زمن العزلة



زمن العزلة



1.

كان وحيدا في كل مكان.. يفكر، ويدخن بإسراف شديد، يحلق خلف سحبه المتكدسة في الأمكنة المغلقة، يطير معها أحيانا إلى البعيد ، ومكانه يتبدل من حين إلى آخر بطرف بصر، يتداخل الزمان بالمكان إبداعا، و يتشظى حلمه إلى عوالم، مثل شظايا زجاج متكسر. أفكاره البريئة تتبلور مع الأمنيات، وتطير مثل عصافير في جنان رائع.. تزقزق الوهم..

كلما كان وحيدا يتنفس الهواء عميقا.. يود أن ينزله إلى أقصى خلية فيه.. حرية في التنفس لا يعادلها شئ..علمته عمق الأفكار دون عناء.

كان يكتب عزلته القصية.. بإحساس، لتبقى له هذه الكتابة تعويضا له عن فضاء ما سدّ عليه بإحكام. وجهه الكلمات، وقبلته القلم..



2.

… في تفرده، وأحاسيسه، وقوالبه.. يضيف إلى كل ما يقرأه شيئا لاجل ان يكون ناضجا بتلك القراءة، ويضئ بجذوتها الطريق إلى نفسه… يكتشف بأن ما فاته غير قليل وعليه ان يعوض عما قد فاته ..هكذا العهد من حوله..في سباق معلوماتي… ضاع في التيه من لم يكن مستوعبا، ومفتوحا للتعلم. وتظل تدور تلك المسافات باتساق مع صدره المتنفس بقوة. مع عيونه التي ترى عمق البشر.. نظرته الاستكشافية تسبر عمق الفكرة، و تخرق العواصف الغامضة والأيدلوجيات المبهمة، اذ يستشرف ما وراء (الغيوم السياسية).. يحللها لنفسه، يقتات على الخالص مما ليس بريئا. فليس بالطعام يحيا الإنسان . بالتدوين، بالموسيقى تعبر به عربة الوقت المنطلقة بأقصى سرعة.. محلقة بارتفاعات جنونية لا حدّ لأحد تحمل طيرانها الشاهق ذاك  بالكتب، والمكتبات جموع القلة وقلة المجموع .



3.

يفهم الذي تراكم فيهم.. وهم بلا أجنحة "ينطنطون"، و ان قفز الضفادع ليس كطيران الطيور.. يريدون ما ملك من أجنحة.. يبغون الفضاء الذي يتسع منه كل حريته، ويتنفس عمقه الشاسع.. بطيبة قلب يقدم لهم ما لم يتمكنه الناكرين.. كان يستشف نكرانهم البغيض، و الغل الغليل في نفوسهم الضيقة. النفوس الضيقة، التي لا تحتمل اكثر مما مقدر لها ولا يدرك بعد فوات الأوان.. بان لكل شخص من الاحتمال مما ليس لغيره- الأقل إبداعا..الأقل إحساسا..

كان يقدم كل تلك الأشياء على النسيان،لاجل  التجربة التي لا يخاف منها، ويعرف بأنهم حتما سيطعنون المواسم بالصدأ. ويمرضون الورد باليباس.



4.

الزمن الذي امتلأ بالأقزام يرفض رفضا شديدا اعترافه بالعمالقة.. بصلابة الرأي.. بالهشاشة. يقسمون الأصل إلى اثنين، والاثنين إلى أربع.. يبعدون القريب نكاية ليقترب البعيد.. مشهد غابوي من الفطرية… البدائية في وجوههم التي يتهربون بها من الرقي بحجة التمسك بالميثولوجيا معلنين عن ما لا يفهموه، بأنه كان مفهوما. يسير في المعاني، ويعطيها انتشارها.



5.

كان وحيدا في وحدته، يحب ان تقترب المسافات البعيدة، وتعم الاكتشافات الخضراء كل مساحات الرمل المحروق بسالف السيف القائظ.. وما من  مؤيد.

ينتقصون بإسفاف جاهلين كل ما غاب عن قناعتهم.. يعلم انهم لا يعلمون ما يعلم عنهم، والجيل الذي يليهم.



6.

حقيق به أن يستحي من نفسه قبل أن يستحي من الآخر. فالكذب على النفس حقيقة بلادة، وتيه ذات. من كان يدرك ذلك، لا يحيق بالبطلان، إذ  نفسه تتسع في الذات البشرية.. فانبرت إليه ستارا تمزق، او حائطا فاصلا تهدم، القوة التي يكتشف فيها ضعف الآخر. كان الوهم اكبر من الحقيقة، و سعة العالم لا تحوي حيرته ويحدد روابطها،لأجل ان يقننها بتحديد المتضادات وصناعة الأسلحة..



7.

كان الثاني من الأمر الأول.. له الحرص على ما يحب. كان يحب موقف الوجه الواحد.. مؤمنا بان ما لغيره لا يصح له، وما كان إليه لا يجوز لغيره...



8.

قال لنفسه:

أقمت في الزمان مكانا، وفي المكان زمانا.. فلم أر اكثر خسة من الخيانة.. بعدها لا يصح إلا الفصل والفراق!.



9.

قال لنفسه:

كانت كتبي هي كينونتي، وصرت فيها باحثا.. معقبا .. كالمحارب الذي يتمرن بسيفه، ليزداد معرفة بعصره، وهموم شعبه.. كانت المعرفة مفتوحة القوائم، وأنا احلق طيرانا تارة، وأخرى سابرا لأعماق البواطن، ماحقا ما أستطيع من قيد للعقل بإثبات ما أستطيع إليه سبيلا.. اكتب الجوهرة المكنونة، بفكرة مسكونة.. امضي قدما، لا احفل بضيق العبارة.. معولا على قصّ من الخيال.


Author's Notes/Comments: 

mu29@hotmail.com محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: