسورة.. وهربت من المنزل وهي تبكي.. ولكن بغير دموع.

View bakri's Full Portfolio