غَريم زمن
كان يحدث جليسه في (باص) مكتظ بالراكبين، وبقيت حكايته تدور بين الجالسين، مثلما يدور دخان السجائر المختلط مع أنفاس الراكبين وكأنه كان يتحدث ألي معه بقيت وحدي استمع إليه بكل تركيز: - (كلمتان ولم أزد عليهما شيئاً، كل ما قلته له، عندما لاقيته في منتصف الشارع، إذ كنت أغلي قبل ذلك اللقاء كمرجل، ولم أكن في حالة توازن. كنتُ أبحث عنه، متوعداً به، وكأني أحمل بكفي روحي، وبأني سأفعل به ما يحلو لي، حيث جعلني ذلك الرجل القميء، البائس في حالة يرثى لها، اذ جعلني أخسر كل استقراري، بعدما استطاع أن يمدّ جسراً سرّياً بينه، وبين زوجتي التي كنت احبها تمام الحب، ولم يكن بحسباني أن أمر بذلك الموقف البائس، أبدا. ولم اكن قبل ذلك الآثم - إلا كائناً مستقراً.. أعود إلى بيتي بعد عملي بكل أمان، واتزان، ذلك كله قد حصل لي، وأنا اصدق انطباق السماء على الأرض، ولا أصدق إنها ستقبل بذلك الأكثر تعاسة، عشيقاً، وهو النقيض مني، ولا يزيد طوله عن نصف طول الرجل العادي .. عندما يضحك كانت أسنانه مفرعة إلى اتجاهين غير متقاربين، وله عجيزة كبيرة، كما لو كانت لخنفساء، ولا أحد يصدق بأنه لو جلس لما استطاع أن ينهض..
كنت احدق في وجهه، احسسته صادقاً، ثم تنهد بحسرة متابعاً القول:
- اتعرف ماذا كانت تقول لي؛ بأنك لو فكرت بامرأة أخرى فأني سأضع لك السم في الطعام، و طلبت منها أن نذهب إلى (عيادة الطبيب) لنبحث عن سبب عدم الإنجاب الذي كنا نشكو منه طوال عشرة أعوام متوالية.. لكي نحدد السبب ونقهره، بعد أن قهرنا طوال تلك الأعوام التي مرت علينا، وكأنها أسبوعا واحداً.. كان حبي إليها يفوق حبي للحياة، وعندما وصل أذني خبر إثمها، لم أصدق، ورحت اضرب ذلك الذي اخبرني بكل قوتي حتى كاد أن يموت بين يدي، وكأن كلامه لم يكن إلا مؤامرة دنيئة للنيل من حبنا المنتصر على كل الظروف، و عدت إلى البيت لأخبرها، لا لأعاتبها، وجدتها قد حزمت حقائبها إلى جهة لا أعرفها، عند ذلك بدأت أراجع الأمر والخبر!. قالت لي زميلتها:- بأن زوجتك مخلصة، ولكن نتائج التحليل بينت سلبية أحد الطرفين، ومؤكدة بان الطب سينجح يوماً بعلاجه الناجع)، وأستمر يقول:- (فأرادت الطلاق لأن هناك من شاور بأذنها، بأنك نويت أن تتزوج عليها، و كاد يذبحها من الوريد إلى الوريد، و قالت لي الأخرى :- هو الذي ورطها بتلك العلاقة، وكما فعلها في مرة سابقة مع امرأة أخرى قبل سنوات، زميلتها أيضا، وقالت الأخرى:- كانت ضحية جمالها وإهمالك لها، لم أك بتلك البرودة عندما قابلته في ذلك المكان، كنت انطلق تلك الكلمات، و هو يسمعني، إذ بقيَّ متهدلا كالمشلول، رأسه إلى الأرض.
- أنا لم أكن مفسداً لحياتكَ مثلما أنتَ تفعل!
بقيّ يقول منفعلا وكنت أحسه قد بذل مجهودا كبيرا لاجل أن يصدقه صاحبه الذي تصنع الإصغاء إليه، ويبدو لي أن طريقي قد طال علي لاني لم انزل في المكان الذي كنت أود، فلقد شدتني الحكاية، التي بقي يقول صاحبها (كانت كلماتي واثقة ومليئة، وكأني أحسست بان الكلمات لم تكن إلا الأقوى من أي فعل.. رغم أنى عرفته، لا يسمع أحداً، ولم يك يحبه أحد من كل الذين عرفوه.. عهدتُ كلماتي البائسة لن تصل، ولا قدرتي تجعلني أعادل فعلته بالمرأة التي فارقت).
فجأة نهض جليسه، وهمَّ هو معه. وراحت القصة التي شوقتني تفلت بنهايتها مني، وتمنيت أن أكتبها بطريقةٍ أخرى، غير ما جاءت.