اغلبُ أل(دال) تحتاج إلى إعادة إصدار
بقلم: محمد الأحمد
أيّ دال نقصد، وأيّ مذهب نذهب، والتاريخ العربي الاشتراكي قد ركبّهُ المركبون الأفّاقون المتسلطون، إلى مقصدٍ غير مقصده، فأشاروا إلى ما يريدون، أمعانا في التشويه، وإيغالاً في التخريب، وليس لما تريد الحقيقة أن تأخذ مجراها، كما قد وقعت الوقائع.. نحنُ نشير إلى تاريخ من المفاهيم.. يوم كان المعلم معلماً مليئاً بالعلم يقف في الصف محاضراً يقطع عنا أنفاسنا، ومحركاً بغزارة علمه حواسنا، فنراه عملاقا بما يعرف، وبما يعطي. حاملاً شهادته بحرص، كل الحرص، بحذر يمشي إلى عمق الظلمة من اجل أن ينيرها لنا، ويعطينا زخما معرفيا مما نتمنى أن ننهل.. فقد صار حامل الشهادة في عصرها، قد هذّب نفسه بما أخذه من معلمه. فثمة معرفة منه نحصلها عن كل شيء، عفوا؛ اقصد معرفة القليل عن مجالات لم ندرسها، وصرنا نتبادل عنها أحدث المستجدات. لأننا لم نكن نودّ أن يتفوق علينا طلابنا الجدد، لا أن نقف أمام طلبتنا لا نعرف لغة عصرهم التي بها يتحدثون، ومفاهيهم التي يودوا أن ينهلوا عنها ما يروي العطش.. فنحن نعرف (شيء) قليل عما يحيط بنا، وكافحنا لنعرف ما يمكننا معرفته باجتهاد في اختصاصنا، وهو القليل أمام المختص الأكثر اجتهاداً منا.. ربما ليس تواضعا بل هو اعتراف بما يعرفه، ويحقق لنا دوما إضافة بحيوية تفاعل اكتشافاته وبحثه الدءوب.. فما أردت قوله لم يكن مدخلا لكل ما أردت القول فيه.. انه القول الكثير الذي يزاحمني التنفس، ويغيظني كلما رأيت أحداً ما من حملة (الدال) لا يعرف من نزر اختصاصه الذي ينبغي عليه أن يعرف من الورقة التي يتميز بها عن أقرانه؟. تلك (الدال) العريضة التي تتقدم اسمه ليكون أكثر لمعانا وجاذبية، فأسائل كيف يكون للطالب الذي لم يدخل أية محاضرة، ومعدله يفوق نسبة النجاح، فالحزبي كان بمقدار وفائه وولائه لقائد ضرورته (راس لا يحمل أية شهادة حقيقية).. يحصل على درجات مضافة إلى معدله.. الحزبي الممتهن حزبه.. يومها كان يونانياً لا يقرأ كما يقول المثل، و لم يك يحضر محاضراته الأساسية التي ينبغي عليه حضورها، (و لا يعرف أصلاً زملائه في المرحلة التي فيها) ومن المفترض أن يشغل فيها مقعدا دراسيا.. لأن الوفاء لقائده الحزبي، يومها، هي جله، ومعدل علمه.. و ليس هناك أي احتمال للاستغراب أن تجد شهادة رفيعة يحملها حزبياً لا يجيد فك (كلمتان) من اللغة الإنكليزية، ولكنه يجيد حلاقة شاربيه، ليظهرا كما شاربي عرّابه، أو تجده يتحدث شططاً خارج سرب البيت الأكاديمي بما ليس يعرف.. كنا نر البعض منهم يهدد أستاذه المشرف، من اجل أن لا يثقل مراجعه، ويوسع قائمة مباحثه.. أو يقوم المشرف بتسليم البحث للطالب كاملا غير منقوص.. وربما يتطور الأمر إلى أن يمطر بوابل التهم السردية، تشكك بولائه للحزب الواحد والقائد الأحد.. إن أثقل الأستاذ المحايد على الطالب الحزبي بالتزام حضوره.. والبعض الآخر كان يحضر بلباسه الزيتوني، متمنطقا مسدسه الرئاسي المريب، وأوسمته الحربية.. في زمن المحسوبيات الأيدلوجية.
إن زمن الكفاءة مع الشهادة الذي اندثر هو الذي أودّ أن اثبت له، وأبين موقفي.. ذلك الزمن الذي ابتدعه المسدس الرئاسي الذي كان مسلطا فوق راس الأساتذة ليمنحوا الرئيس وأبنائه، ورفاقه، وبقية أعوانه التقليدين كل فضال (الدال)، ونسوا أن يعلموا بأخذ مدلولها.. فعالية القصد منها إشاعة الجهل في مرافق التعليم أولاً وبالتالي تهميشاً لجيل كامل، وإفراغه من محتواه وإفشال دوره الريادي، فـ(الدال) جمهرة زملاء، مسيرة كفاح، وذكريات.. إن لم تثبت في الذاكرة الدعية فلابد من أن هناك العشرات ممن الذين كانوا معه يشهدون ثبوته في المشهد، و المشهد العام أكثر اتساعا، فثمة فراغ لا يمتلأ، لا يتسع النفاق والتزوير حيث الدارس لا يمكن أن ينسى دراسته ودروسه.. عبر بحوث، وإشراف، ومكتبات، وكدح و بصم في مكتبة المدرسة، وربما بضعة أوراق خطّ فيها بضع خطواته.. تلك الخطوات البليغة فبؤس ذلك الادعاء، و طوبى لمن يتخرج من أيديهم.. التاريخ يسأل أين بحوثهم الحقيقية التي نلتم عنها الدرجات العليا، و أين إنجازاهم العلمي بعد الامتياز، أين توازنهم بلا تلك (الدال) امن الممكن أن يثبتوا بأنها لهم....