هيرتا مولر فاضحة الدكتاتورية
(الفائزة بنوبل للأدب)
فازت (هيرتا مولر) الرومانية الأصل الالمانية الجنسية (56 عاما) بجائزة نوبل للاداب 2009م من بعد ان كتبت كتب كثيرة فضحت فيها ممارسات استبداد الأيدلوجية المغلقة غير المنفتحة على اي جديد، واختنقت بها (رومانيا) خاصة بعد ان رسخت بها الأنظمة الشمولية الدكتاتورية التي كانت ولم تزل في كل الأزمان تهيمن على كل ما في الإنسان من انطلاق وانجاز واحلام، من بعد ان استفحلت استفحالا سقيما، واخذت تلك الانظمة العنجهية تشبه الكوابيس المقيتة بكل ما في الكلمة من معنى، وبكل ما في قدرتها على التسلط، وعلى الرغم من تقنعها بقناع الخير الزائف، اذ اخذت تسخر الانسان الى حدّ استخدامه كمسخ، وكتابع ذليل، وتلغي له كل ما يحمل من انسانيته، تسحقه بفعال مشينة، لتصنع منه الذي تريد، وليس ما ينبغي عليه ان يكون، وقد تصدى لها الكثير من الفكر الإنساني بكل ما يملك من ادوات، فاخذ الفن الروائي يتخذ موقفا صارما عبر الزمان والمكان: ناشدا الحرية، بحرية التعبير، وبحرية الحلم، عبر حرية الإبداع في مسارات لا ترسم حدودها أجهزة النظام السياسي المفترضة ولا نظرياته البليدة ضيقة الأفق، فالأعمال الأدبية في جدب تلك الأزمنة تزهر بعطائها المشرق، تصل العالم من حولها، وتخترق الرقيب مهما بلغت اسواره، فان الأسوار تنحني إجلالا واحتراما للاعمال الفنية المتقنة إنسانيا، فجاءت أعمال (هيرتا مولر) فاضحة الدكتاتورية، في بلد اشتهر بنظام سياسي عتي بالقمع قائم على أيديولوجيا مظلمة تفرض على الناس ان يتحولوا إلى رقباء بعضهم البعض ليدعموا معالمه، ولا يسمح بتجاوز اية حدود مرسمومة سلفاً، وتسير على سكة واحدة غير متفرعة، فقد استطاع قلمها ان يحقق ذاته، ويرسم كما تبين أعمالها المرهفة متحدية القمع وقسوة الحياة تحت حكم (تشاوشيسكو) اذ هربت من (رومانيا) مع زوجها (ريتشارد فاجنر) عام 1987م، ثم استقرت لتعيش في برلين. قبل ان يطاح به ويعدم عام 1989م. (هذا البلد أنقذني عندما وصلت عام 1987 التقطت أنفاسي أخيرا... وعندما انهارت الدكتاتورية شعرت أنني لم أعد مهددة). كانت تكتب دون خوف، وكتبها تعود الى وطنها بتحدي كبير، بشكل سري، وتكشف كيفية تنامي الرقيب الداخلي، وكيف هي تستغفله لانها ادركت حريتها، تقول: (انها وجدت نفسها مدفوعة للكتابة عن طريقة تمكن الحكام المستبدين من السيطرة على بلد ما)، وقالت انها (صورت من خلال تكثيف الشعر وصراحة النثر حياة المحرومين). ومن أشهر أعمالها (أرض أشجار البرقوق الخضراء) The Land of Green Plums التي أهدتها لاصدقائها الذين قتلوا أثناء فترة حكم نيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا التي استمرت نحو 20 عاما، ورواية (الموعد) The Appointment التي تحكي قصة امرأة كانت تحيك كتابات على بزات رجال متجهة الى ايطاليا تقول (حررني من الظلام)، ولدت (مولر) في (17 أغسطس عام 1953) في قرية رومانية تسكنها أقلية ناطقة بالالمانية، (ووضع الأقليات في أوروبا الشرقية كان من بين المواضيع المحظور الحديث عنها، فالنظام السياسي يرى أنه، حسب مبادئه المعلنة لا مكان للحديث عن أقلية وأكثرية، فالكل ينتمي الى المجموع)، فتنامت الفوارق الطائفية على ارض الواقع بشكل خفي (حيث تنامت الحروب الأهلية التي اندلعت بمجرد انهيار المنظومة الإشتراكية، في يوغوسلافيا السابقة وجمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق). تلك المساحات جعلت (هيرتا مولر) مستلبة بكل معاني الاستلاب، حيث يصعب عليها الا وان يكون ابطالها انحيازا للمستلبين في جلّ أعمالها الروائية. (أمها نفيت إلى أحد معسكرات الاعتقال في الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، وهي حرمت من العمل في تدريس الألمانية رغم حيازتها شهادة من جامعة تيميشوار).. ففي بلدها (رومانيا) حيث نشرت أولى أعمالها عام 1982، (أشعر بأني حرة في الوقت الحالي. الأشياء التي حدثت لم تمح من الذاكرة بل بقيت في رأسي وانا الشاهد على عصري، فلدي رأس واحد وقد هربت به لاجل ان اكتب، أحمله، وبداخله كل شيء وبه وصلت الى هذا البلد)، وقالت:-(لست الفائزة.. انها كتبي هي الفائزة كاعمال مكتملة، ولست أنا.. لست أنا شخصيا.. فانا انسانة قالت ما سبق ان عاشته، ولم اكتب غير الحقيقة التي هي اغرب من الخيال)، مضت تقول:- (أعتقد أن الادب يظهر دائما من أشياء ألحقت الضرر بشخص ما وهناك نوع من الادب حيث لا يختار الادباء موضوعاتهم ولكن يتعاملون مع موضوع يلح عليهم هو ما يعطي القيمة الفنية لكتبهم.. لست الكاتبة الوحيدة في هذا الشأن)، (ما زلت غير قادرة على تصديق ذلك، لم أتوقع فوزي، ابدا، كنت واثقة ان الجائزة العظيمة لن تأتي ابدا، ما زلت غير قادرة على التصديق، هذا مبكر جدا، أعتقد أنني في حاجة الى مزيد من الوقت لأستوعب ما حدث)..
10 تشرين الأول، 2009
دمشق