محمد الأحمد
كاتب عراقي
يحبب النشر عبر مواقع الانترنيت،
ويحرر موقعاً أدبياً مهماً للقصة العراقية
عبر موقع بوابة العراق
حوار: محمد الكرخي
بعقوبة
(محمد الأحمد) قاص له حضور واسع في المشهد الثقافي العراقي، متألق بنتاجه القصصي بمضامين أصيلة ونظرة إنسانية تكاد أن ترتقي مستوى الأدب العالمي، تاركا ورائه أرثا حضاريا لما يتميز به أسلوبه الساحر في القص من رؤية واضحة وذاكرة يقظة ولغة مصاغة، وخيال خصب وخبرة واسعة، فضلا على خلق أجواء من الإثارة والدهشة في قصصه المصحوبة بالحان شجية معبرة عن معاناة الإنسان وعذاباته. تكاد تشعر بكل مفردة من مفردات نصوصه القصصية الضاجة بالحياة متجاوزا أنماط الكتابات السائدة، ومحلقاً حرا في الطبيعة الساحرة صوب سماء بهية تعانق مملكته الخالدة عبر الأزمنة.. التقينا به للوقوف للتعرف عليه في حوار.. فهو لم يكن كاتبا لذلك الزمن الذي ولى إلى الأبد، رغم انه كان حاضرا ذلك العصر الثقيل.. ذلك الزمن الذي اجبر كتابه على الانجراف وراء المكافأة المغرية التي كانت لأزلامه التي كانت تكتب في الوصف وصوفا لم يصدقها العقل.. وكان بيننا يكتب في معظم الصحف التي تصدر في الخارج، حاضرا بشافية عاشق.يكتب القصة التي تستهويه من كل الفنون استهواء أبدع فيه، وأعطاه وقته الشامل، واسلم القياد لروحه المتمردة.. فكانت قصصه محملة بحب العراق، و طرق بعيدة عن ضوضائهم في الصحف الرئيسة.. يكتب عرضا لرواية أو مجموعة قصص، وحتى الشعر... كانت حاضرا في كل الصحف.. تقريبا، ولكنه كان غائبا عن المديح و القديح.. ولم يسلم ذات يوم عندما استدعي من بعد أن نشر قصة قصيرة عنوانه (المذيع وانقلابه) في جريدة الاتحاد الإماراتية. مخلصها إن مذيعا أذاع انقلابه على زوجه.. فخلف شهداءا وقتلى.. قال له الضابط المسئول يومها إن كنت ترمي بائع الطماطة أي شيء فيرمي عليك طماطة، فعليك أن تعرف انك ترمي عسكرا، فيرمون عليك من.. مشيرا إلى مسدسه.. ورحت أكمل معه الحكاية التي تشوقت أن اعرفها منه عندما التقيت به في بعقوبة..
- أدباء الداخل وأدباء الخارج.. مسألة صحافية أثيرت مؤخرا.. ما تعليقك في هذا الموضوع؟.
المشهد العراقي تفرع بعد القسوة البالغة والمرارة التي كان يقاسها الفرد العراقي.. من بعد أن تقصده صاحب القرار في كل مفردات حياته. بات عليه لزاما أن يختار بين اثنين لا ثالث لهما.. الأول أن يكتب ويضع في أدراج مكتبه ويغطيها الغبار. والثاني أن يعد حقيبته ويرحل بين المنافي. لأنه واعيا لما عليه من التزام واحترام ذات.. كونه لا يتقلب على أوجه القوى.. فهو مثقف حقيقي لا يسمح لنفسه أن يكون منتهزا للفرص ليصف مع القوي في كل الأحوال، ويشتم الضعيف في كل الأحوال.
المشهد العراقي واحدا.. كل من موقعه.. الرافض من هنا هو ذاته الرافض من هناك. القمع كان واحدا، من عدو واحد.. شاع الخوف ديدنا في كل الطرقات.. ولكن المبدع.. طور رمزه، وصار يشتم الطغيان بألف صوت.. فلقد خبر الخطاب، وخبر مساحة صوته.. صار يغني على ليلاه في نغمة أية أغنية.. وصار إبداعه يصل الآفاق، بنفس عراقي يفوح من كل حرف.. فكل شخصية رسمت كانت تشرب من ماء الرافدين، وتقول ما لم يقله الأدب كافة.. لان جرح العراقي كان بليغا، وكان رغما من كل شيء.. كان يغرد بصوت واضح جهور حب العراق.. ودليلنا إن كتب الخارج كلها كانت تصل إلينا رغم الرعب، ولكن بحذر شديد.. تهرب من أيدي الشرطة لتصل إلينا بنسخ مصورة.. ويتبادلها الأدباء فيما بينهم كالصافة والنفط.
