الضحك

الضحك





بدأت اكتب ما كانت زوجي تخبرني به، وإنا بالكاد امسك نفسي من الضحك، حيث أخذني إلى الاهتزاز، وأخذت تتصاعد بطني الكبيرة في تقلص وانبساط، فينقطع زفيري تارة، ويجلجل شهيقي تارة أخرى كما انحدار صخور إلى عمق وادٍ غميق. فالضحك جعلني افلت القلم، وافلت الزمن  فاخذ قلبي بعيدا عني. بقيت اضحك بلا قلب، عيناي احتقنتا ووجهي تضرج احمرارا، وطلبت منها أن تعيد علي ما فكرت به، مسحت دموعي التي اغرورقن عيناي بهما، بينما هي كادت أن تفقد أعصابها، وأوشكت أن تمتنع عن مواصلة قولها، فعلا؛ رحت أتوسل اليها أن تعيد عليّ ما سمعت وإنا اشرح لها أسباب ضحكي، راحت حروفي تتراقص أمامي، مفلتة معانيها، وإنا أغوص في الكرسي الصغير المتحرك ناسيا بأن الكهرباء ضيف يعز عليه البقاء.

- ما أحكيه لك يدعو للبكاء لا الضحك!

قالت؛ بان قرص (سي دي) الذي رأيناه البارحة، والذي يظهر فيه احد المذبوحين في لحظاته الأخيرة، قبل الذبح، وهو يرتجل ندمه على ما اقترفه بحق الدين والوطن، من جريمة وخيانة، ورغم ذلك جزوا رقبته بسكين وفصلوا رأسه عن جسده. وقع كضحية عملية نصب واحتيال قامت بها، مجموعة تسمى بعصابة (السندباد)، وقد جرت على النحو التالي، كان يسكن في شقة يملكها مدير شرطة النجدة، استأجرها منه، منذ عام 1996م، ولما أراد المالك أن يزيد في قيمة الإيجار، لم يوافق المستأجر، وبقي يدفع مبالغ بواسطة المحكمة، وبقي ساكنا مع زوجه تحت وصاية القانون. ومن سماته كان ثرثارا، معتدا بنفسه، ومولعا في السينما، وما كان لا يروي بصدق كل ما يحدث إمامه، ودائما يضيف إليها من خياله، ولا يصمت بل يتحدث بها إلى القاصي والداني. رغم عمله في شتى المهن التي ادعى بأنه كان يجيدها، ويكسب ما يسد رمقه، وزوجه. وكان يحدث جيرانه عن عشقه الأزلي، بإسهاب، ويعيد أمام أكثر من شخص كيفية فشله في معهد الفنون الذي أنتج نجوما متألقة كانت تشاركه طوابير التسجيل في المعهد. وقد وصل إلى حتفه عندما وافق على طلب تقدم إليه احدهم بان يقوم بتمثيل دور بسيط مكون من حركة واحدة، وهو أن يجلس أمام كاميرا محدودة الحال والتقنية، وان يحفظ دوره جيدا، وعليه أن يظهر خوفه وفزعه، وان يعطي انطباعا بأنه مغرر به، فيبدي الندم الشديد لما اقترفته يداه، والاهم بأنه أن يبرز كل ذلك على وجهه، وسوف يستلم مبلغ مجزيا لقاء إتقانه الدور، وحدث كل ذلك في اقل من عشرة دقائق، أجلوسه مكتوفا على الأرض، مطأطئ الرأس، ذليلا، وظهر خلفه احدهم كان يحمل ورقة فيها قرار إعدامه، والثاني اخرج نصلا لامعا من جنبه، وراح يتكلم عن ما تقرر له أن يقول، ويضيف أثناء جلوسه على الكرسي، ما طاب له أن يضيف، مستعذباً أن يكون العلم شاهدا على كذبه، لأنه بثقافة محدودة، وعقل لا يدخله إلا الحماس في التكلم، وكأنه يجيد الدور المسنود له، والفعل؛ والذي لم يكونوا متفقين عليه هو ان السكينة الحادة، انطلقت لوحدها، ولم تلتزم بالاتفاق مبرم، وقد غاصت في لحم رقبته، وطفر الدم كنافورة وبلل الجدران وتبللت اللافتة السوداء، المكتوبة بالأبيض، متحولة إلى الأحمر القاني الذي أضفى هستريا، الفوضى على المكان بصحبه. قلت: الم يصادف السندباد القرصان؟، وبقيت اضحك مقرقعا، وكان بطني عربات قطار فارغة تتقافز فوق سكة الحديد. أما زوجي الطيبة، فقد احتدمت كلماتها، وقالت في كلم يشبه الهمس.. كان احدهم يرتدي خمارا اسودا، برز انفه الكبيرة من خلف القناع، وهو الذي قرأ بحروف مرتبكة قرار الإعدام، أما القرصان الذابح، صاحب السيف كان قصيرا، والدم قد طفر إلى فمه وراح يلعق بلسانه. والثالث بقي صامتا، وكأنه هو الذي خطط للعمل كله، فقد كان الوحيد الذي يحمل مسدسا ذهبيا في حزامه إضافة إلى البندقية الذهبية، الدم في الشاشة يغرق حتى مفاتيح التلفاز، مثل نافورة.