- كيف تنظر اليوم لأنهيارات العصر؟
كنا نعاني الأمرين في كتابة الجملة الواحدة، وكانت علينا ألف صخرة وصخرة.. ورغم الاختناق. كنا نكتب، ونقول قولنا بما نريده أن نريح به أنفسنا... وبعد أن زال ذلك الكابوس المريع بمعجزة.. علنا اليوم أن نفكر جدية بتغير أدواتنا القديمة تلك.. تلك الأدوات التي تثقفنا بها لتناسب ذلك الظرف الحرج.. أما اليوم.. فولدنا من جديد.. وعلينا بان نثبت للعالم بأننا أبناء الرافدين حاضرون في العصر الذي سيسعنا.. من بعد أن تخلفنا عن ركبه عشرات السنوات الثقيلة.. عصر الاتصالات والتقنيات التي كانت لا تصل إلينا لان النظام السابق يجهلها.. ظنا منه إننا كن سنستخدمها سلاحا ضده.. فكان لا يريد لنا إن نشاهد ونرى ونسمع.. لأننا لو رينا ما لا يريد.. إذ كان على يقين تام بأننا سوف نتمرد تلقائيا.. كان يريد أن نفكر بعقل واحد هو عقله، وبفكر محدود هو فكره.. اما اليوم لم سألتني عن بعض الأدباء العائدين من المنفى.. لكنت أقول لك. بأنهم يعودون إلى المقهى من بعد ضياع.. أرى في عيونهم ضياع آخر كله قلق.. فالمشهد الأدبي صار بعدهم اكبر، وأغنى مما كان في السابق.. أراهم يحسون بفقر شديد.. أمام كم مبدع لن يستطيعوا مجاراته.. فالأديب العراقي يعطي عطاءا غير محدود.. الأديب العراقي الذي في الداخل أكثر صدقا من محطات الشتات... أحس بان الأرض العراقية هي الأكبر بإبداعها.. وكل أديب فيها.. هو الأزهر.. وعلى العموم فساحة النشر الجديدة تنشر ما منعه النظام.. ولم استطع ليومنا هذا أن أجد عملا واحد يوثق ما يحدث في الشارع من رعب، وما في المشفى من دم...
- ما هي وجهة نظركم في كيفية إزالة ما لحق بالعقل العراقي؟.
لن أقول إلا بالإطلاع.. ومواصلة المعرفة.. من بعد أن دخل الانترنيت في كل تفاصيل حياتنا... فهو منقذنا من الضلالة.. كونه مكتبة عائمة في الفضاء الالكتروني، سهلة الأتصال.. سهلة النسخ.. سهلة القياد.. كالماء المبذول لشاربه.. فمن أراد أن يشرب سيتعلم.. بأنه إنسانا له حاجاته الفسلجية.. وان لا يتنكر لحاجاته الأساسية، ومكانته... أن يبقى حاضرا في المشهد الحضاري و أن يقترب من بعد أن كانوا في السابق يتعمدون نفيه إلى ابعد الأماكن.. لأنه ابن هذه الأرض الثرية الشماء. على الكاتب أن يدرك بأنه في عصر جديد لن يستطيع أن يثبت أركانه من كان مرتكزا على الفطرة.. فمن كان على الفطرة.. قد أصاب مرة واحدة.. ومن المستحيل أن يبق يصيب.. العالم من حولنا يريد جديدا جادا كل الجد.. والكاتب الذي لا يواكب العالم المنطلق بأقصى سرعته لن يلحق بركب القارئ المتنور...
- كيف ترى مستقبل الثقافة اليوم؟
أراها بلون واضح يميل نحو الثبات من بعد ارتكاز... فمن بعد أن زيح الثقل الغريب ذاك.. وبعد أن غادرت تماثيله التي كانت تحكم الشوارع. صار الصدر يتنفس بحرية، وصار الكلام يأخذ أبعاده الحقيقية.. لان الإنسان لا يقبل بالأوهام.. فمن حوله عالم يؤكد حضوره في معرفته ونتاجه الحضاري.. عالم لابد أن تكون فيه مضيفا لا مضافا إليه.. مستقبل سيزهر بأولادنا.. فلهم العصر الجديد مفتوحا بصدر رحب.. يقبل كل مبتكر، وكل مبدع جاد وحقيقي... أما عن نتاجي فاني شخصيا صرت أفضل نشره على مواقع الإنترنيت.. بذلك يبقى النتاج متاحا لأكبر عدد من القراء.. ولن يبعد عن أي إنسان يريد الإطلاع...
- ما قصة ذلك المذيع الذي انقلب وأذاع بيانا أطاح أو كاد أن يطيح بحكومة...
تبسم، واخرج من حقيبته نسخة من تلك القصة مكتوبة على وجه ورقة واحدة، وقال.. اقرأها.. فهي لن تزيد عن عشرة اسطر فقط...
25 كانون الأول، 2005