كان ضحكي متواصلا برغم البكاء المتصاعد من زوايا العالم، والذي بقي يشمرّ دما اغرق البساط الذي افترش الغرفة المعلقة في الفضاء والتي أخذت تدور دورانا سريعا، كلما ازداد الضحك، فمالت الغرفة بي إلى الجهة التي تهزّ بها كرشي المنزلق إمامي، فأرى بطني كما أفعى التهمت فأراً، وراح ينزلق إلى أسفل عبر حلقاتها لأجل أن يعصر فيهضم. (إن القصة تمت بعد أن تم اختطافها من قبل هؤلاء. تم تعذيبها تعذيبا شديدا وآثاره بادية على جسدها، وتم بعد ذلك كسر أرجلها وهي حية، وتحطيم العظام بصورة بشعة مجرمة، وتم اقتلاع أظافر أصابعها تنكيلا، وبطشا بما سببته لهم من خزي وفضح وإحراج وتعرية، ثم أقدموا على ثقب أجزاء من جسدها بالمثقب الكهربائي، وقد اثبتوا أنهم هم قوة منظمة، قامت بعمل متقن، وتسلمت عيادة الطب العدلي، مثبتة ذلك في تقرير تشريح للجثة بان جسدها كان مليئاً بالثقوب نتيجة استخدام المثقاب (دريل)، فقد عثر على تسعة ثقوب في يدها اليمنى وعشرة في يدها اليسرى. وثقوب أخرى في ساقيها وسرتها وفي عينها اليمنى). حاولت أن أوقف صوت الضحك الذي أخذت تتسع دائرته، واخذ وضعا غريبا يمرّ به جسدي، فبطني غير متوقفة عن الضحك، بينما أريد أن امتلك زمام نفسي، و لا استطع، كمن يريد ابتلاع نفسه، حيث أخذت حلقات بطني تتعدد، وهي تستطيل، وأنا أريد أن أتوقف عن الضحك لأرى ماذا يحدث في التلفاز، وما تحدثني به زوجي الطيبة، كان القلم، قد سقط عن أصابعي، وكنت أحاول إيقاف الضحك ولكن عبثا بلا جدوى، ولكن (السي دي) يدور، ويعرض بلا توقف، كأن القصص تتوالد، كحكايات ألف ليلة، والقراصنة الأوغاد، ابتدعوا لي عذابا جديدا هو إني لا اقدر على أن أوقف ضحكي، وكأني انسحب بقوة إلى جهاز التلفاز، كالمسحور، وكأنه يبتلعني إلى علبته الضيقة، حيث كانت الأنباء تقول: (ووزع مصدر على صلة بجماعات القراصنة فيلماً مصوراً بكاميرا هاتف نقال، يصور طريقة قتل صحافية بالغة الجمال، بعد خطفها في 22 -2-2206م ، وزعم المصدر انه عثر على الهاتف النقال في جيب بنطال جثة أحد عناصر الفصائل المسلحة، وقد أفادت صحيفة (ذي صنداي تايمز) البريطانية إنها حصلت على نسخة من هذا الفيلم، ونشرت التفاصيل التي تظهر كيفية قتلها، حيث كان استثنائياً بوحشيته، فبعدما خطفها رجلان كانا يستقلان شاحنة قرب سامراء، حيث كانت تغطي لإحدى الفضائيات حادث تفجير المرقدين الشريفين، أظهرورها في الشريط عارية إلى الخصر، ويداها مربوطتان خلف ظهرها، ولم تكن قد نزعت من رقبتها القلادة الذهبية التي بشكل خريطة، والتي كانت تضعها دائماً للدلالة على حبها لبلادها، بعد ذلك، تقدم رجل ضخم الجسم يرتدي زياً عسكرياً، من خلفها غطى فمها بكفه اليسرى، وفي يده اليمنى سكين قصيرة لم تكن حادة، لترحمها، فحز عنقها من الوسط إلى الجانبين، وسمع صوتها، وهي تصرخ من الألم، وتقدم رجل ثان يرتدي قميصاً (تي شيرت) غامق اللون ووضع حذاءه الكبيرة على صدرها، وضغط على جسدها ثمان مرات متتالية، فخرج الدم بغزارة من رقبتها. عندها عاد الأول فأكمل عملية الذبح بقطع رأسها وإلقائه على الأرض، ومن ثم رفعه ووضعه على جسدها).

في لحظة تلك وجدتني ملفوفا في البساط، وانكتم صوت الضحك، وإذ بزوجي تمسك المكنسة، وهي تضرب بي على ظهري تقول بأعلى صوتها:

- (أفعى في البساط)!

حتى نهضت من النوم، مقررا تدوين تفاصيل الكابوس، من دون تفريط .





‏‏26‏ أيار‏، 2006


View alahmed's Full Portfolio
tags: